تسلط عليها الإمارات الضوء.. "الأندلس" حضارة أنارت درب أوروبا

كامل جميل - الخليج أونلاين

ما المبادرة التي أطلقتها الإمارات؟

ما أبرز ما علّمه العرب لأوروبا؟

كيف تعامل المسلمون مع بقية الطوائف؟

مبادرة مهمة أطلقتها دولة الإمارات مؤخراً تتعلق بتسليط الضوء على تاريخ الأندلس، وأثر العرب والمسلمين في إسبانيا، الذي كان حجر أساس نهضة أوروبا.

المبادرة التي تحمل عنوان 'الأندلس تاريخ وحضارة'، أطلقتها الإمارات لتعزيز العلاقات الإماراتية الإسبانية، والتعريف بالإرث الإنساني للحضارة الأندلسية التي أسسها العرب.

ووفق ما أوردت وكالة أنباء الإمارات (وام)، تسعى أبوظبي من خلال المبادرة إلى 'تسليط الضوء على الحضارة الأندلسية عبر جملة من الأنشطة الثقافية والفنية الهادفة إلى تعزيز الروابط المتينة القائمة بين الدولتين'.

وتهدف أيضاً إلى 'التعريف بالحضارة العربية التي شهدتها الأندلس، وما تأسست عليه من ثقافة الحوار والتسامح وقيم الانفتاح والتعايش'.

وتشمل مبادرة 'الأندلس تاريخ وحضارة' فعاليات فنية وثقافية متنوعة، تقام في الإمارات وإسبانيا، في سبتمبر ونوفمبر 2023، وفبراير 2024.

فتح المسلمون العرب الأندلس عام 92 هـ/ 711م، على يد القائدين طارق بن زياد وموسى بن نصير، خلال حكم الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك، وأقام المسلمون فيها دولة استمرت 8 قرون.

خلال هذه القرون نقل العرب لإسبانيا التطور العلمي والثقافي والصناعي والفني الذي كان مزدهراً في ظل الحكم الإسلامي، خاصة في العصر العباسي.

شهدت إسبانيا منذ بداية الحكم الإسلامي العربي فيها نشاطاً علمياً كبيراً، شمل مختلف المجالات من الفلك إلى الطب والرياضيات والهندسة والفلسفة، والنشاط نفسه شهدته عملية التراجم.

كانت النهضة العمرانية بارزة في ذلك العهد، حيث ما زال عديد من الأبنية قائمة وتحمل مزجاً جمالياً فريداً بين العمارة العربية الإسلامية والأوروبية.

وللتعلم كان بروز كبير أيضاً، حيث شيد عديد من الجامعات التي تدرس مختلف العلوم والآداب، يفد إليها للدراسة طلاب من مختلف أنحاء أوروبا، كان ذلك في وقت تشهد أوروبا خلاله تردياً علمياً وثقافياً كبيراً.

علوم الملاحة والإبحار، وعلوم التجميل، وعلوم الموسيقى، كلها كانت تُدرس في الجامعات الأندلسية، وينهل من علومها الطلاب الوافدون من مختلف بقاع أوروبا، وكان ملوك أوروبا يرسلون بعثات طلابية للمراكز الإسلامية التعليمية لتلقي العلوم والمعرفة.

كانت هذه الجامعات السبب في إدخال الأرقام العربية محل الأرقام الرومانية التي كانت تعتمدها أوروبا، لتبقى هذه الأرقام خالدة ومعتمدة عالمياً حتى يومنا هذا.

من أبرز ما طوره المسلمون في إسبانيا وتلقفته أوروبا ثم انتشر لاحقاً في مختلف دول العالم، علوم الزراعة بما فيها من طبيعة الطقس وأنواع التربة والنباتات.

ونقلوا أيضاً إلى أوروبا أسرار صناعة النسيج وفنونه، والخزف الإسلامي، والعديد من الصناعات يبرز منها صناعة الورق، والعطور، والسكر من قصب، والنواعير التي تنقل المياه.

وتعلم الأوروبيون العمارة الإسلامية والنقوش، والزخارف والخط، واعتمدوها لتجميل المباني، وظهر ذلك حتى في الكنائس.

وتعلم الأوروبيون النظافة من المسلمين، من خلال ارتياد الحمامات العامة، التي كانت معتمدة في البلاد الإسلامية وانتقلت إلى الأندلس.

من النقلات الفنية والثقافية والاجتماعية البارزة التي عرفتها أوروبا كان سببها زرياب، واسمه 'أبو الحسن علي بن نافع'، الذي ولد بأرض العراق في الموصل، ونشأ في بغداد، ثم استقر في الأندلس.

بدأ زرياب نشاطه في مدينة قرطبة، حيث أسس دار المدنيات للغناء والموسيقى، وكانت تضم أبناءه الثمانية وابنتيه، إضافة إلى عدد آخر من المغنين. وتعتبر هذه أول مدرسة أسست لتعليم الموسيقى والغناء وأساليبها وقواعدها.

وكان زرياب بارعاً في علوم وثقافات مختلفة، وله الفضل في تعريف أوروبا بوجبات الطعام الثلاثية الأطباق؛ بدءاً بالحساء، يليه الطبق الرئيس من اللحم أو السمك أو الطيور، والختام بالفاكهة والمكسرات.

وكانت له طقوسه في الجلوس إلى المائدة أيضاً، وأعجب الناس بتلك الطقوس، فيأكل على مهل، ويمضغ ويتحدث ويشرب بأناقة، وكان يضع على مائدته كثيراً من المناديل؛ ويخصص بعضها لليدين وبعضها للشفتين، وبعضها للجبهة وللعنق، وهو أول من لفت أنظار النساء إلى وجوب اختلاف لون وحجم مناديلهن، منبهاً إلى أن تكون معطرة أيضاً.

فكانت لمساته السحرية والإبداعية تلك أساساً لتعلم الناس إعداد مائدة أنيقة للطعام وتنظيمها، واستخدام أكواب وصحون من الزجاج بدلاً من التي كانت تُصنع من المعادن؛ لأنها أكثر أناقة وأسهل تنظيفاً.

وله أيضاً الفضل في ابتكار تصاميم وأزياء وسعت من خيارات تصاميم الملابس وتطورها، ومنه تعلم الناس أناقة الملبس وتنويعه بين أوقات اليوم وبين الفصول الأربعة وتقلبات الجو المختلفة.

وهو الذي علّمهم فن التجميل والعناية بالبشرة ونظافة الجسد والبدن، حيث يعد أوّل من استخدم مساحيق ومركبات لإزالة رائحة العرق، واستخدام معجون خاص لتنظيف الأسنان. وأدخل قصات وتسريحات شعر مختلفة لكلا الجنسين لم يكن يعرفها الأندلسيون من قبل، بعد أن طبقها في البداية على نفسه وأهله.

وله الفضل بتعريف الغرب بالشطرنج، وهو مؤسس أول معهد للموسيقى في العالم، بمدينة قرطبة.

التسامح الذي عرفته أوروبا في عصر ازدهار الأندلس كان مستمداً من أخلاق العرب، فقد كان عرب الأندلس لا يمانعون من إقامة الأساقف المؤتمرات الدينية.

وفي دليل على التسامح والتعايش الذي كان منتشراً في إسبانيا تحت حكم العرب المسلمين، كانت تبنى الكنائس دون وجود أي اعتراض، وكان اليهود والنصارى يشغلون مناصب عليا في الدولة.

لكن ذلك كله تغير إلى حال سيئة بعد انهيار حكم المسلمين في الأندلس، حيث واجه المسلمون اضطهاداً كبيراً وصل إلى تعرض أعداد كبيرة منهم إلى القتل دون سبب سوى أصولهم ودينهم.

في ذلك إشارة واضحة على حضارة العلم والرقي والتسامح التي بناها العرب في الغرب.

يقول العالم الإسباني خوسيه لويس بارسلو: 'أرسى الإسلام مدنية متقدمة تعد في الوقت الحاضر من أروع المدنيات في كل العصور'، مشيراً إلى أن 'الشخصية الجماعية للإسلام قد صمدت أمام كافة أنواع التغيرات؛ ذلك لأن معيار الشخصية الجماعية هو المدنية عامة، والتقاليد التي لم تنطفِئْ أو تخمد'.