الإمارات والكويت.. عراقة الثقافة وأصالة التراث

محمد عبد السميع (الشارقة)

ترتبط دولة الإمارات العربية المتحدة ودولة الكويت الشقيقة بعلاقات راسخة، تتعزز اليوم بزيارة أمير دولة الكويت صاحب السمو الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح إلى الإمارات، كزيارة دولة رسميّة، تعبيراً عن عمق علاقات الأخوة والتعاون بين البلدين اللذين تربط بينهما أواصر قوية يدخل فيها البعد الثقافي الأصيل والتراث العريق. ذلك أنّ البلدين الشقيقين، كبلدين خليجيين، يتمتعان بعلاقات راسخة ضمن الجغرافيّة الخليجية الواحدة، والتراث الأصيل المشترك، وبالتالي فإنّ كلّ مجالات الشراكة والتعاون الأخرى تجد لها أسساً راسخة في هذه الثقافة الواحدة وفي الحفاظ على الهوية الأصيلة والفكر الثابت المرتبط بتنوع بالشراكات وتحقيق المنجزات، والانطلاق من هذه الهويّة والثقافة المشتركة إلى آفاق رحبة مما ينفع ويفيد في المجالات الأخرى كافة، لما فيه مصلحة البلدين الشقيقين، ولتعمّ أيضاً الفائدة كامل المنطقة الخليجية والعربيّة، لإدراك القيادة الرشيدة، في كل من البلدين، أهمية رسالة الثقافة ودورها في تشكيل الاستراتيجيات وقراءة المستقبل ورفاهيّة الشعوب ورفع مستويات جودة حياة المجتمعات.

ويتمتع شعبا الإمارات والكويت بانفتاح ثقافي ووعي مجتمعي وتسامح فريد عملت الدولتان منذ التأسيس على تعزيزه وترسيخه، وقبل أن التفصيل في هذه الأرضيّة الثقافية المشتركة بين الإمارات والكويت، يتعين أن نقرأ أولاً جوانب من الروابط الاجتماعية والثقافية القوية، وأوجه التعبير الثقافي المشرق عن الراهن والمستقبل، وعمق الأخوّة بين الإنسان الإماراتي وشقيقه الكويتي.

ومن بدهيات القول إنّ الشراكات والاتفاقيات الثقافية بين الإمارات والكويت هي نتاج لهذا الرباط الوثيق والتاريخ المشترك، وهي عامل مهمّ في سرعة الإنجاز والبناء المؤسسي، كون الثقافة في أحد تعريفاتها الكثيرة تعني أسلوب حياة الشعوب وأفكارها وتعاونها وتضامنها ورؤاها وتطلعاتها. وكذلك التراث الذي تشترك دولة الإمارات ودولة الكويت في جزئيّاته ومفرداته وأوجه التعبير عنه، فيما يُعرف بوسائل التعبير الثقافي المادي وغير المادي. ويدخل في هذا الجانب الكثير مما نقرؤه ونحتفي به، في اللهجة الأصيلة والبيئة الثقافية.

علاقات الودّ الأصيل

وينظر الإماراتيّون باحترام وتقدير كبيرين إلى المشهد الثقافي الكويتي، وعلاقات الودّ الأصيل، منذ البعثة التعليمية الكويتية إلى الإمارات عن طريق المدارس في فترة الخمسينيات والستينيات الماضية، في فترة ما قبل قيام الاتحاد، وذلك إيماناً بدور التعليم وانعكاسه على بناء الإنسان وتنمية مقدّراته. وكذلك في أواخر عقد الستينيات قامت دولة الكويت بدعم محطة إرسال تلفزيون دبي، وكلّ ذلك كان يصدر عن علاقة راسخة تأكّدت وتعززت أكثر بعد قيام دولة الاتحاد، الحريصة على التعبير عن هذا القرب الشعبي والمجتمعي وتعزيز الشراكات والفرص المتاحة على مستوى الدولتين. وكان من تجليات هذه العلاقة الوطيدة وقوف دولة الإمارات إلى جانب دولة الكويت الشقيقة ومساندتها أثناء الغزو العراقي للكويت.

وتتجسد الشراكة الثقافية بين الدولتين الشقيقتين في معارض الكتاب في كلا البلدين، وفي المهرجانات الثقافية والفنيّة والمؤتمرات الفكرية المتخصصة وكذلك في مجال الأرشيف التراثي للأغنيتين الإماراتية والكويتية، وأوجه التشابه في الأداء والمسميات واللهجات كمادة أصيلة لبناء الكلمة. وكل ذلك نتيجة جهود القيادتين في صون وتثمين البعد التراثي وإيلائه عنايةً خاصّةً، بالتنقيب عنه وحمايته وصونه وإتاحته للأجيال. وقد أثمر كل ذلك عن تسجيل وحفظ تراث هائل وكبير له دلالته الثقافية والإبداعية، في كلّ أوجه هذا التراث المكتوب والمرئي والمسموع. وإذا كان التراث هو المادة الأساسيّة والأصيلة التي تنطلق منها الشعوب نحو الإنجاز والتقدّم والبناء والانفتاح، فإنّ في البلدين الشقيقين من مقوّمات بناء النهضة الثقافيّة ما مكّنهما فعلاً من أن يرتادا آفاقاً عالية ومؤشرات قويّة في العمل الثقافي، كيف لا وقد أصبحت المؤشرات المتحققة في هذا المجال علامة بارزة على نسب الإنجاز الثقافي والصناعات الإبداعيّة والمهرجانات المثمرة في كلّ حقول الثقافة والأدب والمعرفة والفكر، وفي كلّ معارض الكتاب في الدولتين الشقيقتين.

الفنون والثقافة والعلوم المتقدمة

ترسّخت مجلّة «العربي» الكويتيّة، كحاضنة للفكر والثقافة والإبداع والتثقيف في فترة مبكّرة من عمر دولة الكويت، في نهايات الخمسينيات من القرن الماضي، كما حققت وتحقق دولة الكويت إنجازات كبرى في مجالات الثقافة والعلوم، وكذلك ترسّخت مجلات أبوظبي والشارقة ودبي على سبيل المثال في الإمارات، وتألقت طموحاتها في مجال الثقافة والعلوم المتقدمة التي تتجلى في إطلاق مسبار «الأمل» والسعي لاكتشاف المريخ، وكلّ ذلك يتأسس على أرضية ثقافية راسخة وإيمان من القيادة والشعب بأهمية إنجاز خطة لا تعرف المستحيل في مضمار العلم والثقافة والتقدم العلمي والانفتاح المعرفي على العصر وعلى الآخر.

وقد ظلت الاستضافات الإماراتية لفعاليات وإبداعات الآداب والفنون الكويتية دائمة ومستمرّة، إذ لا يكاد يخلو مهرجان أدبي أو فني أو فكري إلا والكويت ممثلة فيه. كما قطع أدب الأطفال في الإمارات والكويت أشواطاً بعيدة في الإبداع والرسالة والأسلوب والرؤية الواثقة، وتحقيق الإنجازات الإبداعية لدى الأجيال الجديدة وربطها بتراثها الوطني الأصيل. كما كان سجلت أسماء كويتية مبدعة إنجازات وألقاباً مبهرة في برامج وجوائز ثقافية إماراتيّة، وجرت استضافات لكبار الكتاب الكويتيين في معارض الكتاب ومهرجانات الشعر والدراما والمسرح والسينما، والفنون التشكيلية، وغيرها من المجالات.

حضور ثقافي بارز

إذا نحن قرأنا المشهد الثقافي في السنوات القريبة الماضية، وجدنا أيضاً حضوراً كويتيّاً على المستوى الثقافي في الإمارات، مثل مشاركة الكويت في «إكسبو 2020 دبي»، وكذلك التعاون ما بين هيئة الشارقة للمتاحف ودار الآثار الإسلاميّة بدولة الكويت، وغيرها من المشاركات المنتظمة في أيام الشارقة التراثيّة للتعريف بالفن الفلكلوري الكويتي، ونثر عبق التراث الأصيل.

شراكات متميزة

إن المشاركات الإبداعية الكويتية الفنية والأدبية منتظمة ومتنوعة في مختلف الفعاليات الثقافية في الإمارات. ومثل ذلك فوز الأدباء الكويتيين بالجوائز الأدبية في الإمارات، واستضافة الكتاب والأدباء الكويتيين ضيوف شرف في الفعاليات الثقافية والفنية والفكريّة والمعرفيّة.