اخبار الإمارات
موقع كل يوم -الخليج أونلاين
نشر بتاريخ: ١٢ حزيران ٢٠٢٥
سلمى حداد - الخليج أونلاين
- شطب الإمارات من قائمة غسل الأموال الأوروبية يعكس ثقة متجددة في نظامها المالي
- إصلاحات تشريعية صارمة واستراتيجية وطنية عززت التزام الإمارات بالمعايير الدولية
- القرار يمهّد لتوقيع اتفاقية تجارية شاملة مع الاتحاد الأوروبي ويعزز جاذبية الاستثمار
في تطور يُعد انتصاراً دبلوماسياً واقتصادياً للإمارات، أعلنت المفوضية الأوروبية اعتزامها شطب الدولة الخليجية من قائمتها للبلدان 'عالية المخاطر' في مجال مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وذلك بعد مراجعة دقيقة للتقدم الكبير الذي حققته البلاد في ضبط منظومتها المالية والرقابية خلال الأعوام الأخيرة.
ويُنظر إلى هذه الخطوة على أنها تتويج لجهود مؤسسية وتشريعية مكثفة قادتها الإمارات لتصحيح صورتها في المحافل الدولية، واستعادة ثقة الشركاء العالميين في قوة وشفافية بيئتها المالية.
كما تكتسب الخطوة أهمية إضافية في ضوء إطلاق مفاوضات رسمية بين أبوظبي وبروكسل للتوصل إلى أول اتفاقية تجارة حرة شاملة بين الاتحاد الأوروبي ودولة خليجية، ما يجعل توقيت القرار ذا أبعاد استراتيجية تتجاوز الإطار الرقابي الصرف.
وأعلنت المفوضية الأوروبية، الذراع التنفيذي للاتحاد، في بيان الثلاثاء 10 يونيو 2025، أنها شطبت الإمارات من قائمة 'الولايات القضائية عالية المخاطر التي تعاني من أوجه قصور استراتيجية في أنظمتها الوطنية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب'، ولكن لا تزال هذه الخطوة بحاجة لموافقة دول الاتحاد الأوروبي والبرلمان الأوروبي.
مفوضة الخدمات المالية في الاتحاد الأوروبي ماريا لويس ألبوكيركي، اعتبرت أن الخطوة 'تجدد التزام الاتحاد القوي بالتماشي مع المعايير الدولية'، لاسيما تلك التي تضعها مجموعة العمل المالي 'فاتف'، التي كانت قد شطبت الإمارات العام الماضي من قائمتها للدول الخاضعة لـ'رقابة معززة'.
إصلاحات وتكثيف للرقابة
وخلال السنوات الأخيرة، عملت الإمارات على إصلاح بنيتها التشريعية والرقابية بشكل جذري لمواءمة قوانينها مع أفضل المعايير الدولية في مجال مكافحة الجرائم المالية وخاصة غسيل الأموال.
وكان ضمن أحدث الإجراءات قرار الإمارات في أغسطس الماضي، تعليق العمل في 32 مصفاة ذهب بشكل مؤقت، في إطار جهودها لمكافحة غسل الأموال.
ونقلت وكالة الأنباء الإماراتية (وام)، عن وزارة الاقتصاد قولها إن الحكومة تكثف حملات التفتيش على المصافي، في إطار تشديدها الرقابة على الجرائم المالية.
وأكدت الوزارة أن هذه المصافي ارتكبت 256 مخالفة، بواقع 8 مخالفات لكل مصفاة، ومن أبرزها عدم اتخاذ التدابير والإجراءات اللازمة لتحديد المخاطر، وعدم إخطار وحدة المعلومات المالية بالمعاملات المشبوهة، وكذلك عدم فحص قواعد بيانات العملاء والمعاملات ومقارنتها بالأسماء المدرجة في قوائم الإرهاب.
وفي الشهر نفسه من العام الماضي، أصدرت حكومة الإمارات، مرسوماً بقانون اتحادي يُعدل بعض أحكام التشريعات الخاصة بمواجهة جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب والتنظيمات غير المشروعة، في إطار تعزيز البنية القانونية والالتزام بالمعايير الدولية.
وتضمنت التعديلات إنشاء اللجنة الوطنية لمواجهة غسل الأموال واللجنة العليا للإشراف على الاستراتيجية الوطنية، إضافة إلى أمانة عامة تدعم أعمال اللجان، وذلك بقرار من مجلس الوزراء.
ويهدف المرسوم إلى رفع كفاءة الإطار القانوني، ودعم حماية النظام المالي الإماراتي من الجرائم التي تؤثر سلباً على الاقتصاد.
وفي سبتمبر 2024، أطلقت الإمارات، استراتيجيتها الوطنية لمواجهة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وتمويل انتشار التسلح للأعوام 2024-2027.
وتركز الاستراتيجية الجديدة على 11 هدفاً رئيسياً لتعزيز الإطار التشريعي والتنظيمي، وتستند إلى تقييم وطني للمخاطر باستخدام منهجية البنك الدولي، بما يتماشى مع المعايير الدولية.
وأكد الشيخ عبد الله بن زايد، وزير خارجية الإمارات، في تصريحات له آنذاك، إن الاستراتيجية تعكس نهجاً استباقياً لحماية النظام المالي وتعزيز مكانة الإمارات كمركز مالي وتجاري عالمي، خصوصاً بعد رفع اسم الدولة من القائمة الرمادية لمجموعة 'فاتف' في فبراير 2024.
كما شدد محافظ مصرف الإمارات المركزي، خالد بالعمى، على أهمية الاستدامة والفعالية والامتثال القائم على المخاطر في محاربة الجرائم المالية، وفق وكالة 'وام'.
وتتضمن الاستراتيجية تعزيز التعاون الدولي وتبادل المعلومات، والرقابة على القطاع الخاص، ومواجهة الجرائم الإلكترونية، وتحسين الشفافية ومعالجة المخاطر المرتبطة بالأصول الافتراضية.
وقد فرض مصرف الإمارات المركزي، منذ بداية العام الجاري، غرامات فاقت مئات الملايين من الدراهم على عدد من شركات الصرافة والبنوك لعدم امتثالها الكامل لأنظمة مكافحة غسل الأموال.
وفي مايو الماضي وحده، أعلن المصرف عن غرامة بقيمة 12.3 مليون درهم (نحو 3.35 ملايين دولار) على ست شركات صرافة، بينما تم تغريم شركة أخرى 200 مليون درهم (نحو 54.5 مليون دولار).
كما شملت الإجراءات مؤسسات مصرفية دولية لها فروع عاملة داخل الدولة، بغرامات مجمعة بلغت 18 مليون درهم (نحو 4.9 ملايين دولار).
ويشير هذا التشدّد إلى جدية السلطات في بناء منظومة مالية تتماشى مع متطلبات الشفافية الدولية، ما مكّن الإمارات من الخروج من قائمة المراقبة المشددة الخاصة بـ'فاتف'، وهو أحد المعايير الأساسية لاعتماد الأنظمة المالية عالمياً.
توقيت القرار الأوروبي
وحول توقيت القرار الأوروبي، فإنه لا يبدو معزولاً عن السياق الأوسع للعلاقات الثنائية بين الجانبين، فقد جاء بعد وقت قصير من إطلاق مفاوضات رسمية بين بروكسل وأبوظبي في مايو الماضي، للتوصل إلى اتفاقية تجارة حرة شاملة، ستكون الأولى من نوعها بين الاتحاد الأوروبي ودولة خليجية.
ووفقاً لبيانات مفوضية الاتحاد الأوروبي، فإن الإمارات هي أكبر شريك تجاري للاتحاد في منطقة الخليج، حيث بلغت الصادرات الأوروبية إلى الإمارات أكثر من 42 مليار يورو في عام 2023.
وارتفعت هذه الصادرات بنسبة 15% خلال العام الماضي، وبأكثر من 48% منذ عام 2019.
في المقابل، تجاوزت استثمارات الاتحاد الأوروبي المباشرة في السوق الإماراتية حاجز 186 مليار يورو، بحسب أرقام المفوضية.
وبالتالي، فإن إزالة القيود المرتبطة بإدراج الدولة الخليجية على قائمة الدول 'عالية المخاطر' من شأنه تسهيل المعاملات البنكية، وخفض تكلفة الامتثال، وتحسين تصنيف الإمارات لدى البنوك الأوروبية، ما يعزز فرص توقيع الاتفاق التجاري المرتقب خلال الفترة المقبلة.
في هذا السياق، كتب سفير الإمارات لدى الاتحاد الأوروبي، محمد السهلاوي، في مقال نشره على موقع (EU Reporter) في 10 يونيو الجاري، أن اتفاقية الشراكة المقترحة تمثّل 'خطوة جريئة نحو علاقة أكثر ديناميكية، تقوم على المصالح والطموحات والقيم المشتركة'.
وأوضح السهلاوي أن الإمارات استثمرت في عام واحد أكثر من 12 مليار يورو في قطاع التقنيات المتقدمة في أوروبا، بينما تجاوز حجم التجارة غير النفطية بين الطرفين 100 مليار يورو سنوياً، ما يؤكد، بحسب تعبيره، أن 'الفرص لا تزال أكبر بكثير، وما زلنا في بداية الطريق'.
ولم يغفل السفير الإشارة إلى الجهود الإماراتية في مجال الامتثال المالي ومحاربة الجرائم الاقتصادية، مؤكداً أن 'التقارب مع الاتحاد الأوروبي في ملف مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، ونشر ضباط إماراتيين في مقر يوروبول، يمثّل تقدماً نوعياً نحو بناء نظام مالي عالمي آمن ومرن'.
وبينما تعمل الإمارات على تعزيز موقعها كمركز مالي وتكنولوجي دولي، يرى مراقبون أن رفعها من قائمة الدول عالية المخاطر في الاتحاد الأوروبي سيكون له أثر مباشر على تسريع توقيع الاتفاقية التجارية المرتقبة، وترسيخ الثقة في مناخها الاستثماري على الصعيدين الأوروبي والدولي.
تعزيز لمكانتها المالية عالمياً
وحول أهمية القرار الأوروبي بالنسبة للإمارات على الساحة الاقتصادية الدولية، أكد الخبير الاقتصادي محمد مقداد أن القرار يمثّل تحولاً استراتيجياً في صورة الدولة المالية على الساحة الدولية، ويعزز مكانتها كمركز مالي واستثماري موثوق.
وفي حديث لـ'الخليج أونلاين'، قال مقداد إن القرار يعكس نجاح الإمارات في تنفيذ إصلاحات رقابية وتشريعية متقدمة، ويبعث رسائل طمأنة قوية للمستثمرين والمؤسسات المالية العالمية، مشيراً إلى أن وجود الدولة الخليجية على القائمة كان يشكل عائقاً أمام بعض التعاملات البنكية والتحويلات العابرة للحدود.
وأضاف أن 'رفع اسم الإمارات من القائمة يزيل هذا الحاجز النفسي والتقني، ويعيد تموضعها في النظام المالي الدولي، كما يدعم مفاوضاتها الجارية مع الاتحاد الأوروبي بشأن اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة'.
ولفت مقداد إلى أن هذا التطور سيُترجم لاحقاً إلى زيادة في التدفقات الاستثمارية، وتحسين تصنيفات الدولة ضمن مؤشرات الشفافية والحوكمة.
واعتبر أن الحفاظ على هذا التقدم يتطلب استمرار التحديث الرقابي وتعزيز التعاون الدولي، لضمان الاستدامة في مواجهة التهديدات المالية المتطورة.