اخبار الإمارات
موقع كل يوم -الخليج أونلاين
نشر بتاريخ: ٨ أيار ٢٠٢٥
سلمى حداد - الخليج أونلاين
- تعدين العملات المشفرة يستهلك كميات هائلة من الكهرباء تفوق استهلاك بعض الدول كاملة.
- دول الخليج تتباين في مواقفها بين الحظر الصارم والتنظيم الداعم لهذا القطاع.
- التحول نحو الطاقة المتجددة أصبح ضرورة لموازنة العوائد الاقتصادية والأعباء البيئية للتعدين.
في خطوة غير مسبوقة تعكس قلقاً متزايداً حيال الاستهلاك المكثف للطاقة المرتبط بتعدين العملات المشفرة، أعلنت وزارة الكهرباء والماء والطاقة المتجددة في الكويت عن رصدها ارتفاعاً حاداً في الأحمال الكهربائية ببعض المناطق السكنية.
وأشارت إلى أن بعض المنازل في منطقة الوفرة استهلكت ما يفوق 100 ألف كيلوواط/ساعة خلال شهر واحد، وهو ما يفوق المعدل الطبيعي للمنازل السكنية بأكثر من 20 مرة.
وهذا النشاط غير الاعتيادي ربطته الوزارة مباشرة بعمليات تعدين العملات المشفرة التي تعتمد على تشغيل مكثف ومستمر لمعدات الحوسبة.
وأوضحت المتحدثة الرسمية وزارة الكهرباء، المهندسة فاطمة جوهر حياة، في تصريحات لها في 23 أبريل الماضي، أن الحملة الميدانية الأخيرة التي أطلقتها الوزارة ساعدت على تقليص استهلاك الكهرباء بنحو 60% في المناطق المتأثرة.
ولفتت إلى أن الاستخدام غير المرخص للطاقة من قبل معدّني العملات الرقمية قد يؤدي إلى اختلالات كبيرة في البنية التحتية للطاقة.
ولا يُعتبر قرار الكويت بمنع التعدين حدثاً معزولاً، بل يمثل مؤشراً واضحاً على تحولات أوسع في دول الخليج والعالم العربي والعالم بشأن علاقة العملات المشفرة باستهلاك الطاقة والبيئة والاقتصاد.
كيف يحدث التعدين؟
تعدين العملات المشفرة هو العملية التي يتم من خلالها تأكيد المعاملات الجديدة على شبكات البلوكشين، لا سيما بيتكوين، ويتم ذلك من خلال حل معادلات رياضية معقدة باستخدام حواسيب عالية الأداء، تُعرف باسم المعدِّنات.
وبمجرد حل المعادلة، تُكافأ هذه الأنظمة بعملة رقمية جديدة تُضاف إلى رصيد المعدِّن.
وتُستخدم خوارزمية تُعرف باسم 'SHA-256'، وهي خوارزمية تجزئة تقوم بتحويل البيانات إلى سلسلة ثابتة الطول.
ولضمان أمن الشبكة، يتم اعتماد نظام 'إثبات العمل'، الذي يُطلب فيه من المعدِّن تقديم دليل حسابي على أنه استهلك كمية من الطاقة لحل معادلة محددة.
وهذه العملية ليست بسيطة كما تبدو، إذ أنها تتطلب قدرة حوسبية هائلة، فهناك عشرات آلاف المعدّنين حول العالم يتسابقون لحل المعادلة نفسها، لكن فقط أول من ينجح في الوصول إلى الحل يحصل على مكافأة التعدين.
وهذا يعني أن آلاف الحواسيب تستهلك الكهرباء في محاولة للحل دون أن تحظى جميعها بالعائد، مما يؤدي إلى هدر طاقة كبير.
وتستهلك هذه العملية كميات هائلة من الكهرباء لعدة أسباب، من أهمها الحوسبة المكثفة، حيث إن المعادلات التي يجب حلها تزداد تعقيداً مع الوقت، وكلما ازدادت صعوبة التعدين زادت الحاجة إلى طاقة حسابية وكهربائية أكبر.
كما أن أجهزة التعدين تعمل على مدار الساعة دون توقف، لأن أي توقف يعني خسارة في فرص الحصول على المكافآت، إضافة إلى أن هذه الأجهزة تولد حرارة عالية تتطلب أنظمة تبريد متواصلة، والتي تستهلك أيضاً كميات كبيرة من الطاقة.
ومع تزايد عدد المعدنين، يعيد النظام تعديل مستوى الصعوبة تلقائياً كل أسبوعين تقريباً، مما يزيد من استهلاك الطاقة المطلوب لكل عملة واحدة.
وحالياً، وبعد التصنيف الأخير في أبريل 2024، يحصل المعدِّن على 3.125 بيتكوين لكل كتلة يتم تعدينها، ما يجعل المنافسة أكثر شراسة، ويتطلب موارد كهربائية أكبر لتحقيق نفس المكافأة السابقة.
التعدين بدول الخليج
يُظهر مشهد تعدين العملات المشفرةفي دول الخليج العربي تفاوتاً كبيراً في المواقف والتوجهات، يعكس اختلاف الأولويات الاقتصادية والتنظيمية والبيئية بين دول المجلس.
في الكويت، كانت الاستجابة حاسمة وسريعة، إذ أعلنت الحكومة حظراً شاملاً على جميع أنشطة التعدين اعتباراً من يوليو 2023، معللة القرار بارتفاع استهلاك الكهرباء بشكل غير مبرر وتزايد الشكاوى من ضعف الإمدادات في بعض المناطق السكنية.
وقد أدت هذه الخطوة إلى تقليص استهلاك الطاقة في مناطق معينة بنسبة وصلت إلى 60%، بحسب ما كشفتوزارة الكهرباء والماء والطاقة المتجددة في أبريل 2025.
كما شاركت وزارات الداخلية والاتصالات في تتبع مواقع التعدين غير المرخص عبر تحليل أنماط استهلاك الطاقة وتحديد عناوين بروتوكولات الإنترنت المرتبطة بها.
أما في الإمارات العربية المتحدة، فقد اختارت الحكومة نهجاً مغايراً يقوم على التنظيم والدعم المتوازن.
وتعد الإمارات اليوم من بين الدول الأكثر نشاطاً في تعدين العملات المشفرة في الشرق الأوسط، مع قدرة تعدين تقترب من 400 ميغاواط، تمثل نحو 3.75% من معدل التجزئة العالمي.
وتحتضن أبوظبي ودبي عدداً من المشاريع الرائدة في المجال، وتعمل على جذب استثمارات كبرى من شركات دولية متخصصة، منها 'تشايناليسيس' و'بلوك ديمن'.
بالمقابل، وضعت الجهات التنظيمية ضوابط تحد من استخدام الطاقة الرخيصة في المزارع الزراعية لأغراض التعدين، لضمان حماية الموارد من سوء الاستخدام.
في سلطنة عمان، يتبلور نموذج ثالث قائم على اعتبار تعدين العملات المشفرة جزءاً من استراتيجية التنويع الاقتصادي.
وتُعد السلطنة واحدة من الدول الخليجية القليلة التي أعلنت رسمياً على لسان الشيخ منصور بن طالب بن علي الهنائي، رئيس هيئة تنظيم الخدمات العامة في عمان، في أغسطس 2023، دعمها لهذا النشاط، عبر شراكة مع القطاع الخاص ممثلاً بشركة 'إكساهيرتز' المحلية.
والمشروع، الذي بدأ بقدرة 11 ميغاواط في صلالة، يستهدف التوسع إلى 800 ميغاواط باستثمار يتجاوز 1.1 مليار دولار.
كما تخطط عمان لاستخدام الغاز المهدر كمصدر طاقة رئيسي في هذه العمليات، في خطوة تهدف إلى تقليل البصمة الكربونية وتوفير وظائف جديدة في قطاع الحوسبة.
أما المملكة العربية السعودية، فرغم امتلاكها قدرات تقنية ومالية تؤهلها لريادة هذا القطاع، إلا أنها لم تُصدر بعد تشريعات واضحة بشأن تعدين العملات المشفرة.
ومع ذلك، تُشير الخطط الوطنية مثل رؤية 2030 إلى اهتمام واسع بتقنيات الذكاء الاصطناعي والبلوكشين والطاقة المتجددة، ما يفتح الباب أمام إدماج هذا النشاط في المستقبل ضمن إطار تنظيمي متكامل.
المملكة أيضاً قد تجد في تعدين البيتكوين وسيلة لاستثمار الفائض من الطاقة المنتجة في بعض المحطات الكبرى.
تسير قطر بخطى حذرة تجاه هذا القطاع ولم تُعلن بعد عن موقف رسمي مؤيد أو معارض للتعدين، لكنها أبدت اهتماماً كبيراً بتقنيات الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية، وأبرمت شراكات دولية لتطوير التطبيقات الحكومية القائمة على تحليل البيانات.
وقد يكون التوجه في المستقبل نحو استخدام البنية التحتية الرقمية المتقدمة في مجالات أقل استهلاكاً للطاقة وأكثر مردودية اقتصادية، مثل خدمات الحوسبة والتعلم الآلي.
التعدين عالمياً
وعلى مستوى العالم تستهلك أنظمة تعدين العملة الرقمية الشهيرة 'بيتكوين' كميات من الكهرباء تفوق استهلاك كثير من الدول كثيرة السكان، مثل باكستان، وفقاً لما ذكرته دراسة جديدة للأمم المتحدة نشرت في نوفمبر 2023.
وبحسب الدراسة التي أعدها باحثون في 'جامعة الأمم المتحدة للمياه والبيئة والصحة' التابعة للأمم المتحدة في هاميلتون في كندا، فإن التوقعات حتى يوليو الماضي تشير إلى أن صناعة تعدين البيتكوين الرقمية احتاجت إلى 135 مليون تيراواط خلال 2023.
نتائج الدراسة التي نشرت في مجلة 'إيرثز فيوتشر' (مستقبل الأرض) أكدت أن أغلب الكهرباء المستخدمة في تعدين البيتكوين تؤثر في البيئة والمناخ.
وأشار الباحثون، الذين درسوا بيانات 'مؤشر كامبريدج لاستهلاك الطاقة في البيتكوين'، إلى الصين والولايات المتحدة وروسيا والصين وماليزيا وأيرلندا وإيران وتايلاند والسويد والنرويج وسنغافورة وبريطانيا، باعتبارها أكبر دول العالم استهلاكاً للكهرباء في تعدين البيتكوين.
وبحسب الدراسة، فإنه خلال عامي 2020 و2021 استهلكت أنظمة العملات الرقمية 173 تيراواط/ساعة من الكهرباء، بزيادة نسبتها 60% عن الاستهلاك خلال عامي 2018 و2019، وجاءت 67% من الكهرباء التي تم استهلاكها في تعدين العملات الرقمية خلال عامي 2020 و2021 من مصادر تقليدية.
بالمقابل، فإن الكهرباء المائية هي أهم مصدر متجدد للكهرباء المستخدمة في تعدين العملات الرقمية بحصة قدرها 16 في المائة تقريباً من حجم الاستهلاك.
ووفق بيانات مؤشر استهلاك بيتكوين للكهرباء (CBECI) للعام 2024، فإن الولايات المتحدة تتصدر المشهد العالمي لتعدين العملات المشفرة، حيث تستحوذ على حوالي 36% من معدل التجزئة العالمي.
ويقدّر استهلاكها السنوي للطاقة بين 25 و91 تيراواط/ساعة، وهو ما يمثل ما بين 0.6% و2.3% من إجمالي استهلاك الكهرباء في البلاد. وتستفيد من وفرة الطاقة المتجددة في ولايات مثل تكساس ووايومنغ، إضافة إلى سياسات تنظيمية مرنة.
وفي المرتبة الثانية تأتي روسيا، بمعدل تجزئة يقارب 16%، واستهلاك سنوي يُقدّر بنحو 16 تيراواط/ساعة.
وتتميّز روسيا بوفرة الطاقة الرخيصة في سيبيريا والبيئة الباردة التي تقلل من الحاجة إلى التبريد الصناعي، إلا أن الحكومة فرضت قيوداً على التعدين في بعض المناطق خلال الشتاء بسبب الضغط على الشبكة.
الصين، رغم الحظر الرسمي المفروض على التعدين، تحتل المركز الثالث بنسبة تجزئة تبلغ 14%، ويبلغ استهلاكها السنوي نحو 81.2 تيراواط/ساعة. وتُواصل بعض الأقاليم مثل سيتشوان ويوننان نشاط التعدين بفضل وفرة الطاقة الكهرومائية.
أما كازاخستان، بالمرتبة الرابعة، فتمثل حوالي 6% من معدل التجزئة العالمي، وقد جذبت الشركات بسبب وفرة الكهرباء الرخيصة والبنية التحتية المرنة، لكنها تواجه حالياً تحديات بيئية وتنظيمية دفعت بعض المعدنين إلى المغادرة.
كندا تُعد من الدول الرائدة، فهي في المرتبة الخامسة، وتمثل حوالي 3% من معدل التجزئة العالمي، وتستفيد من طقسها البارد في خفض تكاليف التشغيل، وتستخدم في التعدين الطاقة المتجددة، خصوصاً الكهرومائية.
وفي النرويج، تصل نسبة التجزئة إلى حوالي 1.63%، وتُعد من أكثر الدول التزاماً باستخدام الطاقة المتجددة، إذ تعتمد بالكامل تقريباً على الطاقة الكهرومائية، كما أن المناخ البارد يجعلها بيئة مثالية للتعدين.