مناقشة خطوات عبور الإعلام العربي والخليجي إلى المستقبل

المصدر: دبي - البيان

أكد المتحدثون في جلسة «واقع الإعلام العربي ومستقبله»، التي نظمها نادي دبي للصحافة ضمن برنامج فعاليات «ملتقى الإعلام الإماراتي البحريني»، أهمية إعادة ثقة الشباب العربي بالخطاب الإعلامي العربي، وإشراك هذه الفئة في وضع التصورات الجديدة التي يحتاجها الإعلام خلال المرحلة المقبلة.

كما اتفق المتحدثون في الجلسة التي شارك فيها كل من الدكتور علي النعيمي، عضو المجلس الوطني الاتحادي، وسوسن الشاعر، كاتبة ومستشارة إعلامية، ومؤنس المردي، رئيس تحرير صحيفة البلاد البحرينية، ومنى بوسمرة، رئيس التحرير المسؤول في «البيان»، وأدار الجلسة راشد الحمر، رئيس تحرير صحيفة الأيام الإلكترونية، على أن استمرار الأزمات في بعض دول المنطقة يشكل عائقاً حقيقياً على مستقبل الإعلام وتطور الصحافة.

المستقبل الإعلامي

وشهدت الجلسة التي عقدت بحضور علي الرميحي وزير شؤون الإعلام في مملكة البحرين الشقيقة، ومنى غانم المري، نائب الرئيس والعضو المنتدب لمجلس دبي للإعلام، رئيسة نادي دبي للصحافة، وعيسى الشايجي، رئيس جمعية الصحفيين البحرينية، وميثاء بوحميد، مديرة نادي دبي للصحافة، ونخبة من الإعلاميين والكتاب والقيادات الإعلامية وممثلي وسائل الإعلام الخليجية والعربية، نقاشاً ثرياً حول واقع الإعلام ومستقبله، حيث أكد الدكتور علي النعيمي حاجة الإعلام العربي إلى تنويع أدوات الخطاب لديه بهدف جذب الفئات الناشئة. وتابع النعيمي خلال الجلسة:

هناك العديد من الفجوات الإعلامية يجب أن نواجهها بثقة، لننجح في بناء نموذج إعلامي خليجي وعربي مقنع وقادر على بلوغ مستوى الإنجازات الكبيرة التي تحققها دول مجلس التعاون الخليجي في مختلف المجالات، مؤكداً أن الإعلام العربي بحكم الأزمات المتلاحقة التي تعيشها المنطقة، تحول إلى «إعلام أزمة».

بينما حقيقةً المنطقة العربية مليئة بالقصص الملهمة والمحتوى الجاذب للشباب العربي. وأضاف خلال الجلسة: من المهم أن يدرك الإعلام العربي عدم قدرته على الاستمرار في تهميش الآخر، لأن هذا الآخر بات له منصاته الرقمية وحساباته المؤثرة، وفكرة إلغائه إنما هي أشبه بوضع العصي في عجلة تطور هذه المؤسسات، وإخماد تأثير خطابها الإعلامي.

دراسات وبحوث

بدورها، قالت الإعلامية سوسن الشاعر إن المؤسسات الإعلامية تحتاج إلى إجراء دراسات وبحوث لمعرفة طبيعة وشكل الجمهور الذي يتابعها، وذلك بهدف تحديد المضمون والخطاب الذي تتوجه به هذه المؤسسات إلى جمهورها، مؤكدة أن بعض المؤسسات الإخبارية في منطقة الخليج بات تأثيرها الرقمي أكثر حضوراً من تأثير ما تعرضه على شاشة التلفزيون، وهذه حالة صحية ومطلوب تعميمها على القنوات الإعلامية العربية الأخرى.

وأشارت الشاعر إلى أن نجاح القنوات التلفزيونية في تنويع منصاتها والتوجه إلى الأدوات الرقمية، هو عنصر آخر في معادلة نجاح الإعلام العربي وتأثير خطابه، مشيدة بنموذج المبادرات الإماراتية التي نجحت من خلال منصات رقمية مبتكرة في إيصال القصص العربية الملهمة إلى الغرب.

لافتة إلى أن هذه المبادرات لعبت دوراً كبيراً في تعزيز سمعة الإمارات، وترسيخها، وتوضيح مواقفها تجاه الملفات المختلفة، وإبراز جهودها إقليمياً وعالمياً في كافة مجالات الحياة العلمية والإنسانية والاقتصادية.

تطورات متسارعة

من جانبها، قالت منى بوسمرة رئيس التحرير المسؤول لـ«البيان»: إن الإعلام الإماراتي جاهز للمستقبل وتبادل الخبرات والتجارب الناجحة يعزز تأثيره.

مشيرة إلى أن الإعلام العربي شهد تطورات متسارعة خلال السنوات الأخيرة، كان من أبرز ملامحها تضاعف أعداد المنصات الإخبارية، غير أن هذا التطور كان في كثير من الحالات على حساب نوعية وجودة المحتوى، والتغيير الذي يفترض أن يحدثه، مستثنية من ذلك مؤسسات ووسائل إعلام «أثبتت قدرة كبيرة على تقديم محتوى نوعي يلبي توقعات وتطلعات مختلف شرائح الجمهور سواء على المستوى المحلي أم على المستويين الإقليمي والدولي».

وأكدت بوسمرة أن الإعلام الإماراتي عموماً، وفي دبي خصوصاً، يمتلك بنية تحتية صلبة مكنته من إحداث نقلة نوعية على مستوى المنطقة، وهو ما اتضح خلال جائحة كورونا، مستعرضة في مداخلتها تجربة «البيان».

حيث لعبت الصحيفة دوراً حيوياً في دعم الجهود الحكومية الرامية لمكافحة الجائحة، مستفيدة في ذلك من تمتعها ببنية تحتية رقمية متطورة، تدعمها استراتيجيات مدروسة لمواصلة العمل بكفاءة عالية رغم الإغلاقات، حيث قام أكثر من 90% من العاملين في الصحيفة بمواصلة أعمالهم من منازلهم، وتقديم محتوى رقمي متميز.

وشددت بوسمرة على ضرورة توظيف ثورة المعلومات والاتصال لصناعة إعلام تنافسي مؤثر، قادرٍ على مخاطبة الآخر، أكثر مما هو موجه إلى «الداخل»، مشيرة إلى أن المنافسة بين الإعلام التقليدي، بمنصاته المتعددة، وبين نظيره الاجتماعي، «أوجدت مساحة كبيرة من التشويش لدى المتلقي العربي».

وقالت رئيس التحرير المسؤول: ثمة تحدٍ آخر أمام الإعلام العربي يتمثل بضرورة مواكبة التقدم التكنولوجي والابتكارات التقنية، بعدما أصبح التحول الرقمي أمراً حتمياً لإنتاج المعرفة وابتكارها، فالإعلام الرقمي اليوم وبحكم التجربة، أصبح أكثر تأثيراً، باعتباره الوسيلة الأسرع في تشكيل المواقف والاتجاهات.

وأضافت: «على الرغم من أن بعض مؤسسات الإعلام العربي واكبت هذا التحول، لكن المحتوى الرقمي لديها لا يختلف عن ما ينتجه الإعلام التقليدي، بل إنه يتغذى على ما ينتجه الإعلام الأخير».

وقالت منى بوسمرة: «كشفت جائحة كورونا بواطن ضعف لدى الكثير من وسائل الإعلام في العالم العربي، وهو ما تجسد في تحول المشاهد والقارئ العربي خاصة الشباب إلى المنصات الغربية والإعلام البديل، خلال الإغلاقات بسبب الجائحة، وهذا جدير بالمراجعة والتفكير من أجل صناعة محتوى مؤثر يتمتع بالمصداقية».

وأضافت: «صحيح أن ذلك مرتبط أحياناً بسقف الحريات، لكن الفضاء الإلكتروني يسمح اليوم بتجاوز جانب كبير من هذه الإشكالات».

وتابعت: «نعم نحن مستعدون للمستقبل، لكننا ما زلنا بحاجة إلى مشروعات ومبادرات وبرامج طموحة تسبقها مراجعة دقيقة لواقع الإعلام العربي، ومدى توافقه وما يقدمه مع طموحات شعوبنا، وبالرغم من أن الإعلام الخليجي يمتلك الموارد والتقنيات، لكن هذا وحده لا يصنع إعلاماً فعالاً، فهناك تحديات كبيرة منها تدريب المواهب القادرة على صناعة محتوى تنافسي».

تقدم رقمي

وفي ختام الجلسة، أشار مؤنس المردي، رئيس تحرير صحيفة البلاد البحرينية، إلى أن مستقبل الإعلام العربي محكوم بمدى التقدم الرقمي الذي يحرزه، مؤكداً أن التقدم التكنولوجي أسهم في تخطي الصحافة العربية التحديات التي فرضتها جائحة كورونا، وكذلك أسهم في تطور العمل الصحافي في المنطقة العربية، بل حقق ما هو أبعد من ذلك من خلال جذب قراء جدد من خارج الشريحة المعتادة للصحف.

وقال المردي: تقاس اليوم قدرات الدول وإمكاناتها من خلال إعلامها، وكلما كان الإعلام متطوراً وقادراً على نقل الصورة الحقيقية لمجتمعه، كان تأثيره أكبر، لافتاً في هذا السياق إلى أن الإعلام هو النافذة التي يمكننا من خلالها العبور نحو المستقبل، إلى جانب أهمية تكريس مفهوم «الإعلام الشامل»، القادر على تجاوز لحظة نقل الخبر إلى تحليله وتقديم أبعاده.

يذكر أن جميع جلسات الملتقى نقلت للمتابعين عبر بثٍ حي على مختلف المنصات الرقمية وشبكات التواصل الاجتماعي التابعة لنادي دبي للصحافة، في تأكيد من المنظمين على أهمية الانتقال إلى البيئة الرقمية التي تسهم إلى حد بعيد في التغلب على التحديات التي قد تعترض مؤسسات الإعلام، بل وتسهم في توسيع قاعدة متابعيها.

مقترحات

قدمت منى بوسمرة عدة اقتراحات لخروج الإعلام العربي عموماً، والخليجي خصوصاً، من عنق الزجاجة، مؤكدة ثقتها بالإعلام الإماراتي على تحقيق ما قد يراه البعض مستحيلاً، وإحداث نقلة نوعية في الإعلام العربي.

مشيرة إلى الدور الحيوي الذي لعبه منتدى الإعلام العربي وجائزة الصحافة العربية في هذا المجال، مقترجة تأسيس معهد للدراسات الإعلامية، يرفد الإعلام العربي بالتوجهات الجديدة، ويرصد مواطن الضعف والقوة فيه، ويعزز التنافسية والابتكار، عطفاً على استعادة ثقة الشباب بالإعلام العربي، من خلال تبني قضاياهم، وأهمها التعليم والوظائف والهجرة، عبر محتوى معزز بالأرقام والحقائق.