شهدها حامد بن زايد.. مجلس محمد بن زايد ينظم محاضرة «نهج عالمي طموح لتوجيه النمو الاقتصادي»

منى الحمودي (أبوظبي)

شهد سمو الشيخ حامد بن زايد آل نهيان، عضو المجلس التنفيذي لإمارة أبوظبي، محاضرة نظمها مجلس محمد بن زايد -في قصر البطين- تحت عنوان: «نهج عالمي طموح لتوجيه النمو الاقتصادي»، قدمتها البروفيسورة ماريانا مازوكاتو، مديرة معهد الابتكار والخدمة العامة في كلية لندن الجامعية في المملكة المتحدة. كما شهد المحاضرة سمو الشيخ خالد بن زايد آل نهيان، رئيس مجلس إدارة مؤسسة زايد العليا لأصحاب الهمم، ومعالي الشيخ شخبوط بن نهيان بن مبارك آل نهيان وزير دولة، وعدد من الشيوخ والمسؤولين. وتناولت المُحاضرة «التفكير المبتكر» باعتباره نهجاً عالمياً طموحاً، يمكن أن يساعد في تحفيز الاستثمار والابتكار والنمو في دولة الإمارات، كما تطرقت المحاضرة لمحاور عدة، من أهمها: التحديات العالمية الرئيسة التي تؤثر على العالم في مجالات المناخ، والصحة، وتكاليف المعيشة، والتحديات الجيوسياسية، بجانب إطار العمل القائم على تنفيذ المهام ودوره المحوري في بناء اقتصاد أكثر شمولية واستدامة. كما تطرقت إلى أسباب فشل السياسات الحالية في إعطاء الحكومات إطاراً استباقياً لمواجهة هذه التحديات، وفعالية هذا النهج العالمي في معالجتها ومعالجة التحديات التي تواجهها دولة الإمارات.

وأكدت ماريانا مازوكاتو في بداية المحاضرة أن العالم يواجه أزمات مالية وصحية ومناخية، مرتبطة ببعضها بعضاً، كما تواجه العديد من البلدان تحديات اقتصادية طويلة الأجل، مثل تراجع الإنتاجية وانخفاض النمو، مشيرةً إلى أن «الاقتصاد الموجّه» أو التفكير الاقتصادي القائم على تحديد المهام، يُمكّن البلدان من معالجة مشكلات المناخ والفجوة الرقمية والصحة، بما يُمكن من تحفيز الاستثمار والابتكار في مختلف القطاعات، وبالتالي دفع عجلة النمو على المدى الطويل، وذلك من خلال تعزيز أشكال جديدة من التعاون بين الجهات الفاعلة في القطاعين العام والخاص، حيث يمكن للسياسات القائمة على المهام أن تخلق تأثيراً مضاعفاً في جميع النواحي الاقتصادية.

آلية العمل

لفتت ماريانا مازوكاتو إلى أن السياسات القائمة على المهام تعمل على تحديد التحديات الكبرى وتقسيمها إلى أهداف واضحة وقابلة للتطبيق، ويمكن اعتبار أهداف التنمية المستدامة الـ17 التي أطلقتها منظمة الأمم المتحدة في عام 2015 بمثابة مخطط عام وشامل للتحديات الكبرى الأكثر إلحاحاً في العالم، منوهةً بأن أهداف التنمية المستدامة مفيدة في توجيه تركيزنا وتحديد الأولويات إلا أنها ذات مجال واسع بشكل يجعلها غير قابلة للتنفيذ.

وقالت: «حتى نستطيع التغلب على هذه التحديات يجب تقسيمها إلى خطوات عملية ومهام منفصلة، والتي يمكن تعريفها على أنها أهداف ملموسة كل منها يعُد تحدياً يقوم على أُطر ومحفزات للابتكار، وهذه المهام هي مشكلات محددة كمياً يمكن للقطاعات المختلفة معالجتها لمواجهة إحدى التحديات، مثل تقليل انبعاثات الكربون بنسبة معينة خلال فترة زمنية محددة، كما يمكن تحويل الهدف الـ13 من أهداف التنمية المستدامة بشأن المناخ إلى مهمة حول المدن الخالية من الكربون، والتي تتطلب أشكالاً جديدة من التنقل وأنواعاً جديدة من مواد البناء والتغذية في المدارس».

الإمكانات والفرص

ذكرت ماريانا مازوكاتو أن دولة الإمارات لديها كل الإمكانات والفرص والآليات للاستفادة من النهج الطموح لتوجيه النمو الاقتصادي، لاسيما وأنها رائدة في المقاربة بين القطاعين الحكومي والاستثماري الخاص، مشيرة إلى أن القيادة في الإمارات لديها سعي دائم للتغيير من أجل التطوير، وهناك أولويات كبرى للتعليم الحديث والمستدام، ولذلك فهي تقود المنطقة في العديد من المجالات مثل الفضاء ومهام الوصول إلى المريخ والهبوط على القمر، وهي عوامل كانت مفتاح الدخول للاقتصاد الذكي.

وأشارت إلى العوامل التي تؤهل الإمارات لتوجيه النمو الاقتصادي، وهي نجاحها في التفكير بالاقتصاد المستدام ما بعد النفط، واحتضانها للمواهب، بالإضافة إلى كونها أبرز دول العالم لجذب المستثمرين والقطاع الخاص، وأبوابها مفتوحة دوماً للنقاش حول المستقبل واحتياجاته، وهو أمر رائع يخدم البشرية، والأهم من ذلك فإنها دولة رفاهية تمتلك خدمات تقنية وبعيدة كل البعد عن الروتين، ما يجعل مواطنيها والمقيمين فيها وزوّارها يستمتعون بالخدمات والمنافع الحكومية.

وأكدت أن الإمارات لديها فرصة هائلة لإعادة تصميم العقد الاجتماعي العالمي بين الحكومات والقطاع الخاص، خلال استضافتها القمة العالمية للمناخ «كوب 28» العام المقبل، من خلال إرساء مبدأ التمويل الاقتصادي والاستثماري المشروط بالحفاظ على البيئة.

الاقتصاد الموجه

وأوضحت ماريانا مازوكاتو أن أهمية الاقتصاد الموجّه نظرية أثبتتها أزمات عالمية كثيرة فشلت في إدارتها الدول خلال العقود الماضية، وبالرغم من أنها تمثل حلاً علمياً طويل المدى للمشكلات الاقتصادية، فإن الدول الكبرى لم تتعلّم من أخطاء الماضي، وفشلت فشلاً ذريعاً في استخدام الاقتصاد الموجّه خلال أزمة «كوفيد -19»، حيث ركزت على توجيه اللقاحات لدول معيّنة، واستخدمت صناديق التعافي من الجائحة بشكل خاطئ دفع ثمنه الكثيرون من أبطال خطوط الدفاع الأمامية الذين فقدوا أرواحهم.

خرائط المهام

أكدت ماريانا مازوكاتو أنه، بمجرد اختيار الحكومات المهام، يمكنها استخدام خرائط المهام للمساعدة في تنسيق السياسات والأنشطة. وعلى سبيل المثال، يمكن لمهمة السياحة الخضراء تعزيز الجهود الحالية في منطقة ما وتعبئة مزيد من القطاعات وأصحاب المصلحة، وذلك باتباع خريطة المهمة التي أعدتها في أحد مؤلفاتها والتي تبدأ من التحدي الذي تنطلق منه المهمة نحو الاستثمار في كل قطاع من خلال مشاريع أساسية محددة.

أوقات الأزمات

قالت ماريانا مازوكاتو: «في أوقات الأزمات يجب على الحكومات دعم الاقتصاد الحقيقي، المرتبط بإنتاج السلع والخدمات الفعلية، بدلاً من تركيز أغلب الدعم على القطاع المالي فقط من بنوك شركات استثمارية، لأنه عندما تنتهي الأزمة ويعود الاقتصاد إلى العمل مرة أخرى، ستحصد تلك البنوك والشركات ثمار الانتعاش، بينما يظل المواطن يدفع الثمن ويعاني تبعات وآثار الركود». وأشارت إلى أن أزمة «كوفيد -19» كشفت عن ضعف العلاقة بين القطاعين العام والخاص وشبه انقطاعها، وأن إصلاحها يتطلب معالجة مشكلة أساسية تتمثل في فهم واستيعاب «مفهوم القيمة» بشكله المعاصر وآثاره الهائلة على طريقة هيكلة الاقتصادات، وكيفية إدارة المؤسسات وحساب الأنشطة، وتحديد أولويات القطاعات، والنظر إلى الحكومة، وقياس الثروة الوطنية. وأوضحت أنه يمكن للسياسات القائمة على المهام أن تخلق تأثيراً مضاعفاً في جميع نواحي الاقتصاد، من خلال تعزيز أشكال جديدة من التعاون بين الجهات الفاعلة في القطاعين العام والخاص، لاسيما وأن آلية عمل التفكير القائم على المهام، تستهدف في الأساس تحديد التحديات الكبرى وتقسيمها إلى أهداف واضحة وقابلة للتطبيق.

دور الحكومات

شددت ماريانا مازوكاتو -خلال المحاضرة- على أهمية أن تسخر الحكومات كامل قدراتها حيث تجمع بين المؤسسات العامة والخاصة والمجتمعية من أجل تنفيذ مهمة معينة، ويجب أن تتخذ المهام أشكالاً واهتمامات مختلفة لتنفيذ ذلك، ويمكن لذلك أن يتحقق من خلال اتباع ستة معايير رئيسة يجب توافرها في العمل من أهمها: أن تكون جريئة ومُلهمة وذات صلة اجتماعية وثيقة، أي أن تكون المهام قابلة لمشاركة الجمهور فيها، بمعنى أن تحدد المهام فُرصاً محفزة على الابتكار الجريء، وفي الوقت نفسه تكون مرتبطة بالمناقشات الجارية في المجتمع حول التحديات الرئيسية، أما العامل الثاني فهو وضوح الاتجاه، والذي يجب أن تكون المهام فيه هادفة وقابلة للقياس ومقيدة بزمن معين وأن تكون المهام مؤطرة بشكل واضح تماماً، أي أنها تتطلب هدفاً محدداً وإطاراً زمنياً واضحاً، يتم خلاله تنفيذ العمل المطلوب، حيث إنه لن يكون من الممكن تحديد النجاح أو الفشل أو قياس التقدم نحو النتيجة المطلوبة دون وجود أهداف محددة وتوقيت واضح.

وفي العامل الثالث يجب أن تتضمن المهمة عمليات بحث وابتكار طموحة وواقعية في الوقت نفسه، ويجب تحديد أهداف المهمة بطريقة طموحة، تركز على أنشطة البحث والابتكار على امتداد سلسلة الابتكار بأكملها، بما في ذلك تأثيرات الملاحظات الراجعة بين البحث الأساسي والتطبيقي. أما العامل الرابع فإنه يتطلب ابتكاراً متعدد التخصصات وشاملاً للعديد من القطاعات والجهات الفاعلة، كما يجب تأطير المهام بطريقة تحفز النشاط في جميع التخصصات العلمية، وعبر العديد من القطاعات الصناعية ومختلف الجهات الفاعلة، وتتطلب المهام بشكل حيوي أن تعمل الإدارات أو الوزارات الحكومية المختلفة معاً، ولهذا السبب من المفيد أن يتم إعداد المهام من أعلى مستوى من الوزارات.

وأفادت ماريانا مازوكاتو، بأن العامل الخامس من تنفيذ المهمة يتطلب حلولاً متعددة تُنفذ من القاعدة إلى القمة، ولا ينبغي أن تكون المهام قابلة للتحقيق من خلال مسار تطوير واحد أو عن طريق تقنية واحدة، بل يجب أن يعتمد مسارها على نهج حلول متعددة يجري تنفيذها من القاعدة إلى القمة، وذلك لتعزيز عمليات التجريب والاكتشاف الذاتي التي تغذي التعلم والابتكار، أما العامل السادس والأخير فهو قابلية المشاركة، أي لا بدّ أن يُنظر إلى المهام على أنها مشروعة وذات أهمية مجتمعية عالية، ولا يمكن أن تلهم المهمة الناس إلا إذا شعروا أنهم جزء منها، لذا فإن المشاركة العامة الهادفة في عملية اختيار المهام ضرورية، حتى لو تم اختيارها في نهاية المطاف على المستوى السياسي.