"ثابت وتاريخي".. ما موقف الخليج من محاولة تهجير فلسطينيي غزة؟

يوسف حمود - الخليج أونلاين

تحذير قطر والكويت والسعودية والإمارات 'من أي محاولة لتهجير الفلسطينيين من غزة'.

تصريحات قطرية كويتية رافضة لتصريحات تنكر وجود فلسطين.

حق الفلسطينيين في دولتهم وأرضهم المحتلة.

عانى الفلسطينيون على مدى عقود من آثار النكبة التي شكلت ولم تزل أكبر عملية تهجير قسري شهدها التاريخ، حيث أجبرت قوات الاحتلال الفلسطينيين على ترك ديارهم تحت وقع المجازر التي ارتكبت بحقهم في العام 1948، وأجبرت مئات الآلاف على اللجوء إلى دول الجوار أو إلى النزوح إلى مناطق أخرى داخل وطنهم وسط صمت المجتمع الدولي.

واليوم يتكرر المشهد مجدداً مع مخطط إسرائيلي، وبدعم أمريكي وغربي، لتهجير سكان القطاع المحاصر، وهو الأمر الذي لطالما وجد صوتاً خليجياً مرتفعاً رافضاً لأي مخطط يمضي نحو هذا الاتجاه، والذي سيكون تأثيره مزلزلاً في الشرق الأوسط وليس فقط في فلسطين، وستصل آثاره إلى كل بلد خليجي وعربي.

ولم يكن الموقف الخليجي الأول من نوعه مع هذا التوجه الإسرائيلي تجاه قطاع غزة، بل سبقته مواقف سابقة، وكانت جميعها إلى جانب الشعب الفلسطيني، وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس.

مواقف حديثة

بالتزامن مع العدوان الإسرائيلي والإبادة الجماعية التي يرتكبها ضد سكان قطاع غزة عقب معركة 'طوفان الأقصى' التي أطلقتها المقاومة الفلسطينية (7 أكتوبر 2023)، حذرت دول الخليج من أي محاولة لتهجير السكان الفلسطينيين.

وقال مجلس التعاون الخليجي، السبت، إن 'دعوات التهجير القسري للشعب الفلسطيني من قطاع غزة تستوجب التدخل الفوري العاجل من المجتمع الدولي لإيقافها'، مطالباً بوقف نهج 'العقاب الجماعي' الذي تنتهجه إسرائيل ضد سكان غزة.

وشدد على 'وجوب تدخل المجتمع الدولي بصفة الاستعجال لوقف إطلاق النار، ووضع حد لكافة أشكال التصعيد العسكري ضد المدنيين، وتجنب حدوث كارثة إنسانية في الأراضي الفلسطينية'.

ودعا المجلس المجتمع الدولي 'للتدخل بقوة وبسرعة لوقف العدوان على غزة، والعمل على إيجاد حل سياسي للأزمة وبسرعة لتمكين الشعب الفلسطيني من حقوقه المشروعة، في إقامة دولته على أراضي عام 67، وعاصمتها القدس الشرقية لتحقيق السلام والاستقرار المنشود في الأراضي الفلسطينية المحتلة'.

السلطنة بدورها حذرت أيضاً 'من أي محاولة لتهجير الفلسطينيين من غزة 'بهذا العمل العدواني الوحشي، الذي يستهدف إخلاء الأرض من ساكنها، بممارسات هدفها تصفية القضية الفلسطينية على حساب دولة أخرى'.

جاء ذلك في كلمة للشيخ خليفة الحارثي، وكيل وزارة الخارجية للشؤون السياسية بالدورة الطارئة للمجلس الوزاري للجامعة العربية‎، بمقرها في القاهرة، لمناقشة تطورات الأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة (11 أكتوبر).

وأكد الحارثي خطورة ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من أحداث أليمة؛ 'جراء حرب غاشمة من قوات الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، حصدت أرواحاً بريئة؛ أطفالاً ونساء وكُهولاً، وقصفٍ دموي طال دور العبادة ودمر بنية أساسية وخدمية في أماكن عديدة، مسبباً نزوح عشرات الآلاف من المواطنين الفلسطينيين الأبرياء'.

وأعلنت قطر  (14 أكتوبر)، عن رفضها القاطع لمحاولات التهجير القسري للفلسطينيين من قطاع غزة.

وذكر بيان لوزارة الخارجية القطرية أن دولة قطر 'تدعو إلى رفع الحصار عن القطاع وتوفير الحماية التامة للمدنيين الفلسطينيين بموجب القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني'.

كما أعلنت السعودية، (13 أكتوبر) رفض تهجير سكان غزة، مطالبة برفع الحصار عنهم ووقف القصف الإسرائيلي ضدهم.

جاء ذلك في بيان للخارجية السعودية، وسط اتصالات تجريها المملكة بعدة أطراف بالمنطقة لبحث وقف التصعيد بالأراضي الفلسطينية.

وأكدت السعودية، في البيان ذاته، 'رفضها القاطع لدعوات التهجير القسري للشعب الفلسطيني من غزة، وإدانتها لاستمرار استهداف المدنيين العزّل هناك، موضحة أن 'المملكة جددت مطالبتها للمجتمع الدولي بسرعة التحرك لوقف كافة أشكال التصعيد العسكري ضد المدنيين، ومنع حدوث كارثة إنسانية'.

كما أعلنت الخارجية الكويتية، (13 أكتوبر)، أنها ترفض بشكل قاطع دعوات 'إسرائيل' لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة.

وقال وزير الخارجية، الشيخ سالم العبد الله، لوكالة الأنباء الرسمية 'كونا' إن بلاده 'تؤكد رفضها القاطع لدعوات الاحتلال الإسرائيلي لتهجير الفلسطينيين القسري من غزة واستمرار التصعيد وعمليات القتل والتدمير العشوائي، والذي يعد خرقاً للقانون الدولي والإنساني'.

وأضاف أن تلك الدعوات 'ستؤدي إلى مزيد من المعاناة للشعب الفلسطيني الذي يعاني من قصف وحصار أدى إلى سقوط مئات الضحايا الأبرياء'.

قبل الحرب

ولم تختلف نبرات قادة الاحتلال الإسرائيلي على مدار السنين، لكنه صعدها مؤخراً بشكل كبير، كان من بينها تصريحات أطلقها بتسلئيل سموتريتش، وزير المالية الإسرائيلي المتطرف، في لقاء مع مؤيدين لـ 'إسرائيل' في باريس (مارس 2023)، وقال خلالها إنه 'لا يوجد شيء اسمه شعب فلسطيني'، وفق 'يديعوت أحرونوت' العبرية.

وعلى ضوء ذلك أدانت قطر والكويت تصريحات الوزير الإسرائيلي، واستخدامه خريطة تضم حدود الأردن وفلسطين إلى 'إسرائيل'.

وقالت الخارجية القطرية في بيان: إن 'تصريحات الوزير الإسرائيلي دليل جديد على عنصرية حكومة الاحتلال، ومحاولة لتزييف التاريخ وإنكار حق الشعب الفلسطيني في الوجود'، مؤكدة أن 'هذه التصريحات المتطرفة والادعاءات الواهية المخالفة للقيم الإنسانية، يكذبها التاريخ الذي يؤكد وجود الشعب الفلسطيني على هذه الأرض منذ الأزل'.

واعتبرت 'استخدام الوزير للخريطة خرقاً فاضحاً للأعراف والمواثيق الدولية'، ودعت المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته وإلزام 'إسرائيل' باحترام قرارات الشرعية الدولية.

من جانبها أعربت الخارجية الكويتية، في بيان، عن 'إدانة واستنكار دولة الكويت للتصريحات العنصرية المستفزة التي أدلى بها أحد مسؤولي حكومة الاحتلال الإسرائيلي، والتي أنكر من خلالها وجود الشعب الفلسطيني الشقيق، واستخدام خارطة لإسرائيل تضم فيها حدود المملكة الأردنية الهاشمية الشقيقة'.

وشددت الوزارة على 'رفض دولة الكويت لاستمرار إطلاق هذه التصريحات التحريضية الواهية وغير المسؤولة والمنافية للحقائق التاريخية والواقع الجغرافي وتتنافى مع كافة القوانين والأعراف الدولية'.

رفض سابق وحالي

يؤكد المحلل السياسي العماني عوض باقوير، أن دول مجلس التعاون الخليجي ترفض موضوع تهجير الشعب الفلسطيني من قطاع غزة حالياً، كما رفضت سابقاً في مناسبات مختلفة.

ويشير إلى أن 'إنهاء العدوان الإسرائيلي السافر على القطاع هو أولوية خليجية عربية'، لافتاً بالوقت ذاته إلى البيان الختامي لوزراء الخارجية العرب بمشاركة خليجية، الذي عقد مؤخراً في القاهرة، حيث أكد أهمية القضية الفلسطينية، وضرورة حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس.

ويلفت أيضاً، في حديثه لـ'الخليج أونلاين'، إلى البيان الصادر من وزارة الخارجية العمانية، والاجتماع الأخير لمجلس الوزراء في السلطنة، الذي أكد 'التضامن مع الشعب الفلسطيني ومع نضاله لنيل حقوقه المشروعة وفق قرارات الشرعية الدولية'.

ويضيف: 'من هنا فإن دول مجلس التعاون لدول الخليج ترفض العدوان الإسرائيلي الذي تسبب في قتل الأبرياء من المدنيين في قطاع غزة من الأطفال والنساء والشيوخ في جريمة تعد جريمة حرب مكتملة الأركان'.

وتابع: 'هناك جهود سياسية مكثفة تقوم بها دول مجلس التعاون لوقف العدوان الإسرائيلي الغاشم على قطاع غزة، ووقف أي محاولة لتهجير الفلسطينيين من القطاع'.

دول الخليج منذ البداية

تشير المصادر التاريخية إلى أن اهتمام دول الخليج بالقضية الفلسطينية تزامن مع بدايات قدوم الفلسطينيين إليها كعمالة وافدة بعد عام 1919، ومع أول زيارات قام بها قادة فلسطينيون لتعريف إخوانهم بحقيقة ما يجري في فلسطين.

ومع بدايات نشوء الدول الخليجية المعاصرة برز الموقف الخليجي تجاه القضية الفلسطينية بشكل أكبر، حيث بذلت الدول الست ما في وسعها منذ العام 1938 لنصرة فلسطين، وتركزت جهودها في جوانب عديدة؛ منها الدعم المادي والمالي والمعنوي للشعب الفلسطيني، ومقاومته ومؤسساته الاجتماعية، ومقاطعة 'إسرائيل' ومناهضتها وإحكام طوق العزلة حولها، وقطع العلاقات الدبلوماسية والتجارية مع الدول التي تساندها أو تقيم علاقات معها.

كما تحرك زعماء الخليج على مدار العقود الماضية على المستوى الدولي؛ من خلال إرسال الرسائل لقادة الدول العظمى، وعقد اللقاءات معهم، والمشاركة في المؤتمرات العالمية ودورات انعقاد المنظمات العالمية، للمطالبة بحقوق الشعب الفلسطيني وشرح معاناته للعالم، والتصدي للمخططات الصهيونية في إحكام السيطرة على فلسطين، والتحرك العسكري بقوات نظامية أو متطوعين تقاتل إلى جانب جيوش دول المواجهة.

وكان أبرز موقف حينما دعا الفلسطينيون عام 1936 إلى الإضراب العام احتجاجاً على تصاعد الهجرة اليهودية وإعلان المفتي الحاج أمين الحسيني عن الإضراب وحظر بيع الأراضي العربية لليهود، ورغم فقر بلدان الخليج قبل النفط، وخاصة خلال الثلاثينيات، بسبب الكساد العالمي وتراجع سوق اللؤلؤ، استطاع الخليجيون جمع تبرعات سخية وأرسلوها لفلسطين دعماً للإضراب.