من التعاون إلى التوطين.. الخليج يرسّخ حضوره في صناعة الفضاء

كامل جميل - الخليج أونلاين

الخبير الاقتصادي د. محمد موسى:

تصنيع الأقمار الصناعية الصغيرة يؤدي إلى نشوء صناعات دقيقة جديدة في الخليج.

تتجه المنطقة لبناء قدرات تصنيع وإطلاق ومعالجة بيانات تمنحها استقلالية تقنية واقتصادية متصاعدة خلال العقد المقبل.

يعكس مشهد صناعة الأقمار الصناعية في دول مجلس التعاون الخليجي حراكاً متسارعاً يشبه سباقاً مفتوحاً نحو المستقبل، ليشير إلى أن الخطط الموضوعة تبشر بجيل من المبدعين الخليجيين، سيسهمون مستقبلاً في تطوير الصناعات الفضائية محلياً.

فمن بوادر تعتمد على شراكات أجنبية وتكنولوجيا مستوردة، إلى مشاريع تُصنع داخل مختبرات محلية بأيدٍ وطنية، تبدو المنطقة وكأنها تعيد تعريف دورها في صناعة تُعد من أكثر صناعات القرن حساسية وتعقيداً.

يتجاوز الأمر إطلاق أقمار للاتصالات أو التصوير، ليصبح خطوة واعية نحو تعزيز السيادة التقنية وربط الاقتصادات الخليجية بمنظومات صناعية جديدة.

وتوسّعت دول الخليج خلال السنوات الأخيرة في تصنيع الأقمار الصناعية محلياً، بدءاً من الأقمار الصغيرة التعليمية التي تُبنى داخل البلاد إلى تأهيل كوادر وطنية.

أحدث ما جرى تنفيذه في هذا الإطار كشفت عنه وكالة الفضاء السعودية (الجمعة 29 نوفمبر 2025) مؤكدة نجاح إطلاق القمرين الصناعيين السعوديين 'روضة سكوب' و'أفق'.

القمران طوّرهما طلاب من جامعتي أم القرى والأمير سلطان ضمن مسابقة 'ساري' المخصصة لتصميم الأقمار الصناعية الصغيرة.

تعمل السعودية على تطوير أقمار متوسطة وكبيرة ضمن سلسلة 'سعودي سات' وأطلقت أول قمر صناعي عام 2000.

تدرجت المملكة في صناعة وتشغيل وإدارة الأقمار الصناعية بدءاً من الاشتراك مع دول أخرى وصولاً إلى الاعتماد على القدرات المحلية.

يعكس هذا النهج مساراً متدرجاً نحو استقلالية تقنية أكبر، يجمع بين تدريب الشباب على الأقمار الصغيرة وتطوير منصات أكبر وأكثر تعقيداً.

دخول قوي للإمارات

دخلت الإمارات عصر الفضاء في يوليو 2009 بإطلاق أول قمر صناعي حكومي 'دبي سات-1' من محطة بايكونور في كازاخستان.

عززت حضورها بإطلاق 'خليفة سات' عام 2018، وهو أول قمر صناعي يتم تطويره وتصنيعه بالكامل داخل مختبرات مركز محمد بن راشد للفضاء بأيدٍ إماراتية.

تمثل التجربة الإماراتية نموذجاً للتحول من التعاون الدولي إلى التصنيع المحلي الكامل، مع توسع الدولة في بناء منظومة فضائية مستدامة تستند إلى مهندسين إماراتيين.

المشاريع القطرية

أطلقت قطر أول أقمارها 'سهيل-1' عام 2013 من قاعدة كورو، وتبعه 'سهيل-2' عام 2018 على متن صاروخ فالكون 9 في الولايات المتحدة.

كشفت جامعة قطر في أكتوبر 2018 عن مشروع أول قمر صناعي نانومتري ومحطة أرضية ضمن مبادرات بحثية لتوطين المعرفة العلمية.

تعتمد قطر على مزيج من الأقمار التجارية المصنّعة خارجياً، والمشاريع البحثية المحلية التي تهدف إلى إدخال الجامعات في مجال تصميم 'النانوسات'.

بناء خبرات كويتية

دخلت الكويت مجال الأقمار الصناعية بإطلاق 'كويت سات-1' في يوليو 2021، وهو قمر صغير صممه طلاب كويتيون بالتعاون مع مؤسسات دولية.

في يناير 2023، أطلقت الكويت قمرها الثاني الذي جرى تصميمه وبناؤه داخل البلاد بالكامل، ما يشير إلى بدء توطين صناعة الأقمار الصغيرة.

تشكل هذه المشاريع قاعدة تعليمية وبحثية تسعى الكويت من خلالها إلى بناء خبرات محلية في قطاع الفضاء.

تأسيس قدرات محلية

دخلت البحرين قطاع الفضاء بإطلاق القمر 'لايت-1'، في ديسمبر 2021.

'لايت-1' مشروع مشترك مع الإمارات وشركات أوروبية.

في مارس 2025، أطلقت البحرين قمرها الثاني 'المنذر'، وهو قمر صغير صُمّم وبُني وشُغّل محلياًمن قبل مهندسين بحرينيين.

يمثل 'المنذر' بداية تأسيس حقيقي لقدرات وطنية في صناعة الأقمار الصغيرة داخل البحرين.

برنامج وطني عُماني

أطلقت عُمان أول أقمارها 'أمان-1' في نوفمبر 2023 عبر شركة 'سبيس إكس' ضمن المرحلة التأسيسية لبرنامج فضائي وطني.

في نوفمبر 2024، تبعته بإطلاق القمر 'OL-1'، أول قمر بصري للحوسبة بالذكاء الاصطناعي مطوّر محليًا.

تعكس التجربة العُمانية مساراً متدرجاً نحو تصنيع محلي يعتمد على تقنيات حديثة ويعزز حضور السلطنة في صناعات الذكاء الاصطناعي الفضائي.

يشير مجمل هذا الحراك الفضائي إلى أن منطقة الخليج تتعامل مع صناعة الأقمار الصناعية بوصفها مشروعاً استراتيجياً يتجاوز حدود الفضاء نفسه، ليطال الاقتصاد والأمن والتكنولوجيا والتعليم.

في رأي الخبير الاقتصادي د. محمد موسى، الذي تحدث لـ'الخليج أونلاين'، فإن تصنيع الأقمار الصناعية الصغيرة يؤدي إلى نشوء صناعات دقيقة جديدة في الخليج.

ويرى موسىأن مع توسع التعليم الفضائي ونمو الشركات الخاصة، تتجه المنطقة لبناء قدرات تصنيع وإطلاق ومعالجة بيانات تمنحها استقلالية تقنية واقتصادية متصاعدة خلال العقد المقبل، مبيناً:

تصنيع الأقمار الصناعية، يمثل نواة لصناعات إنتاجية خليجية جديدة تمتد إلى الطيران والطاقة والدفاع.

انتقال دول الخليج من شراء الأقمار الجاهزة إلى تصنيع أجزاء كبيرة يعكس تحولاً نوعياً تغذّيه الإرادة السياسية وتمويل الرؤى الاقتصادية مثل رؤية السعودية 2030 واستراتيجية اقتصاد الفضاء الإماراتي.

تنامي الخبرات الوطنية يوفّر قاعدة بشرية قادرة على قيادة مشاريع تصنيع أكثر تعقيداً، بعدما أصبحت الأقمار التعليمية مختبرات تدريب حيّة للمهندسين.

تراكم التجارب يحوّل المشاريع التجريبية إلى صناعة ناضجة بعوائد اقتصادية وتقنية، على غرار ما حدث في دول آسيوية.

سوق الفضاء الخليجي يتجه للتوسع خلال العقد المقبل عبر انتشار الأقمار الصغيرة المخصّصة للاستشعار والاتصالات والبيئة، بفضل تكلفة منخفضة وسرعة تصنيع عالية.

شركات خاصة ناشئة ستنمو في مسارات الحمولات ومعالجة البيانات وتطوير الأنظمة الدقيقة، مدفوعة ببيئة استثمارية تشجع الابتكار وتفتح المجال أمام القطاع الخاص.

الاستخدامات المزدوجة، المدنية والأمنية، ستعزّز الحاجة لقدرات محلية لمراقبة الحدود وحماية البنى التحتية ومتابعة الموارد الطبيعية.

ستبرز مبادرات خليجية للحصول على قدرات إطلاق،بما يمنح المنطقة استقلالية أكبر في دورة حياة الأقمار.

بتوسع اقتصاد خدمات الفضاء قد يصبح القطاع الأكثر ربحية مقارنة بالتصنيع نفسه.

تشكّل صناعة الأقمار الصناعية بوابة حقيقية لقطاع تصنيع دقيق جديد في الخليج، تمهّد للدخولإلى الصناعات عالية التقنية وترسّخ الحضورالخليجي في التكنولوجيا العالمية.