اخبار العراق
موقع كل يوم -المسلة
نشر بتاريخ: ٢ تشرين الأول ٢٠٢٥
2 أكتوبر، 2025
بغداد/المسلة:
وليد الطائي
الفساد لم يعد حالة استثنائية في العراق، ولم يعد حكرًا على الحكومات أو السياسيين كما يحب البعض أن يتصور. الحقيقة المؤلمة أن الفساد تسلل إلى كل مفاصل حياتنا اليومية، حتى أصبح جزءًا من ثقافتنا الاجتماعية، يُمارس أحيانًا بلا خجل وكأنه حق مكتسب.
الفساد اليوم موجود بين الأصدقاء، حين يصبح معيار العلاقات مبنيًا على المصالح الشخصية لا على القيم. موجود في العشيرة، عندما تتحول مفاهيم النخوة والحمية إلى وسيلة للتغطية على الجرائم أو حماية الفاسدين بدلاً من نصرة الحق. موجود في محال التجارة والصناعة والزراعة، حين يغشّ التاجر بضائعه، ويستغل الصناعي ضعف الرقابة، ويتلاعب المزارع بالأسعار على حساب المواطن. موجود في المدرسة، حين تُباع الأسئلة أو يُهمل التعليم ليخرج جيل ضعيف الفكر والوعي.
وهنا علينا أن نكون صريحين مع أنفسنا: نحن جميعًا ـ بدرجات متفاوتة ـ شركاء في استمرار هذا الخراب. صمتنا هو مشاركة، وسكوتنا عن الخطأ هو تواطؤ، وتبريرنا للفساد الصغير هو ما أعطى الشرعية للفساد الكبير. من الذي أوصل السياسي الفاسد إلى السلطة؟ من الذي يركض وراء الواسطة؟ من الذي يغض الطرف عن الغشّ لأنه 'ابن عمّ' أو 'قريب'؟ إننا نحن من صنعنا هذا الوحش بأيدينا، ثم جلسنا نتباكى على نتائجه.
الفساد ليس فقط سرقة المال العام من خزينة الدولة، بل هو ثقافة تبدأ من البيت وتنتهي بالدولة. الفساد حين يدفع الأب لابنه رشوة لينجح، وحين يبرر المثقف الخطأ لأنه من حزبه أو عشيرته، وحين يسكت المواطن عن الظلم لأنه لا يعنيه مباشرة.
إن أخطر ما نواجهه اليوم هو أن الفساد لم يعد يُستَنكَر، بل أصبح سلوكًا طبيعيًا، حتى صرنا نبحث عن الواسطة قبل أن نبحث عن القانون. هذه العقلية هي التي سمحت للفاسدين الكبار أن يتمددوا ويتحكموا بمصير بلد كامل، لأنهم وجدوا مجتمعًا متسامحًا مع الفساد الصغير، وبالتالي عاجزًا عن مواجهة الفساد الكبير.
لا يمكن أن نحلم بعراق نقيّ ونظيف ما لم نبدأ من أنفسنا. مكافحة الفساد لا تبدأ من قصور الحكومة، بل من بيت المواطن، من سلوكنا اليومي، من رفضنا للمحسوبية، من وقوفنا ضد الغشّ والظلم مهما كان بسيطًا.
إذا أردنا حقًا استعادة وطننا، فعلينا أن نعلن ثورة أخلاقية قبل الثورة السياسية، لأن دولة نظيفة تحتاج مجتمعًا نظيفًا، وإلا فإننا سنبقى ندور في الحلقة نفسها، نبدّل الوجوه ونُبقي على الداء.
About Post Author
زين
See author's posts