اخبار سلطنة عُمان
موقع كل يوم -الخليج أونلاين
نشر بتاريخ: ٢٤ كانون الأول ٢٠٢٥
كمال صالح - الخليج أونلاين
الاتفاق يأتي في مرحلة بالغة الحساسية بالساحة اليمنية وفي ظل تغيرات إقليمية متزايدة.
شكّل الاتفاق الذي جرى التوصل إليه، الثلاثاء (23 ديسمبر)، في العاصمة العُمانية مسقط بين الحكومة اليمنية الشرعية وجماعة 'الحوثي'، حول تبادل الأسرى، محطة إنسانية وسياسية لافتة في مسار الصراع الممتد منذ سنوات.
هذا الاتفاق الذي يخترق جدار الأزمة من زاويتها الإنسانية، يفتح الباب أمام تساؤلات حول ما إذا كانت هذه الصفقة، قادرة على إحداث اختراق حقيقي في جدار الجمود الذي يلف ملف السلام الشامل.
الاتفاق الذي رعته سلطنة عُمان، بإشراف مكتب المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن، وبدعم من الحكومة السعودية، يأتي في مرحلة بالغة الحساسية، إذ تشهد الساحة اليمنية تعقيدات متزايدة، في ظل تغيرات إقليمية متزايدة، دفعت بملف السلام في البلد إلى الهامش.
تفاصيل الاتفاقية
وأعلن الوفد الحكومي المفاوض في ملف المحتجزين والمختطفين التوصل إلى اتفاق شبه كلي للإفراج عن نحو 2900 محتجز من مختلف الأطراف والجبهات، خلال الجولة العاشرة من المفاوضات الإنسانية التي استضافتها مسقط، وبحضور المبعوث الأممي هانس غروندبرغ.
ووفق البيان، ستفرج جماعة الحوثي عن 1200 محتجز، في مقدمتهم القيادي السياسي البارز محمد قحطان، إضافة إلى سبعة محتجزين سعوديين، من بينهم طياران، ونحو 20 محتجزاً سودانياً، فيما تفرج الحكومة عن 1700 محتجز.
أهمية هذا الاتفاق لا تنبع فقط من حجمه، بل من دلالاته السياسية وتوقيته، إذ تزامن مع وجود وفد سعودي رفيع المستوى في مسقط برئاسة وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان، في زيارة التقى خلالها السلطان هيثم بن طارق، وبحثت تطورات إقليمية وملفات ثنائية، إلى جانب المستجدات اليمنية.
هذا التزامن منح الصفقة بعداً سياسياً يتجاوز الإطار الإنساني، وعكس دوراً سعودياً فاعلاً في دفع هذا المسار، ضمن مقاربة تركز على التهدئة وبناء الثقة، وهو ما أكده السفير السعودي لدى اليمن، محمد آل جابر.
ورحب آل جابر بالاتفاق، مشيراً إلى أنه جاء بتوجيهات ومتابعة القيادة السعودية وبالتعاون مع الحكومة اليمنية، وبمساعٍ عُمانية مقدّرة، مشدداً على أن الاتفاق يعالج قضية ذات بعد إنساني ويعزز فرص التهدئة.
في المقابل، عبّرت سلطنة عُمان في بيان رسمي عن ترحيبها بالاتفاق، مثمنة الروح الإيجابية التي سادت المفاوضات، ومشيدة بتعاون السعودية وجهود المبعوث الأممي واللجنة الدولية للصليب الأحمر، وأعربت عن أملها في أن يقود لمعالجة بقية المسائل المرتبطة بالأزمة اليمنية.
من جانبها، أعلنت جماعة الحوثي، على لسان رئيس وفدها التفاوضي عبدالقادر المرتضى وكبير مفاوضيها محمد عبدالسلام، التوصل إلى صفقة تبادل واسعة، مع توجيه الشكر لعُمان على احتضان ورعاية وإنجاح الجولة، في لهجة توحي بإدراك الجماعة لحساسية الملف وأهميته في المرحلة الراهنة.
ملف معقد
ويمثل ملف الأسرى واحداً من أكثر الملفات تعقيداً وحساسية في النزاع اليمني، إذ ارتبط طوال سنوات الحرب باعتبارات سياسية وعسكرية، وشهد جولات تفاوض متعثرة واتهامات متبادلة بعدم الالتزام.
وبرغم تنفيذ صفقات تبادل جزئية في محطات سابقة، ظل الملف مفتوحاً ومؤلماً لآلاف الأسر اليمنية، ما جعله اختباراً حقيقياً لجدية الأطراف وقدرتها على تقديم تنازلات إنسانية.
الدور العُماني في هذا السياق برز كعامل توازن وثقة، حيث حافظت مسقط على موقع الوسيط المقبول من مختلف الأطراف، ووفرت بيئة هادئة للمفاوضات بعيداً عن الضغوط الإعلامية والسياسية، الأمر الذي مكّن من تحقيق اختراقات تدريجية وصولاً إلى هذه الصفقة الواسعة.
لكن، ورغم التفاؤل الحذر الذي رافق الإعلان عن الاتفاق، لا تزال تحديات كبرى تعترض طريق الحل الشامل، في مقدمتها تعقيدات الملفين العسكري والأمني، وغياب تسوية سياسية جامعة، واستمرار الانقسامات الداخلية، فضلاً عن هشاشة التهدئة القائمة حالياً.
كما يبقى نجاح الاتفاق مرهوناً بسرعة التنفيذ والالتزام الكامل ببنوده، بما في ذلك الإفراج دون انتقائية ومعالجة ملفات المفقودين وجثامين القتلى، فضلاً عن ملف القيادي بحزب الإصلاح محمد قحطان، الذي لطالما كان أحد العُقد الأساسية في مفاوضات الأسرى.
وتشير المعطيات إلى أن توقيت الاتفاق، وحجمه، والدور السعودي الواضح في رعايته، يمنحانه فرصة ليكون مدخلاً لحلحلة ملفات أخرى، إذا ما جرى البناء عليه سياسياً، وتحويل الزخم الإنساني إلى مسار تفاوضي أوسع يعالج جذور الأزمة.
فصفقة الأسرى، وإن لم تكن حلاً بحد ذاتها، قد تشكّل نقطة انطلاق ضرورية لإعادة إحياء مسار السلام اليمني، في حال توفرت الإرادة السياسية لدى الأطراف، واستمر الدعم الإقليمي والدولي لهذا التوجه.
مدخللتفاهمات أوسع
الكاتب والباحث في الشؤون السياسية والاستراتيجية والمتخصص في الدراسات الخليجيةد. محمد العريمي، يرى أنالاتفاق يحمل دلالات سياسية تتجاوز بُعده الإنساني، ويأتي في توقيت يعكس إدراكاً متزايداً لدى أطراف الصراع بأن إدارة الحرب وصلت إلى حدودها القصوى، وأن كلفة الاستمرار في الجمود السياسي والتصعيد العسكري باتت مرتفعة على الجميع.
واعتبر في حديثه لـ'الخليج أونلاين' رعاية سلطنة عُمان، بالتنسيق مع المبعوث الأممي، 'تؤكد من جديد موقع مسقط كقناة موثوقة لإدارة الملفات المعقدة في المنطقة بهدوء وفاعلية، كما تعكس تحوّلاً دولياً نسبياً من منطق إدارة الأزمة إلى محاولة تثبيت مسارات تهدئة قابلة للبناء عليها سياسياً'.
وتابع قائلاً: 'الاتفاق يمكن أن يُشكِّل مدخلاً لتفاهمات أوسع، لكن ذلك يظل مشروطاً بحسن التنفيذ وبوجود إرادة سياسية حقيقية لدى الأطراف'.
ويصف ملف الأسرى بأنه 'من الملفات القليلة التي تسمح باختبار النوايا وبناء قدر محدود من الثقة، ونجاحه قد يفتح المجال لمقاربة ملفات أكثر تعقيداً مثل وقف إطلاق النار الشامل، وترتيبات الأمن، والملف الاقتصادي'.
ويستدرك بالقول: 'إلا أن تحويل هذا الإنجاز إلى مسار مستدام يتطلب مظلة إقليمية ودولية داعمة، وعدم التعامل مع البعد الإنساني كأداة تكتيكية ظرفية'.
وحول الدور السعودي، قال العريمي إنه 'كان محورياً وعملياً بامتياز، ويعكس تطوراً واضحاً في مقاربة الرياض للملف اليمني، من منطق الصدام المفتوح إلى منطق الاحتواء والبحث عن تسويات مرحلية'.
كما أن قبول السعودية بهذا الاتفاق وتسهيل إنجازه يشير، بحسب العريمي، إلى رغبة في تخفيف كلفة النزاع، وتأمين بيئة حدودية أكثر استقراراً، في ظل تحولات إقليمية أوسع.
وختم قائلاً: 'هذا الدور جاء متناغماً مع الجهد العُماني الذي وفَّر قناة تواصل هادئة وفعَّالة بين مختلف الأطراف، وأسهم في تهيئة الأرضية السياسية لإنجاز الاتفاق'.





















