اخبار العراق
موقع كل يوم -المسلة
نشر بتاريخ: ٢٨ أيلول ٢٠٢٥
28 شتنبر، 2025
بغداد/المسلة:
إحسان الموسوي
في الوقت الذي يئن فيه العراق تحت وطأة الأزمات المتراكمة ويبحث فيه عن بصيص أمل في شبابه النابغين تتعمد الحكومات المتعاقبة ومعها الإعلام الرسمي وشبكات التأثير المجتمعي على ترسيخ ثقافة التفاهة وتغييب الكفاءات في مشهد لا يمكن وصفه إلا بأنه مشروع ممنهج لهدم الدولة من الداخل
النموذج الأول هو الشاب العراقي محمد التميمي الذي حل لغزا رياضيا عمره أكثر من ثلاثمئة سنة وهو في السادسة عشرة من عمره أنجز ما عجز عنه كبار علماء الرياضيات في العالم خلال قرون ومع ذلك لم يحظ بأي احتضان رسمي أو تكريم حكومي بل بقي اسمه يتداول في الإعلام الأجنبي بينما تجاهله الإعلام المحلي تماما
النموذج الثاني هو علي يوسف عادل نابغة الرياضيات العراقي الذي أذهل المتابعين بقدراته الفريدة في حل المسائل المعقدة بسرعة خارقة ورغم ذلك لم يلتفت إليه أحد من المسؤولين ولم يُدع لأي لقاء رسمي أو يُمنح فرصة لتطوير موهبته ضمن برامج حكومية أو أكاديمية
في المقابل يظهر رئيس الوزراء في لقاء إعلامي مع بلوغر مغتربة تقدم محتوى لا يحمل أي قيمة معرفية أو تربوية بل يكرس أنماط السطحية والابتذال ويُمنح هذا اللقاء تغطية واسعة وكأنه إنجاز وطني بينما يُهمش النوابغ الحقيقيون الذين يمثلون مستقبل العراق العلمي والمعرفي
هذا التناقض ليس عشوائيا بل يعكس سياسة مدروسة تهدف إلى إعادة تشكيل الوعي الجمعي العراقي على أسس فارغة ترفع من شأن التافهين وتقصي أصحاب الفكر والموهبة يتم ذلك عبر أدوات إعلامية تروّج للسطحية وتُقصي العمق وعبر مؤسسات رسمية تكرّس هذا التوجه من خلال اختياراتها الرمزية وتوجهاتها العامة
المجتمع نفسه أصبح جزءا من هذه المنظومة حين بات يستهلك المحتوى التافه ويمنحه الشهرة والانتشار بينما يتجاهل الإبداع الحقيقي ويتركه في الظل هذا التواطؤ الثلاثي بين الحكومة والإعلام والمجتمع هو ما يجعل من مشروع هدم الدولة عملية ناعمة لا تُواجه بالرفض بل تُحتفى بها تحت شعارات زائفة
إن استمرار هذا النهج يعني أن العراق يفقد تدريجيا نخبه ومواهبه ويستبدلهم بأصوات فارغة لا تملك سوى الضجيج وإن لم يُكسر هذا المسار فإن مستقبل البلد سيكون رهينة للرداءة والتفاهة لا للعلم والمعرفة
النهوض لا يبدأ من السياسات الاقتصادية فقط بل من إعادة الاعتبار للعقل العراقي المبدع ومنح النوابغ المكانة التي يستحقونها قبل أن يُهاجروا أو يُطفئهم الإهمال.
About Post Author
moh moh
See author's posts