متابعات- نبض السودان

مع حلول برد الشتاء، لا شيء يضاهي كوباً ساخناً من الشاي يمنح شعوراً بالدفء والاسترخاء. وفي ثقافة العديد من شعوب شمال إفريقيا والشرق الأوسط، سواء العربية منها أو إيران وتركيا، يُشرب الشاي وهو شديد السخونة حتى في عز الصيف. كما أن طقوس الشاي لا ترتبط بوقت محدد، فهو حاضر قبل الطعام وبعده وأثناءه وفي كل الأوقات. لكن الدراسات الحديثة تحذر من هذه العادة المنتشرة على نطاق واسع.

دراسة إيرانية تُحذر من شرب الشاي بدرجات حرارة عالية

قبل سنوات عدة، حذرت دراسة إيرانية – وفقاً لموقع إذاعة وتلفزيون جنوب غرب ألمانيا (SWR) – من مخاطر شرب الشاي بدرجة حرارة تفوق 60 درجة مئوية. وخلصت هذه الدراسة إلى أن من يشربون أكثر من 0.7 لتر من الشاي الساخن يومياً تزيد لديهم احتمالات الإصابة بسرطان المريء بنحو الضعف مقارنة بغيرهم، وركزت الدراسة تحديداً على سرطان الخلايا الحرشفية، وهو أحد أكثر أنواع سرطان المريء انتشاراً.

50 ألف مشارك وصلة مؤكدة بين حرارة الشاي وسرطان المريء

أُجريت الدراسة في منطقة غلستان شمال شرق إيران، واعتمدت على بيانات 50 ألف رجل وامرأة. وتكتسب هذه الدراسة أهميتها من كونها دراسة استباقية؛ حيث تابع الباحثون الأشخاص الذين يشربون الشاي شديد السخونة، ثم رصدوا خلال أكثر من عشر سنوات من أصيب منهم بسرطان المريء. وقد أكدت النتائج وجود صلة واضحة بين تناول المشروبات شديدة السخونة وارتفاع نسب الإصابة بالمرض.

لماذا غلستان تحديداً؟

اختار الباحثون هذه المنطقة لأنها تسجل معدلات أعلى من المتوسط في الإصابة بسرطان المريء، وفي الوقت نفسه يُستهلك فيها الشاي بكميات كبيرة وبدرجات حرارة أعلى من أي مكان آخر في العالم. وهذا الارتباط بين الثقافة الغذائية والمرض جعل المنطقة موقعاً مثالياً للدراسة.

الخطر لا يقتصر على الشاي وحده

لا يقتصر الخطر على الشاي فقط، بل يشمل جميع المشروبات التي تُشرب وهي ساخنة للغاية. فقد أظهرت دراسة بريطانية – أجريت في فبراير 2025 وأثارت جدلاً واسعاً – وجود علاقة مباشرة بين الاستهلاك المنتظم للمشروبات شديد السخونة وزيادة خطر الإصابة بسرطان المريء، بحسب ما نقلته مجلة FITBOOK المتخصصة في التغذية واللياقة البدنية.

نتائج مثيرة من دراسة بريطانية واسعة

قام الباحثون البريطانيون بتحليل بيانات 454,796 شخصاً بالغاً من المشاركين في البنك الحيوي البريطاني، وتمت متابعتهم لمدة 11.6 عاماً في المتوسط. وأظهرت النتائج أن خطر الإصابة بسرطان المريء كان أعلى بـ 5.6 مرات لدى الأشخاص الذين تناولوا ثمانية أكواب أو أكثر من المشروبات الساخنة جداً يومياً.

حتى الكميات الأقل تشكل خطراً

اللافت أن الخطر لم يقتصر على المستهلكين الشرهين للمشروبات الحارة، فحتى من يشربون أربعة أكواب يومياً من مشروبات ساخنة جداً كانوا أكثر عرضة للإصابة بالمرض بنحو مرتين ونصف مقارنة بمن يتناولون مشروبات بدرجات حرارة أقل.

رسالة علمية واضحة: الحرارة هي المشكلة وليست المشروب

تُظهر جميع الدراسات أن المشكلة الأساسية ليست في نوع المشروب نفسه، بل في درجة حرارته. فتعريض أنسجة المريء للحرارة العالية بشكل متكرر يؤدي إلى تهيجها وإلحاق الضرر بها، مما يزيد من فرص تحول الخلايا إلى خلايا سرطانية مع مرور الوقت.