افتتحت المخرجة التونسية أريج السحيري الدورة الـ78 من مهرجان كان السينمائي الدولي بفيلمها الروائي الجديد 'سماء بلا أرض' ضمن مسابقة 'نظرة ما'، في ليلة سينمائية حملت الكثير من الشجن والاحتفاء.

واصطحبت أريج جمهور المهرجان في رحلة إنسانية مؤثرة من خلال حكاية ثلاث نساء يعشن في بيت آيل للسقوط، يواجهن واقعًا قاسيًا بتضامن نادر.

تصفيق مدوٍّ وحضور لافت

شهدت قاعة 'ديبوسي' الشهيرة العرض العالمي الأول للفيلم بحضور المخرجة أريج السحيري، وبطلات العمل الثلاث: آيسا مايجا، وليتيسيا كي، وديبورا ناني، بالإضافة إلى النجم التونسي محمد جرايا، ومديرة التصوير فريدا مرزوق، وفريق الإنتاج المشارك.

واختتم العرض بوصلة تصفيق استمرت لمدة 15 دقيقة متواصلة، في مشهد عبّر عن التأثر الكبير الذي تركه الفيلم في نفوس الحاضرين.

دبوس فلسطين وكلمة ملؤها الامتنان

بعد العرض، صعدت السحيري إلى المسرح وقد زينت ملابسها بدبوس يحمل العلم الفلسطيني، في لفتة رمزية هادئة وشجاعة، ألقت بعدها كلمة عبّرت فيها عن امتنانها لفريق المهرجان وصنّاع الفيلم، وقالت: أنا فخورة، ومليئةٌ بالحب لكل من صنع هذا الفيلم معي، آمل أن يُسهم كل فيلم، بطريقته الخاصة، في إنهاء تهميش وتجريد الآخرين من إنسانيتهم.

كما وجهت شكرًا خاصًا للجمهور الذي شاركها الرحلة العاطفية للفيلم.

إشادات نقدية مبكرة

لم تتأخر التقييمات النقدية في الظهور، إذ كتب الناقد آلان هانتر في سكرين دايلي: 'سماء بلا أرض' احتفال تشوبه مرارة بالصمود والتضحية، وتقدّم ديبورا ناني أداءً رائعًا كروحٍ نابضة بالحياة، مصمّمة على مقاومة كل ما تواجهه من صعاب.

وأضاف: السحيري تبني القصة حول التحديات الفردية والجماعية التي تواجهها النساء، مع خيط سردي مؤثر عن علاقة الأمهات والبنات.

أما فابيان ليميرسييه في سينيروبا، فكتب: تأسر أريج السحيري المشاهدين بفيلم إنساني لا يُصدق، يركّز على ثلاث نساء محبوبات من إفريقيا جنوب الصحراء يعشن في تونس، ويُطورن وعيًا متزايدًا بالعالم من حولهن.

وأشار إلى براعة الإخراج والإيقاع البصري والانسيابية اللافتة في الحركة والديكور، التي تكشف تدريجيًا تعقيدات الشخصيات الثلاث.

قصة مستوحاة من واقع موجع

يُعد 'سماء بلا أرض' ثاني أفلام السحيري الروائية، وشاركت في تأليفه مع آنا سينيك ومليكة سيسيل لوات، بينما تولت إنتاجه إلى جانب ديدار دومهري.

يتتبع الفيلم حكاية 'ماري'، قسيسة إيفوارية وصحفية سابقة تعيش في تونس، يتحوّل منزلها إلى مأوى لامرأتين: 'ناني'، أم شابة تطمح لحياة أفضل، و'جولي'، طالبة قوية تحمل آمال أسرتها، وتُحدث الطفلة اليتيمة التي تنضم إليهن لاحقًا شرخًا صامتًا يختبر تماسكهن وتضامنهن.

صوت سينمائي ضد التهميش

يستعرض الفيلم توترات وتحديات تنشأ في ظل أزمات اجتماعية متأججة، مستلهمًا أحداثًا حقيقية وقعت في تونس خلال فبراير الماضي، حيث تعرض مهاجرون من إفريقيا جنوب الصحراء لحملة إعلامية عنيفة، أشعلها خطاب سياسي متطرف، أدّت إلى اعتقالات وطرد تعسفي، ما يكشف عن هشاشة الوضع الإنساني في وجه العنصرية والتهميش.

سماء بلا أرض.. فيلم لا ينسى

بجماليات بصرية حساسة وروح تضامنية نابضة، نجحت أريج السحيري في تقديم فيلم يحفر عميقًا في قضايا الانتماء والهوية والكرامة، ويجعل من قصص نسائه الثلاث مرآة عالمية للمعاناة والأمل.