اخبار الإمارات
موقع كل يوم -الخليج أونلاين
نشر بتاريخ: ٢٦ تموز ٢٠٢٥
طه العاني - الخليج أونلاين
- ما أهمية القمة بين أذربيجان وأرمينيا التي استضافتها أبوظبي؟
خطوة حاسمة لدفع جهود السلام وإنهاء نزاع طويل الأمد.
- ما أبرز الملفات التي ناقشها الجانبان؟
ترسيم الحدود المشتركة ومواصلة التفاوض على مستويات عدة.
تواصل دولة الإمارات تعزيز حضورها كوسيط فاعل لتقريب وجهات النظر وتسوية النزاعات عبر الحوار؛ حيث استضافت أبوظبي في 11 يوليو الجاري، اجتماعاً حاسماً بين رئيس وزراء أرمينيا نيكول باشينيان، والرئيس الأذربيجاني إلهام علييف، في محاولة لكسر الجمود التاريخي بشأن إقليم ناغورنو قره باغ.
ويأتي هذا التحرك في إطار سياسة خارجية تقوم على تهيئة بيئة تفاوض محايدة بعيداً عن الاستقطابات، وبناء قنوات اتصال فعالة بين أطراف النزاعات الأكثر تعقيداً.
وساطة مؤثرة
ويبرز دور الإمارات في القوقاز كمحطة جديدة في مسار دبلوماسي اعتمدته أبوظبي لإدارة الأزمات بهدوء واتزان، فاختيار العاصمة الإماراتية لاستضافة هذه الجولة من المباحثات بين أذربيجان وأرمينيا يعكس الثقة بقدرتها على توفير أرضية حوار قابلة لتحقيق تقدم ملموس.
وأوضح أستاذ العلوم السياسية، الدكتور تيسير أبو جمعة، أن هذه الوساطة تأتي امتداداً لدور الإمارات في ملفات أخرى مشابهة، إذ تعتمد أدوات دبلوماسية تركز على بناء التفاهم بعيداً عن الضغوط الإعلامية أو المواقف المعلنة.
وأشار أبو جمعة، لصحيفة الاتحاد الإماراتية في 12 يوليو الجاري، إلى أن هذا النهج يُعيد صياغة أدوار الأطراف الإقليمية في النزاعات المزمنة، بما يوفر مسارات بديلة لحل الخلافات.
كما يرى أن أبوظبي تستند إلى شبكة علاقات متوازنة مع أرمينيا وأذربيجان، إضافة إلى شراكات اقتصادية قائمة، وهو ما يُبقي قنوات الاتصال مفتوحة ويسمح بتحريك ملفات مجمدة منذ سنوات.
ويرجّح أبو جمعة أن استضافة مثل هذه اللقاءات قد تؤسس لخطوات لاحقة تشمل اتفاقات تهدئة أو ترتيبات تضمن خفض التوتر وتمنع العودة إلى المربع الأول.
من جانبه، يشير الباحث في الشؤون الدولية هاني الجمل إلى أن لقاء أبوظبي يعكس تراكماً عملياً لتجارب سابقة للإمارات في إدارة وساطات معقدة، مثل أدوارها في تسهيل عمليات تبادل الأسرى بين روسيا وأوكرانيا رغم ظروف الحرب المستمرة.
ويرى الجمل أن هذا الحضور ليس منفصلاً عن رؤية أشمل تضع العمل الإنساني في صلب التحركات الدبلوماسية، منوها إلى أن نجاح الوساطة لا يرتبط فقط بتقديم مبادرات سياسية، بل كذلك بخلق مناخ يُشجّع الأطراف على الانفتاح وتقديم تنازلات متبادلة.
وفي تطور لاحق، أكد الرئيس التركي أردوغان باتصال مع نظيره الإماراتي، في 13 يوليو 2025، أن أنقرة تتابع عن كثب محادثات السلام بين أذربيجان وأرمينيا التي انطلقت في العاصمة الإماراتية أبو ظبي، وأنها ستواصل دعم الجهود الرامية إلى ضمان السلام في القوقاز.
حضور دبلوماسي
ويقول الدكتور أسعد كاظم شبيب، أستاذ العلوم السياسية، إن الملف القوقازي ظل ساخناً بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، مما أدى إلى تفكك دوله، فتأرجحت بين ولاء روسيا والولايات المتحدة، مما أشعل الصراع بين أذربيجان وأرمينيا.
ويوضح لـ'الخليج أونلاين' أن أرمينيا وأذربيجان، يتمتعان بأهمية استراتيجية على المستويين الإقليمي والدولي، ورغم صغر مساحة أرمينيا ذات الأغلبية المسيحية، وكبر مساحة أذربيجان ذات الأغلبية المسلمة، إلا أن الصراع بينهما مستمر رغم الوساطات الدولية.
ويضيف شبيب أن الإمارات تدرك أهمية هذين البلدين وقدرتهما على أداء أدوار مهمة في إنهاء التوتر الإقليمي، مشيراً ويشير إلى أن موقع البلدين الجغرافي يجعل حل النزاع بينهما فرصة للإمارات للعب دور إقليمي فاعل يسهم في إنهاء الملفات الشائكة بين الطرفين.
ويؤكد أن الإمارات تمتلك مقومات اقتصادية وحضوراً دبلوماسياً عالياً ومقبولية دولية، مما يؤهلها لأداء أدوار مهمة في إنهاء هذا النزاع.
ويرى شبيب أن هذا الدور سيصب في صالح الإمارات لتعزيز حضورها الإقليمي، خاصة بين دول تتميز بمواقع جغرافية متميزة وتتأرجح بين آسيا وأوروبا.
وحول مدى إنجاح اتفاق السلام، يعتقد أن الإمارات لها حضور متميز، وهناك جوانب إقليمية وداخلية في كلتا الدولتين تدعوهما لقبول وساطة إماراتية فاعلة، مؤكداً على رغبة الطرفين في التوصل لاتفاق سلام دائم، مما يتيح فرصاً كبيرة لإنجاح هذا الاتفاق.
ويرى شبيب أن الحفاظ على زخم الوساطة الإماراتية يعتمد على دواعي سياسية ودبلوماسية واقتصادية، وتبادل الخبرات وتفعيل الدبلوماسية الشعبية والفاعلة، لافتاً إلى أن وجود ضمانات قانونية وشعبية ودبلوماسية وسياسية سيعزز استمرارية اتفاق السلام.
ويشير إلى أن نجاح مساعي الإمارات في هذا الملف سيعزز حضورها الإقليمي في جو إقليمي مضطرب، خاصة بعد الصراع بين إسرائيل وإيران.
ويبين شبيب أن دور الإمارات في الدعوة للسلام وعدم التصعيد وعدم جر المنطقة إلى حروب يعكس رغبة إماراتية في تعزيز السلام والأمن الدوليين في منطقة الشرق الأوسط ودول العالم الثالث.
تسوية معقدة
انطلقت المباحثات التي استضافتها أبوظبي بين أرمينيا وأذربيجان من قضايا أساسية في مسار التسوية، كان أبرزها ملف ترسيم الحدود المشتركة التي تمتد لنحو ألف كيلومتر.
واتفق الطرفان خلال الاجتماع على الإبقاء على قنوات الحوار مفتوحة على مختلف المستويات، في محاولة لتجاوز عقبات حالت سابقاً دون الوصول إلى اتفاق دائم. واعتبرت وزارتا خارجية البلدين أن هذا المسار المباشر هو الأداة الأكثر واقعية لدفع جهود التطبيع إلى الأمام.
ويمثل الاتفاق الذي جرى وضع لمساته الأخيرة في مارس 2025 نقطة تحول في مسار نزاعٍ معقد امتد لأكثر من أربعة عقود حول إقليم ناغورني قره باغ.
فقد أعلن مسؤولون من الجانبين في 13 مارس الماضي، أنهم أتمّوا صياغة نص اتفاق سلام يأمل كثيرون أن يضع حداً نهائياً لجولات العنف المتكررة، بعدما تعثرت محاولات الحل في الماضي أكثر من مرة.
ينبع تعقيد هذا النزاع من جذوره التاريخية والجغرافية؛ إذ تعود جذور الخلاف إلى أواخر الثمانينيات حين تفكك الاتحاد السوفيتي، ما أفسح المجال أمام مواجهات مسلحة حول الإقليم الذي تقطنه أغلبية أرمنية ضمن حدود أذربيجان المعترف بها دولياً.
ومع أن أرمينيا لم تعترف رسمياً باستقلال 'ناغورني قره باغ'، إلا أنها دعمت إدارته عسكرياً ومالياً لسنوات، بينما خاضت باكو حملات عسكرية لاستعادته، كان آخرها في سبتمبر 2023 عندما استعادت السيطرة بمساعدة دعم تركي.
مع استسلام القوات الأرمينية وحلّ 'جمهورية ناغورني قره باغ' غير المعترف بها في يناير 2024، تغيرت خريطة النزاع على الأرض، ما أوجد فرصة جديدة لترتيب الوضع الحدودي والتأسيس لاتفاق قد يغلق ملفاً ظلّ مصدر توتر إقليمي لعقود.
وتؤكد المبادرة الإماراتية أهمية الدور الخليجي في تقريب المسافات بين الخصوم وصياغة فرص سلام قابلة للحياة، في منطقة ظلت لعقود مسرحاً لصراع معقد، ويبقى الرهان على ترجمة هذا الزخم إلى خطوات تضمن استقراراً طويل الأمد يتجاوز حدود القوقاز.