اخبار الإمارات
موقع كل يوم -الإمارات اليوم
نشر بتاريخ: ٢ تشرين الأول ٢٠٢٥
يُمثّل كتاب صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، «علمتني الحياة»، مرجعاً معرفياً وفكرياً للأجيال الحالية والقادمة، والكتاب يُوثّق محطات من مسيرة وفلسفة سموّه القيادية والفكرية في سياسة الناس وسياسة الحكم.
35 فصلاً مُلهِماً يجمعها كتاب استثنائي، أراده سموّه أن يكون «بسيطاً في كلماته، صريحاً في عباراته، حقيقياً في معانيه حتى يصل من القلب للقلب».
وقال سموّه في مقدمتها: «خلال بضعة أعوام سأكمل 60 عاماً في العمل العام.. 60 عاماً من سياسة الناس وسياسة الحكم، وسياسة الحياة، 60 عاماً مرت سريعة بتحدياتها وإنجازاتها، وأفراحها وأحزانها، وأزماتها ومفاجآتها، 60 عاماً كسبت فيها أصدقاء، وبسبب الإنجاز أصبح لدي أيضاً حُسّاد، 60 عاماً فقدت فيها أحبة، فقدت أبي وأمي وإخوتي وغيرهم، وكسبت فيها الكثير، أسرةً جميلةً وأبناء صالحين ومواطنين طيبين، ودولة أصبحت حديث الناس والعالم».
ويأتي إطلاق الكتاب تجسيداً لحرص صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، على نقل خبراته وتجاربه الثرية، في مختلف الميادين، ليكون إضافة نوعية للمكتبة العربية، ومصدر إلهام للقيادات وصُنّاع القرار والجيل الجديد من الشباب الطامح لصناعة المستقبل.
كما يُعدّ امتداداً لمسيرة سموّه في رفد الفكر والثقافة والإبداع بنتاجات نوعية تركت بصمتها على الحراك الفكري والثقافي محلياً وعربياً، عبر موضوعات شاملة تتناول مختلف جوانب الحياة وقيمها الإنسانية والتنموية.
وفي مقدمة الكتاب يقول سموّه: «تعلمت الكثير من الحياة، ولعل أكبر درس تعلمته أنني لست كاملاً، بل إنسان يتعلم ويتطور، وينمو ويكبر، ويحب ويكره، ويقوى ويضعف، ويتغير باستمرار، ولكن بقي الثابت الوحيد، عبر أكثر من سبعة عقود من حياتي، أنني أحببت بلدي، وأحببت شعبي، وأحببت أسرتي».. ومن قصص الكتاب:
«ابْعَدي»
خلال زيارتي لأحد المعارض وقفت أمامي طالبة تشرح تجربتها العلمية التي قدمتها في إحدى المسابقات الدولية، وفازت بمركز متقدم ضمن تلك المسابقة. أعجبت بشرح الطالبة وتمكنها، فقلت لها بعد أن انتهت: «ابْعَدي».
أحسست بأن الطالبة لم تفهم الكلمة، فقلت لها: «I'm proud of you»، ففرحت الطالبة بالثناء عليها.
ولكني حزنت في داخلي أنها لم تستوعب الكلمة الأولى، لأن الفرق بين الكلمتين كبير جداً.
تحمل الكلمة الأولى الكثير من المشاعر والمحبة والإعجاب والدلال، وتبقى الكلمة الثانية مكررة خالية من المشاعر تُستخدم كل يوم في حالات كثيرة دون عمق شعوري ووجداني.
ولمن لا يعرف معنى «ابْعَدي» «باللهجة الإماراتية»، فهي لا تعني البعد الزماني أو المكاني، بل تعني أن هذا الشخص غالٍ على قلبك قريب منك، وكأنك تقول له أنت بعد نفسي في القرب والحب والمكانة العالية.
علمتني الحياة أن اللغة ليست فقط كلمات وعبارات، بل هي مخزن للمشاعر والثقافة والهوية.
اللغة هي الأداة التي ننقل من خلالها انفعالاتنا وعواطفنا.
اللغة هي الأداة التي من خلالها نحفز أنفسنا، ونحرك مجتمعاتنا، ونستثير فيها الوطنية والولاء والانتماء والحِمية.. وإذا فقدناها فقدنا كل ذلك.
واللغة لا تنقل المشاعر فقط، بل تخلقها.
عندما نحلم أو نتأمل أو نفكر، فإننا نفعل كل ذلك باللغة التي نجيدها.
وشتان بين من يفكر ويحلم بلغة تحمل ملايين المفردات، وتحمل آلاف القصص الموروثة، وتحمل أمثالنا الوطنية، وعمقنا الثقافي والحضاري..
وبين من يفكر ويحلم بلغة غريبة عنا، تحمل ثقافة أخرى، ومفردات أقل، وموروثاً مختلفاً، ومشاعر غريبة.. لا تعكس روحنا ولا ذائقتنا ولا حقيقة وجداننا.
نعم، لقد اجتاحت العولمة الثقافية الكثير من البلدان، ولعبت التقنيات الحديثة دوراً كبيراً في نشر اللغة والثقافة الغربية. ولكن تحركت العديد من البلدان لحماية ثقافتها ولغتها، ومن بينها بلادنا.
فاللغة العربية إلزامية في جميع المراحل، وهي حاضرة في الفعاليات والمسابقات والجوائز والمبادرات التي تهدف إلى ترسيخها في الوجدان قبل اللسان.
ولكن ما زالت هناك فجوة بين الأجيال العربية الجديدة وبين اللغة العربية، ولا نريدها أن تتحول إلى جفوة. وهذا التحدي ليس خاصاً ببلادنا، بل تحدٍّ يخص جميع الأجيال الناطقة باللغة العربية.
فقدان اللغة هو فقدان للانتماء الشعوري، وفقدان للذاكرة التاريخية، وفقدان للهوية.
اللغة الأم هي التي تعزز التطور الاجتماعي والتواصل العاطفي للأطفال مع أسرهم ومجتمعاتهم، وبدونها هم معرضون لفقدان ذلك التوازن، وفقدان الصلة.
اللغة الأم هي الأداة الرئيسية التي يفكر بها الأطفال، ويفهمون من خلالها العالم. وضعف هذه الأداة هو ضعف لأداة التفكير الأساسية، وبالتالي ضعف لنموهم المعرفي وقدراتهم الذهنية.
لغتنا العربية ليست فقط نبض حضارتنا، وصوت تاريخنا، وروح ثقافتنا، بل هي جسرنا أيضاً نحو التطور والتقدم، ولا بد أن نؤمن بقدرتها على أخذنا للمستقبل.
الحفاظ على اللغة العربية مشروع حضاري طويل المدى.. لذلك أطلقنا مكتبات، ومشاريع قراءة، وجوائز ومؤتمرات، وسياسات حكومية، ومبادرات مجتمعية، كلها تخدم هذه اللغة الخالدة.
وسأستمر في ذلك، لأن بقاء اللغة العربية في وجداننا وحاضرنا ومستقبلنا ليس خياراً، بل واجباً ومسؤولية.
فنحن لا نحمي الكلمات فقط.. نحن نحمي الفكر، والهوية، والمصير.
• الحفاظ على اللغة العربية مشروع حضاري طويل المدى.. لذلك أطلقنا مكتبات، ومشاريع قراءة، وجوائز ومؤتمرات، وسياسات حكومية، ومبادرات مجتمعية، كلها تخدم هذه اللغة الخالدة.
التكبر والاستكبار
علمتني الحياة أن أخاطب الناس بقولي «أخي» و«أختي».. لأذكر نفسي وأذكرهم بأن أبانا واحد.. كلنا لآدم، وآدم من تراب.
علمتني الحياة أن التكبر مفسدة ومنقصة.. والتواضع رفعة وفضيلة.
ولا يتكبر إلا الجاهل..
ولا يتواضع إلا صاحب العقل.
علمتني الحياة أن الشعوب أيضاً قد تتكبر على غيرها.
يظنون أنهم الأنقى.. والأصفى.. والمختارون.
وكم من حروب أبادت الملايين بسبب تكبر شعوب على غيرها.
نسمع أحياناً عبارات مثل «حرب التطهير العرقي».. وسببها التكبر. تكبر الشعوب والقوميات، وإحساسهم بالفوقية، وأنهم أفضل من غيرهم.
أسوأ ما أراه أحياناً على بعض وسائل التواصل هو التكبر الشعبي:
«نحن الأفضل.. نحن الأكثر تقدماً.. نحن الأعلى والأقوى والأسمى».
الوطنية الحقيقية أن تحب وطنك وشعبك دون أن تكره بقية الشعوب أو تحتقر بقية الأوطان.
احترم الناس والشعوب لأن ذلك هو مفتاح للازدهار.
واحتقرهم إذا أردت أن تشعل نيران الكراهية والتعصب والدمار.
احترام البشر وبقية الشعوب يؤدي إلى بناء جسور ثقافية وتجارية وعلمية ومعرفية..
واحتقارهم يؤدي إلى تمييز وقطيعة ثقافية وحروب تجارية.
«وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا».
علمتني الحياة أن الأيام دول بين الناس، وأن الدهر متقلب، وأن الأمم العظيمة هي التي تتواضع وقت الرخاء، والقوة والازدهار.
علمتني الحياة أن الكبر والفوقية عدو الحضارة.. لأن الحضارة لا تصنعها دولة لوحدها، بل يصنعها التعاون والتكاتف بين الدول والأمم والشعوب.
وأن الشعوب العظيمة تتواضع عند انتصاراتها.. وتتعلم من أخطاء غيرها.. وتعترف بفضل الآخرين حتى وهي في قمة عزها ومجدها.
وتلك الأيام نداولها بين الناس.
• علمتني الحياة أن الأيام دول بين الناس، وأن الدهر متقلب، وأن الأمم العظيمة هي التي تتواضع وقت الرخاء، والقوة والازدهار.
• الوطنية الحقيقية أن تحب وطنك وشعبك دون أن تكره بقية الشعوب أو تحتقر بقية الأوطان.