اخبار قطر
موقع كل يوم -الخليج أونلاين
نشر بتاريخ: ٢٥ كانون الأول ٢٠٢٥
عمر محمود - الدوحة - الخليج أونلاين
الكاتب والباحث د. خالد وليد محمود: انتقال تعاون قطر وأمريكا من الثنائي التقليدي إلى الحوار الاستراتيجي المؤسسي يشير إلى نضوج العلاقة وتحولها إلى شراكة طويلة الأمد.
تمرّ العلاقات القطرية - الأمريكية بتطورات ملموسة خلال السنوات الأخيرة، تجاوزت حدود التواصل الدبلوماسي التقليدي لتصل إلى مستوى شراكة استراتيجية راسخة، تمتد جذورها لأكثر من نصف قرن من العلاقات الثنائية بين البلدين.
وبرز التحول النوعي في هذه الشراكة مع إطلاق الحوار الاستراتيجي عام 2018، باعتباره إطاراً مؤسسياً منتظماً يهدف إلى تعزيز التشاور المستمر بين الدوحة وواشنطن في ملفات الأمن والدفاع والاقتصاد، إلى جانب قضايا الاستقرار الإقليمي والدولي، ما أضفى طابعاً مؤسسياً دائماً على العلاقات الثنائية.
وجاء انعقاد الحوار الاستراتيجي السابع في ديسمبر 2025 ليؤكد وجود رغبة متبادلة في الارتقاء بالشراكة الاستراتيجية إلى آفاق أوسع ومستويات غير مسبوقة، تشمل المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية، بما يخدم المصالح المشتركة للبلدين.
كما شهد عام 2025 زخماً إضافياً في العلاقات القطرية – الأمريكية، تمثل في زيارتين للرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الدوحة، التقى خلالهما أمير دولة قطر، وبحثا عدداً من القضايا الإقليمية والدولية، ما عزز منسوب الثقة المتبادلة، وأبرز الدور القطري المحوري في المنطقة.
المجال العسكري
وفي المجال العسكري، لا يُعدّ التعاون الدفاعي بين قطر والولايات المتحدة وليد الحوار الأخير، إذ يعود إلى اتفاقية الدفاع المشترك الموقعة عام 1992، والتي شكلت أساساً قانونياً للشراكة الأمنية بين البلدين.
ومع مرور السنوات، توسعت هذه العلاقة لتشمل تعزيز بناء القدرات الدفاعية من خلال برامج التدريب المشتركة، والتحديثات التقنية، إلى جانب مشاريع عسكرية تعكس اعتماد الولايات المتحدة على قطر كشريك أساسي في منظومة الأمن الخليجية.
وفي تأكيد إضافي على عمق الشراكة الدفاعية والأمنية، صدر في 29 سبتمبر أمر تنفيذي أمريكي بشأن ضمان أمن دولة قطر، في خطوة تعكس التزام الجانبين بمواصلة تعزيز قدرات الردع الإقليمي، وتطوير القدرات الدفاعية المشتركة في مواجهة التحديات الأمنية المتغيرة.
العلاقات الاقتصادية
على الصعيد الاقتصادي، شهد التعاون بين الدوحة وواشنطن توسعاً ملحوظاً خلال العقد الأخير، مدفوعاً بتزايد الاتفاقيات والتفاهمات الاستثمارية، لا سيما تلك التي جرى توقيعها خلال زيارة الرئيس ترامب إلى الدوحة في مايو الماضي، والتي قُدّرت قيمتها بما لا يقل عن تريليون دولار.
وأوضح البيان المشترك أن هذه الاتفاقيات شملت صفقة بقيمة 96 مليار دولار مع الخطوط الجوية القطرية لشراء ما يصل إلى 210 طائرات من طراز بوينغ مزودة بمحركات جنرال إلكتريك، في تحديث للأرقام التي أشار إليها الرئيس ترامب خلال مراسم التوقيع، والتي تحدث فيها عن 160 طائرة بقيمة 200 مليار دولار.
وبحسب بيانات رسمية، تُقدَّر الاستثمارات القطرية المباشرة في الولايات المتحدة بنحو 69 مليار دولار، في حين تستفيد قطر من وجود أكثر من 850 شركة أمريكية تعمل في السوق القطرية، وهو ما يعكس عمق الترابط الاقتصادي بين البلدين.
كما تجاوزت القيمة الإجمالية للعلاقات الاقتصادية القطرية – الأمريكية 200 مليار دولار خلال السنوات الماضية، ما يعكس تنوع مجالات التعاون لتشمل، إلى جانب الطاقة، قطاعات التكنولوجيا، والخدمات، والصناعة، والطيران.
ويعزز هذا النمو الاقتصادي من متانة الشراكة الثنائية، ويضعها في سياق علاقات تجارية واستثمارية استراتيجية قائمة على مصالح اقتصادية متبادلة، تتجاوز مفهوم التبادل التجاري التقليدي.
تخطيط وتنسيق منهجي
ولم تغفل الشراكة الاستراتيجية بين الدوحة وواشنطن المتغيرات السياسية والإقليمية، إذ بات الحوار الاستراتيجي منصة منتظمة لتناول قضايا إقليمية جوهرية في كل جولة، ما يعكس تطوراً في أدوار الشراكة السياسية بين الطرفين، إذ شملت الجولات السابقة اتفاقيات ركزت على مكافحة الإرهاب والتطرف، وتوسيع التعاون في السياسات الأمنية المشتركة.
واضطلعت قطر بدور بارز في عدد من الملفات الدولية، من بينها استضافة مفاوضات السلام الأفغانية التي أفضت إلى اتفاق انسحاب القوات الأمريكية عام 2020، إضافة إلى دورها في عمليات الإجلاء وتنظيم جهود الإغاثة في أفغانستان، وهو ما عزز مكانتها كوسيط سياسي موثوق بالنسبة لواشنطن.
وتظهر اللقاءات الثنائية المتكررة بين قيادتي البلدين، وزيارات الرئيس الأمريكي إلى الدوحة، إلى جانب الحوارات الاستراتيجية المنتظمة، والتفاهمات الدفاعية، والتعاون الاستثماري، أن الشراكة القطرية – الأمريكية تحولت من علاقة ذات طابع أمني واقتصادي منفصل إلى بنية مؤسسية متكاملة تحقق مصالح مشتركة في مجالات الأمن والاقتصاد والسياسة، وتعزز الحضور الإقليمي والدولي للبلدين.
الكاتب والباحث د. خالد وليد محمود يرى أن الانتقال من التعاون الثنائي التقليدي إلى الحوار الاستراتيجي المؤسسي بين دولة قطر والولايات المتحدة يشكل مؤشراً واضحاً على نضوج العلاقة وتحولها إلى شراكة طويلة الأمد، تقوم على التخطيط المسبق والتنسيق المنهجي، وليس على الاستجابة الظرفية أو إدارة الأزمات بشكل مؤقت.
وأضاف محمود لـ'الخليج أونلاين':
- الحوار الاستراتيجي المنتظم لا يضيف فقط بعد الاستمرارية إلى العلاقة بين البلدين، بل يعيد تعريفها بوصفها شبكة مصالح متداخلة ومتعددة المستويات، تشمل مجالات الأمن والدفاع، والاقتصاد، والطاقة، والتكنولوجيا، إلى جانب التعاون الثقافي والتعليمي، وهو ما يعكس انتقال العلاقة إلى إطار مؤسسي أشمل وأكثر عمقاً.
- التفاهمات الدفاعية والاقتصادية الأخيرة تعكس تحولاً واضحاً في موقع دولة قطر داخل المنظومة الإقليمية.
- تعزيز التعاون الدفاعي وتطوير القدرات العسكرية المشتركة يكرسان دور قطر كعقدة أمنية إقليمية فاعلة ومحورية في معادلات الاستقرار، وليس مجرد شريك تقليدي أو داعم لوجستي.
- الاستثمارات والصفقات الاقتصادية الكبرى بين البلدين تشير إلى انتقال الشراكة إلى مستوى أعمق من التشابك الاستراتيجي، بما يجعل استقرار قطر وأمنها جزءاً لا يتجزأ من معادلة الاستقرار الإقليمي الأوسع، ويعزز من حضورها في الحسابات الاستراتيجية الأمريكية تجاه منطقة الشرق الأوسط.
- توسيع جدول أعمال الحوار الاستراتيجي ليشمل ملفات إقليمية ودولية متعددة يحمل دلالات سياسية مهمة.
- أبرز هذه الدلالات هي الاعتراف المتزايد بالدور القطري في الوساطة وإدارة الأزمات الإقليمية والدولية، وتحويل الشراكة مع واشنطن إلى منصة تنسيق وتبادل رؤى حول قضايا تتجاوز الإطار الثنائي.
- هذه التطورات تعكس مستوى متقدماً من الثقة السياسية والتنسيق الاستراتيجي بين الجانبين، وتشير إلى أن الشراكة القطرية – الأمريكية مرشحة لأن تكون أحد الأعمدة المؤثرة في إعادة تشكيل توازنات السياسة الإقليمية خلال المرحلة المقبلة، في ظل بيئة إقليمية معقدة ومتغيرة.























