متابعات- نبض السودان

أثار ملف الزواج المختلط في الجزائر مجددًا ضجة كبيرة بعد تزايد عدد الحالات التي اصطدمت بعقبات بيروقراطية وقانونية، دفعت الكثير من الأزواج إلى العدول عن توثيق عقود زواجهم بشكل رسمي أو الاكتفاء بالزواج الشرعي فقط، ما تسبب في مشاكل قانونية تمسهم وتمس أبناءهم.

تصاعد معدلات الزواج المختلط نتيجة الانفتاح والاستقرار النسبي

شهدت الجزائر خلال العقد الأخير انفتاحًا اقتصاديًا واستقرارًا نسبيًا جذب آلاف الأجانب، سواء من المهاجرين الفارين من النزاعات في بلدانهم، أو الطلبة والعمال القادمين للإقامة والعمل، ما أدى إلى ارتفاع ملحوظ في معدلات الزواج المختلط بين الجزائريين والأجانب.

لكن هذا الارتفاع صاحبه واقع قانوني معقد، حيث يواجه العديد من الأزواج عراقيل إدارية حالت دون توثيق زيجاتهم، ما دفعهم إلى اتخاذ قرارات اضطرارية مثل الاكتفاء بالزواج الشرعي أو تأجيل الارتباط، بل إن بعضهم دخل في دوامة من الإجراءات غير المجدية.

نادية وفاطمة الزهراء.. نماذج لأزواج عالقين في المتاهة القانونية

من بين الحالات المؤثرة، قصة نادية (33 عامًا) التي ارتبطت بسوري مقيم في الجزائر. رغم التزامهما بالإجراءات الإدارية منذ البداية، واجها عراقيل مستمرة عند طلب الحصول على رخصة الزواج، لينتهي بهما المطاف بزواج شرعي فقط، دون توثيق قانوني، ما حال دون حصولهما على الوثائق الرسمية اللازمة لتسوية وضعيتهما.

أما فاطمة الزهراء (25 عامًا) فاضطرت لتأجيل زواجها من خطيبها الفلسطيني بعد أن تخلت سفارة بلده عن إصدار عقود الزواج كما كان معمولًا به سابقًا، لتصبح رخصة الزواج الصادرة عن الولاية هي الوثيقة الحصرية المعتمدة، وهي وثيقة يصعب الحصول عليها في ظل التشدد الإداري الحالي.

وزير العدل: لا اعتراف قضائي دون رخصة الولاية

ردًا على سؤال كتابي وجهه أحد النواب، أكد وزير العدل الجزائري لطفي بوجمعة أن القضاء لا يعترف بأي عقد زواج مختلط لا يتضمن الرخصة الإدارية الصادرة عن مصالح الولاية. وأوضح أن قضاة شؤون الأسرة ملزمون بالتحقق من توفر جميع أركان الزواج، وفي مقدمتها الرخصة، قبل الفصل في أي دعوى تتعلق بإثبات الزواج الشرعي الذي يكون أحد أطرافه أجنبيًا.

وأضاف الوزير أن على الأجانب الراغبين في الزواج من جزائريين احترام قوانين البلاد والسعي للحصول على الترخيص اللازم، مع منح السلطة التقديرية للقضاة في التعامل مع هذه الملفات حسب كل حالة.

محامون: التشدد الإداري يحول الزواج إلى مأزق قانوني

المحامي فريد صابري، أكد في تصريح لـ'العربية.نت' أن المادة 22 من قانون الأسرة الجزائري تنص على أن الزواج لا يُثبت إلا بعقد مدني أو بحكم قضائي في حالة تعذر التسجيل. وأوضح أن المادتين 9 و9 مكرر، والمادة 31 من قانون الأسرة، تلزم الأجانب بالحصول على رخصة زواج وفق التعليمة الوزارية المعدلة عام 2019، وهو ما يعقد الأمور أكثر.

ويرى صابري أن مشاكل الزواج المختلط لا تقتصر على الجوانب القانونية، بل تشمل أيضًا الجوانب الاجتماعية، حيث يُرفض عدد كبير من الطلبات دون توضيح الأسباب، مما يدفع الأزواج إلى إبرام عقود زواج عرفية لا يعترف بها القضاء، لغياب الرخصة كأحد الشروط الجوهرية.

تداعيات قانونية خطيرة تطال الأطفال والأمهات

من الآثار الجانبية الخطيرة التي يخلفها رفض الترخيص الإداري، بقاء الأطفال المولودين من زواج مختلط غير موثق بلا وثائق رسمية، ما يحرمهم من حقوقهم القانونية والتعليمية والصحية، كما يضع الأمهات في مواجهة أعباء إضافية قد تصل إلى مشاكل في إثبات النسب أو الحصول على دعم الدولة.

مطالب بمراجعة القانون وتقديم بدائل إنسانية أكثر مرونة

في ظل هذه الظروف، دعا المحامي صابري إلى ضرورة تدخل السلطات المختصة لإعادة النظر في شروط الزواج المختلط، واقتراح آليات قانونية جديدة أكثر مرونة، تراعي مصلحة الأسر وتنسجم مع تطور المجتمع الجزائري وانفتاحه المتزايد على العالم.

كما شدد على أن الوضع الحالي يتطلب استجابة تشريعية عاجلة لمعالجة هذه الحالات التي تتكرر وتخلف آثارًا سلبية إنسانية واجتماعية، خاصة مع تزايد عدد الأسر المختلطة التي تجد نفسها في مأزق قانوني مزمن.