يبدو أن الذكاء الاصطناعي ستكون له بصمة بارزة في مجال اكتشاف الأمراض في الفترة القادمة. ففي نقلة نوعية قد تُعيد رسم ملامح علاج السرطان، أعلن باحثون من جامعات ومراكز طبية عالمية عن تطوير أدوات ذكاء اصطناعي قادرة على تتبع أورام الرئة بدقة عالية، وتحديد المناطق المُصابة التي قد يصعب على الأطباء الوصول لها، ما يفتح الباب أمام علاجات إشعاعية أكثر فاعلية وأماناً للمرضى ومن ثم نتائج أفضل للشفاء.

iSeg أداة للكشف عن أورام الرئة

في دراسة نُشرت مؤخراً بمجلة npj Precision Oncology، كشف باحثو مركز 'نورثويسترن ميديسن' في الولايات المتحدة عن أداة جديدة تُدعى iSeg، وهي أول تقنية ذكاء اصطناعي ثلاثية الأبعاد قادرة على تحديد الأورام في صور الأشعة المقطعية (CT) بدقة تتفوق على الأطباء المتخصصين.

وبحسب الدراسة فإن أداة iSeg وصفها المتخصصون بالاستثنائية، وذلك لقدرتها على تتبع حركة الأورام أثناء تنفس المريض، وهي ميزة لم تكن ممكنة من قبل في كل التقنيات التي استخدمت للكشف عن الأورام، خاصة تلك التي تعتمد على صور ثابتة.

وحسب الباحثين، تعد هذه الخطوة ضرورية لتوجيه العلاج الإشعاعي بدقة، خاصة أن نحو نصف مرضى السرطان يخضعون للعلاج الإشعاعي في مرحلة ما من رحلتهم العلاجية.

كيف تعمل أداة الذكاء الاصطناعي لتحديد ورم الرئة؟

عادة ما يتم تحديد مكان الورم يدوياً من قبل الأطباء، في عملية تُعرف باسم 'تقسيم الورم' (Tumor Segmentation). لكنها عملية شاقة، تستغرق وقتاً، وتختلف نتائجها من طبيب لآخر، ما قد يؤدي أحياناً إلى تجاهل أجزاء مهمة من الورم، وبالتالي تقليل فعالية العلاج.

هنا يأتي دور iSeg، حيث أثبتت الأداة في التجارب أنها تستطيع تذليل تحديدات الأطباء بل وتحديد مناطق إضافية لم ينتبه لها بعض الأطباء. ووجد الباحثون أن هذه المناطق المهملة قد تكون مرتبطة بنتائج علاجية أسوأ، ما يعزز أهمية هذا الاكتشاف، حسب الدكتور محمد عبازيد، أستاذ ورئيس قسم علاج الأورام بالإشعاع في كلية طب فاينبرغ بجامعة نورثويسترن: 'نقترب من لحظة يمكن فيها للعلاجات أن تصبح أكثر دقة مما كنا نتخيله قبل عقد من الزمن'.

مشروع SPIRABENE: سرعة أكبر ومراقبة أدق

في أوروبا، يعمل فريق من معهد فراونهوفر لأبحاث الصور الطبية على مشروع آخر لا يقل طموحاً، يُعرف باسم SPIRABENE، يهدف إلى مراقبة نمو أورام الرئة بدقة وسرعة غير مسبوقة.

يركز المشروع على استخدام الذكاء الاصطناعي لتحديد التغييرات في حجم وشكل الورم بدقة متناهية، اعتماداً على صور الأشعة المتكررة، بحسب Fraunhofer MEVIS، ويُستخدم في ذلك خوارزميات تعلم عميق (Deep Learning) تستطيع مقارنة الصور بمرور الوقت ورصد أي نمو غير طبيعي، ما يساعد الأطباء على تعديل خطة العلاج بشكل فوري.

ويقول القائمون على المشروع إن تقنياتهم ستحسِّن من اتخاذ القرار الطبي، خاصة في الحالات التي تتطلب متابعة دقيقة مثل سرطان الرئة، المعروف بسرعة انتشاره وتعقيد علاجه.

اقرئي أيضاً كيف تتجنّبين الأطعمة ذات السعرات الحرارية الفارغة للحفاظ على وزن ثابت؟ اختصاصية تفيدكِ

هل الذكاء الاصطناعي يُقلل الأخطاء الطبية؟

الهدف المشترك بين التقنيتين، iSeg وSPIRABENE، لا يقتصر على تحسين دقة التشخيص، بل يمتد إلى تحقيق العدالة الطبية، من خلال توحيد جودة الرعاية بين المستشفيات، بغض النظر عن الخبرات المتاحة في كل مؤسسة.

كما تسهم الأدوات الجديدة في تقليل الأخطاء البشرية، التي قد تنتج عن الإرهاق أو التفاوت في المهارات بين الأطباء. ويؤكد الباحثون أن تقنيات تحديد الورم ستؤدي إلى قرارات علاجية أسرع، وتقليل الفجوات في الرعاية، وبالتالي تحسين فرص نجاة المرضى.

هل دخلت أدوات الذكاء الاصطناعي حيّز العلاجات؟

في الوقت الراهن، يتم اختبار iSeg في بيئات سريرية حقيقية؛ حيث تتم مقارنة أدائها بأداء الأطباء في الزمن الفعلي. كما يعمل الفريق الأمريكي على تطوير نسخ من الأداة؛ لتناسب أنواعاً أخرى من الأورام، مثل سرطان الكبد والدماغ والبروستاتا، بالإضافة إلى التوافق مع أنواع متعددة من التصوير الطبي مثل التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI) والتصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني (PET).

أما في أوروبا، من المتوقع أن تُدمج خوارزميات SPIRABENE في أنظمة دعم القرار الطبي المستخدمة في المستشفيات خلال السنوات القليلة المقبلة، حسب Northwestern Medicine.

مستقبل تشخيص أورام الرئة

يمثل توظيف الذكاء الاصطناعي في تتبع أورام الرئة نقلة نوعية في طب الأورام الحديث، تجمع بين قوة الحوسبة ودقة التحليل البشري. وبينما لا تحل هذه الأدوات محل الطبيب، إلا أنها تمنحه رؤية أوضح وأداة أكثر اتساقاً في المعركة اليومية ضد السرطان.

ومع دخول هذه التقنيات حيّز التطبيق السريري، يتجدد الأمل في أن يتحول 'الذكاء الاصطناعي' من مفهوم نظري إلى شريك فعلي في إنقاذ الأرواح.

*ملاحظة من 'سيّدتي': قبل تطبيق هذه الوصفة أو هذا العلاج تجب استشارة طبيب مختص.