متابعات- نبض السودان

فقدت الأمة الإسلامية اليوم أحد أعلامها البارزين بوفاة المفكر الإسلامي الكبير الدكتور جعفر شيخ إدريس، الذي وافته المنية صباح اليوم في العاصمة السعودية الرياض عن عمر ناهز 94 عامًا، بعد مسيرة علمية وفكرية زاخرة امتدت لعقود من الزمن، أثّر فيها في أجيال من طلاب العلم والمفكرين في العالم الإسلامي.

صاحب البصمة الفريدة في الفكر الإسلامي

نعى مجمع الفقه الإسلامي السوداني الدكتور جعفر شيخ إدريس بكلمات حزينة، قائلاً:

'نتقدم بأحر التعازي في وفاة العلامة الأستاذ الدكتور جعفر شيخ إدريس، الذي حدثت وفاته اليوم، بعد عمر حافل في الدعوة والعمل والجهاد بالكلمة والعلم، فقد كان منارات للأمة في زمن كثرت فيه الظلمات.'

لقد مثّل الدكتور جعفر مرجعية فكرية ودينية فريدة، جمع بين عمق العقيدة وصرامة المنهج ووضوح الرؤية الفكرية، وامتاز بالقدرة على الربط بين الفلسفة الغربية ومفاهيم العقيدة الإسلامية بلغة عقلانية تجمع بين التراث والمعاصرة.

من بورتسودان إلى العالمية.. رحلة عالم

وُلد الدكتور جعفر شيخ إدريس محمد صالح بابكر عبد الرحمن بلل في عام 1931 بمدينة بورتسودان شرق السودان، وينحدر من عائلة علمية عريقة في منطقة نوري بالولاية الشمالية.

حفظ القرآن الكريم في سن مبكرة، وتلقى تعليمه النظامي حتى تخرّج من جامعة الخرطوم، التي شهدت بدايات نبوغه العلمي وتميّزه القيادي، حيث تولّى رئاسة اتحاد الطلاب.

حصل على درجة الدكتوراه في الفلسفة من جامعة الخرطوم، وكان من أوائل السودانيين الذين مزجوا بين الدراسات الإسلامية والعلوم الفلسفية الغربية، متسلحًا بوعي عميق ومنهج نقدي متين.

محطات علمية في جامعات العالم الإسلامي

عمل الدكتور جعفر شيخ إدريس أستاذًا للفلسفة والعقيدة الإسلامية في عدد من الجامعات داخل السودان وخارجه، خاصة في المملكة العربية السعودية، حيث ترك بصمات فكرية وأكاديمية كبيرة.

أسّس مع عدد من النخب الفكرية الجامعة الأمريكية المفتوحة، التي سعت إلى نشر المعرفة الإسلامية المعاصرة، وربط أبناء الأمة بالثقافة الشرعية بمنهج علمي رصين.

موسوعية نادرة

امتاز الدكتور جعفر شيخ إدريس بقدرته على الكتابة والتحليل والشرح بكل سلاسة في كلٍ من اللغتين العربية والإنجليزية، ما جعله مرجعًا للمسلمين في الغرب كما في الشرق، واستطاع أن يخاطب العقول الغربية بمنطقها ولغتها دون أن يتنازل عن ثوابت العقيدة.

وقد جمع في كتاباته بين الأصالة الإسلامية والوعي الفلسفي، حيث كانت كتاباته تدور حول مركزية التوحيد، ونقد التيارات الإلحادية والعقلانية المتطرفة، ومواجهة التغريب بالفكر لا بالشعارات.

وفاته خسارة للأمة الإسلامية جمعاء

برحيل الدكتور جعفر شيخ إدريس، تطوي الأمة صفحة من صفحات العلماء الكبار الذين لم تنل منهم الأحداث السياسية ولا الموجات الفكرية العاتية، وبقي ثابتًا على منهجه، مؤمنًا بقوة الكلمة في وجه الفتن والانحرافات.

لقد آمن أن بناء الأمة يبدأ ببناء الفكر، وأن المعركة الحقيقية هي معركة الوعي، فكرّس عمره للتدريس والكتابة والمحاضرة والتوجيه، وظل حاضرًا في المؤتمرات والندوات والحوارات الفكرية حتى في سنواته الأخيرة.

إرث علمي باقٍ ومؤلفات خالدة

خلف الدكتور جعفر شيخ إدريس إرثًا علميًا كبيرًا من المؤلفات والمقالات والمحاضرات، كان لها الأثر البالغ في ترشيد الخطاب الإسلامي في عصر العولمة والانفتاح الثقافي.

ومن بين كتبه ومقالاته التي انتشرت على نطاق واسع: