سلمى حداد - الخليج أونلاين

الاتفاقيات مع ترامب عكست تحولاً نوعياً في دور الخليج من مورد تقليدي إلى شريك بهندسة مستقبل الطاقة.

في لحظة سياسية واقتصادية فارقة، جاءت جولة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الخليج لتكشف عن تحوّل نوعي في العلاقة بين دول المنطقة وواشنطن، لم تعد تُقاس فقط بموازين السلاح أو التعاون الأمني، بل أصبحت الطاقة في قلب هذه الشراكة.

وخلال جولته التي استمرت أربعة أيام في منطقة الخليج، وقّع الرئيس الأمريكي صفقات بمئات المليارات من الدولارات وقام بعدة تحركات دبلوماسية.

وزار ترامب كلاً من السعودية وقطر والإمارات بين 13 و16 مايو 2025،وكانت هذه أول زيارة خارجية رسمية للرئيس الأمريكي منذ عودته إلى البيت الأبيض في 20 يناير 2025.

وإلى جانب الدبلوماسية والسياسة وتعزيز العلاقات، كان اهتمام ترامب الكبير منصباً على الاتفاقيات التجارية والاستثمار والطاقة والتكنولوجيا والعسكرية.

وضمن نتائج الجولة، وعدت السعودية باستثمار 600 مليار دولار في الولايات المتحدة، واتفقت قطر وأمريكا على 'تبادل اقتصادي' بقيمة 1.2 تريليون دولار، كما أعربت الإمارات عن التزامها باستثمار 1.4 تريليون دولار على مدى 10 سنوات.

اتفاقيات الطاقة

وعند الحديث عن قطاع الطاقة تحديداً فإنه يمكن رصد مجموع الاتفاقيات خلال زيارة ترامب فيما يلي:

السعودية

- 14.2 مليار دولار: صفقة مع شركة جي إي فيرونا لتوفير توربينات الغاز.

- 5 مليارات دولار: إنشاء صندوق استثمار في الطاقة السعودية.

قطر

- 8.5 مليار دولار: تعمل شركة ماكديرموت على مشاريع البنية التحتية للطاقة والغاز المسال القطري.

- 19 مليار دولار: استثمار شركة قطر إنيرجي في الطاقة الأمريكية.

- 3.3 مليارات دولار: استثمار غرينفيلد في الفنادق والسياحة وتكنولوجيا المعلومات والمصانع والخدمات المالية والنفط الأمريكي.

الإمارات

- أعلنت شركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك) عن التزامها بالاستثمار في مشاريع الطاقة الأمريكية، حيث سترتفع قيمة استثماراتها من 70 مليار دولار إلى 440 مليار دولار بحلول عام 2035.

- مشاريع الغاز الطبيعي: أعلنت XRG، الذراع الاستثمارية الدولية لأدنوك، عن خطتها لدعم إنتاج وتصدير الغاز الطبيعي الأمريكي، ومن ضمن ذلك الاستثمار في منشأة تصدير الغاز المسال 'نيكست ديكيد' في تكساس.

رؤية خليجية جديدة

وهذه الصفقات لم تكن فقط استجابة لحضور سياسي، بل تعكس رؤية خليجية جديدة للتموضع في مشهد الطاقة العالمي المتغير، حيث تسعى العواصم الخليجية إلى تثبيت أقدامها كقوى مؤثرة في مستقبل الطاقة النظيفة، وليس فقط في إمدادات الطاقة التقليدية.

وفي قراءته لأهمية هذه الصفقات، قال الخبير الاقتصادي منير سيف الدين: إن 'صفقات الطاقة التي وقّعتها دول الخليج مع الولايات المتحدة، تعكس تحولاً لافتاً في دور الخليج داخل سوق الطاقة العالمي، من مجرد مزوّد تقليدي إلى شريك استثماري واستراتيجي في البنية التحتية والأمن الطاقي العالمي'.

وأضاف سيف الدين، في حديث لـ'الخليج أونلاين'، أن 'السعودية، عبر التزاماتها الاستثمارية التي بلغت 600 مليار دولار، وجّهت رسالة واضحة مفادها أن مستقبل علاقاتها مع واشنطن يتجاوز صادرات النفط، ويشمل تعزيز أمن الطاقة الأمريكي، والمشاركة في مشاريع تتعلق بالبنية التحتية الطاقية والمعادن الاستراتيجية'.

وأشار إلى أن هذا يعزز قدرة المملكة على التأثير في مسارات الإنتاج والتسعير والاستدامة على المدى الطويل.

ولفت إلى أن استثمار شركة 'DataVolt' السعودية بـ20 مليار دولار في مراكز بيانات تعتمد على طاقة عالية الكفاءة داخل الولايات المتحدة، يمثل نموذجاً جديداً من استثمارات الطاقة، حيث تتقاطع التكنولوجيا مع الأمن الطاقي.

وعن الإمارات، شدد سيف الدين على أهمية مشروع المدينة الذكية للذكاء الاصطناعي في أبوظبي، الذي يعتمد على مزيج من الطاقة النووية، والطاقة الشمسية، والغاز الطبيعي.

وأوضح أن هذا المشروع، الذي يُعد الأضخم من نوعه خارج الولايات المتحدة، 'يرسّخ حضور الإمارات في سوق الطاقة النظيفة، ويعكس قدرتها على توظيف استثمارات الطاقة في سياق استراتيجي يتجاوز الاستهلاك إلى الإنتاج والابتكار'.

وفيما يتعلق بقطر، ذكر سيف الدين لـ'الخليج أونلاين' أن الاتفاقيات الموقعة مع الجانب الأمريكي، وإن طغت عليها صفقات الطيران والدفاع، فإن الدوحة تُدير برامج متقدمة من المشاريع المرتبطة بالبنية التحتية للطاقة، خاصة مع دورها العالمي في قطاع الغاز الطبيعي المسال.

وتابع: 'قطر تدرك أن الطاقة لم تعد تقتصر على وفرة الإنتاج، بل على الشراكة في التكنولوجيا، والتخزين، والربط اللوجستي، وهي تتحرك بخطى واثقة نحو هذا التموقع'.

ورأى سيف الدين أن مجمل هذه الاتفاقيات يعود على دول الخليج بفوائد اقتصادية مزدوجة عبر تحقيق عوائد استثمارية مباشرة في الأسواق الغربية الآمنة، وضمان الحضور في دوائر صنع القرار المرتبطة بمستقبل الطاقة العالمي.

واختتم حديثه بالتأكيد على أن 'صفقات الطاقة في هذه الجولة أعادت تعريف العلاقة بين الخليج وواشنطن، ليس فقط كمصدر ومستهلك، بل كشريكين في صناعة منظومة طاقة عالمية جديدة تقوم على الذكاء والتكامل، لا على المعادلات التقليدية وحدها'.

وحالياً تمثّل السعودية والإمارات وقطر قوة نفطية موحدة بإنتاج يومي مشترك يصل إلى 13 مليون برميل، أي نحو 16% من الإنتاج العالمي، وتتوزع الحصص كالتالي: السعودية بنحو 8 ملايين برميل، والإمارات 3 ملايين برميل، وقطر مليون برميل يومياً.

أمّا في قطاع الغاز، فتنتج الدول الثلاث سنوياً 480 مليار متر مكعب، ما يشكّل 12% من الإنتاج العالمي، وتتصدر قطر هذه الحصة بـ177 مليار متر مكعب، تليها السعودية بـ117 ملياراً، ثم الإمارات بـ57 مليار متر مكعب.

نقطة تحول

ومن وجهة نظر الخبير الاستراتيجي في مجال الطاقة أومود شوكري، الزميل الزائر الأول في جامعة جورج ميسون الأمريكية، فإن منطقة الخليج تظل محورية لمصالح الطاقة الأمريكية.

وأضاف شوكري، في مقال نُشر عبر منصة 'الطاقة'، في 19 مايو 2025، أن قطر تواصل دورها كأحد أبرز مصدري الغاز المسال عالمياً، في حين تترسخ مكانة السعودية والإمارات كقوتين رئيستين بين كبار منتجي النفط في العالم.

وتابع أن زيارة ترامب إلى الخليج جاءت لترسيخ هذه العلاقة من خلال تعهدات استثمارية طويلة الأجل، وتعزيز التعاون في مجالات الطاقة المتجددة، والتكنولوجيا النووية المدنية، والبنية التحتية الطاقية.

ورأى أن الاتفاقيات التي خرجت بها الجولة تمثل تطوراً نوعياً في دبلوماسية الطاقة الأمريكية، من حيث تقديم الترابط الاقتصادي أداة لتعزيز الشراكات الاستراتيجية، لا سيما في منطقة تتنافس فيها قوى عالمية كالصين وروسيا على النفوذ الطاقي واللوجستي.

ويؤكد شوكري في مقاله أن جولة ترامب شكّلت نقطة تحول في شكل التفاعل الأمريكي مع الخليج، حيث انتقل التركيز من مجرد تأمين تدفقات النفط والغاز إلى بناء شبكات استثمار طاقية متبادلة، تُعيد تشكيل بنية العلاقات على أسس أكثر استدامة وتأثيراً.

وبحسب مقاله، برزت السعودية كركيزة أساسية في هذه المقاربة الجديدة، من خلال التزامها بضخ استثمارات ضخمة في البنية التحتية الطاقية الأمريكية، إلى جانب إحياء التعاون في المشروعات النووية المدنية.

كما أشار إلى أن الإمارات عززت موقعها كشريك طاقة تقني، من خلال ربط الاستثمارات المالية بالابتكار في مجال الطاقة، في حين أكدت قطر، رغم غياب صفقات طاقة مباشرة خلال الزيارة، أهميتها كقوة مركزية في أسواق الغاز المسال، وشريك اقتصادي لا يمكن تجاوزه في معادلة الطاقة.

واعتبر الخبير الاقتصادي أن هذه الجولة تؤكد تحوّل دبلوماسية الطاقة الأمريكية إلى نموذج يقوم على الشراكة الاستثمارية ونقل التكنولوجيا وتدفقات رأس المال، مضيفاً أن 'تعزيز هذه العلاقات يحمل وعوداً استراتيجية للولايات المتحدة، سواء على مستوى تنويع مصادر الطاقة، أو توسيع النفوذ الجيوسياسي، أو تحصين أمنها الاقتصادي على المدى الطويل'.

وهذا الدور المهم في سوق الطاقة الدولي لا تغفل عنه دول الخليج، فقد قال الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، جاسم البديوي، إن دول المجلس لاعب أساسي وشريك موثوق به دوليّاً في مجال ضمان أمن الطاقة، ولها دور محوري في قطاعي النفط والغاز على المستوى العالمي.

وأكد البديوي، خلال مشاركته في مؤتمر 'حوار المنامة' نهاية العام 2023، في العاصمة البحرينية، أن 'دول مجلس التعاون أثبتت على مدى عقود من الزمن باستمرار أنها شريك موثوق في مجال الطاقة، مما يدل على التزامها الثابت بتحقيق استقرار أسواق الطاقة العالمية'.

وأشار إلى المساعي الاستراتيجية التي تبذلها هذه الدول لتعزيز أمن الطاقة، ومن ضمن ذلك التركيز على مصادر الطاقة المتجددة، والاستثمار القوي في البحث والتطوير من أجل حلول الطاقة المستدامة، وتعزيز كفاءة الممارسات في استخدام الطاقة، وتشجيع القطاع الخاص على التعاون في المشاريع المشتركة.