اخبار السودان
موقع كل يوم -بي بي سي عربي
نشر بتاريخ: ٣١ تشرين الأول ٢٠٢٥
أدان مجلس الأمن الدولي الهجوم الذي شنته قوات الدعم السريع السودانية على مدينة الفاشر، في جلسة طارئة له في نيويورك، في الوقت الذي أقرّ فيه قائد قوات الدعم بوقوع انتهاكات ارتكبتها قواته في المدينة السودانية الواقعة غربي البلاد، متعهداً بفتح تحقيق في تلك الأحداث.
وذكر بيان للمجلس التابع للأمم المتحدة أن التأثير على المدنيين كان مدمراً، ودعا الأعضاء إلى محاسبة قوات الدعم السريع على ما نفذته من إعدامات ميدانية خارج نطاق القانون واعتقالات تعسفية، انشترت على نطاق واسع ضمن تسجيلات مصورة.
وفي وقتٍ سابق، ذكر توم فليتشر كبير مسؤولي الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، في إحاطة أمام مجلس الأمن، أن قوات الدعم السريع أبلغته بتنفيذها اعتقالات، مضيفاً أن 'النساء والفتيات يتعرضن للاغتصاب، ويتعرض الناس للتشويه والقتل، مع إفلات تام من العقاب'.
وقال فليتشر: 'لا نستطيع سماع الصراخ، ولكن، بينما نجلس هنا اليوم، فإن الرعب مستمر'، موضحاً أن 'عشرات آلاف المدنيين المذعورين والجوعى يفرون أو يتنقلون'.
جاء ذلك بعد أن تعهد قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو المعروف بـ'حميدتي'، الخميس، بإجراء تحقيقات في 'الانتهاكات' التي ارتكبتها قواته، بحسبه، غير أن الدعم السريع نفى الاتهامات بارتكاب قواته مذبحة في مستشفى الفاشر.
وقال حميدتي، في خطاب بُث عبر منصات التواصل الاجتماعي، إنه لاحظ 'وقوع انتهاكات في الفاشر'، مؤكداً أنه سيحاسب 'أي جندي أو ضابط ارتكب جريمة'.
الأكثر قراءة نهاية
وأضاف أن لجان تحقيق عسكرية وقانونية وصلت بالفعل إلى المدينة لبدء التحقيقات.
كما أمر قائد القوات شبه العسكرية، التي تنازع الجيش بقيادة الجنرال عبد الفتاح البرهان على حكم البلاد منذ سنوات، قواته بالانسحاب من الأحياء السكنية، متعهداً بنشر وحدات شرطة تابعة للدعم السريع بمجرد تأمين المدينة.
ودعا إلى عودة النازحين إلى منازلهم، مناشداً المنظمات الدولية توفير مساعدات إنسانية عاجلة.
'جحيم أشد ظلاماً'
تابعوا التغطية الشاملة من بي بي سي نيوز عربي
اضغط هنا
يستحق الانتباه نهاية
في الوقت نفسه، حذر مسؤولون بارزون في الأمم المتحدة، الخميس، من أن مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور بالسودان قد 'انزلقت إلى جحيم أشد ظلاماً'، بعد أن سيطرت عليها قوات الدعم السريع في أعقاب حصار استمر 18 شهراً، ما أجبر عشرات الآلاف على الفرار سيراً على الأقدام وسط تقارير عن إعدامات جماعية واغتصاب وتجويع.
وقد أفادت التقارير بمقتل ما يقرب من 500 مريض ومرافقيهم في مستشفى الولادة السعودي، وهو أحد المرافق الصحية العديدة التي استُهدفت في القتال.
ووصفت مساعدة الأمين العام للأمم المتحدة لشؤون أفريقيا مارثا بوبي سقوط الفاشر بأنه 'تحول كبير في الوضع الأمني'، محذرةً من أن الآثار المترتبة على السودان والمنطقة الأوسع 'عميقة'.
وأضافت مارثا بوبي أن الضربات الجوية التي تنفذها قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية تضرب الآن أهدافاً جديدة في مناطق النيل الأزرق وجنوب كردفان وغرب دارفور والخرطوم.
كما حذرت بوبي من أن 'النطاق الإقليمي للصراع آخذ في الاتساع'، موضحةً أمام المجلس المكون من 15 عضواً أن 'مخاطر حدوث فظائع جماعية، وعنف عرقي وانتهاكات أخرى للقانون الإنساني الدولي، بما في ذلك العنف الجنسي، لا تزال مرتفعةً بشكل مثير للقلق'.
وقالت إنه على الرغم من الالتزامات بحماية المدنيين، يُظهر الواقع أنه لا أحد آمن في الفاشر، ولا يوجد ممر آمن للمدنيين لمغادرة المدينة'.
وقد وثق مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة عمليات القتل الجماعي، والإعدامات خارج نطاق القانون، والأعمال الانتقامية ذات الدوافع العرقية في كل من مدينة الفاشر في إقليم دارفور ومدينة بارا شمال كردفان.
'فصل دارفور'
من ناحية أخرى، نفى حميدتي نية قواته لفصل إقليم دارفور عن بقية السودان بعد السيطرة على الفاشر، في محاولة لتهدئة المخاوف من تقسيم البلاد، مؤكداً التزامه 'بوحدة السودان من خلال السلام أو الحرب'
ويُذكر أن تعهدات سابقة من حميدتي بالتحقيق في انتهاكات مماثلة خلال سيطرة قواته على ولاية الجزيرة لم تُنفذ حتى الآن.
في المقابل، قال رئيس أركان الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، الاثنين، بعد سقوط الفاشر إن معسكره لا يزال 'مصمماً على الاستمرار حتى نطهر هذه الأرض'.
وجاءت سيطرة قوات الدعم السريع، الأحد، على مدينة الفاشر، آخر معاقل الجيش في منطقة دارفور الشاسعة، بعد أكثر من 18 شهرا من الحصار، وأثارت مخاوف من العودة إلى الفظائع العرقية قبل 20 عاما.
وتعود جذور قوات الدعم السريع إلى ميليشيات الجنجويد المتهمة بارتكاب فظائع في دارفور قبل عشرين عاماً، بينما تُمثل القوات المسلحة السودانية بقايا الحكم العسكري طويل الأمد في الخرطوم.
وتقاسمت القوتان السلطة بعد الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير في عام 2019، لكن الخلاف حول دمج قوات الدعم السريع في الجيش الوطني أدى إلى نشوب حرب أهلية في عام 2023 وانهيار على مستوى البلاد.
فما بدأ بصراع على السيطرة على الدولة، تحول بعد ذلك إلى صراع تخلله قتل عرقي وحصار للمدن ونزوح جماعي وجوع في أجزاء كبيرة من البلاد.
وقد فرّ أكثر من أربعة ملايين شخص بالفعل إلى دول تشاد وجنوب السودان وجمهورية أفريقيا الوسطى المجاورة، مما أدى إلى إنهاك جهود العمليات الإنسانية وتفاقم حالة عدم الاستقرار في المناطق الحدودية.
'مجزرة' في شمال كردفان
كما اتهمت نقابة أطباء سودانية قوات الدعم السريع بارتكاب مجزرة راح ضحيتها 38 مدنياً في منطقة أم دام حاج أحمد بولاية شمال كردفان، وذلك بعد سيطرة القوات شبه العسكرية على المنطقة قبل ثلاثة أيام، وفقاً لما نشره موقع 'ألترا سودان' في 30 أكتوبر.
وقالت شبكة أطباء السودان إن قوات الدعم السريع نفذت 'إعدامات ميدانية' بحق 38 مدنياً 'غير مسلح'، بعد أن اتهمتهم بالانتماء إلى الجيش السوداني.
وأضافت الشبكة أن الضحايا 'أُعدموا بدم بارد'، مؤكدة أن ما حدث 'ليس حادثاً فردياً، بل امتداد لخطة تطهير عرقي وإبادة تنفذها قوات الدعم السريع ضد المواطنين الأبرياء في شمال كردفان ودارفور'.
يأتي هذا التطور بعد أيام فقط من اتهام منظمة حقوقية أخرى لقوات الدعم السريع بقتل أكثر من 300 مدني عقب سيطرتها على مدينة بارا المجاورة التي كانت تحت سيطرة الجيش.
وتواجه قوات الدعم السريع سلسلة من الاتهامات المتكررة من منظمات حقوقية بارتكاب انتهاكات جسيمة في المناطق التي تنتزعها من الجيش، والتي تشمل القتل خارج نطاق القانون، والنهب، والتهجير القسري، وهي اتهامات تنفيها القوة شبه العسكرية.
'إنهم لا يتفاهمون أو يتحدثون مع أحد'
من شمال كردفان، اضطر عدد من سكان مدينة بارا إلى مغادرتها سيراً على الأقدام نحو مدينة الأُبيّض عاصمة الولاية، وذلك بعد سيطرة قوات الدعم السريع على المدينة.
عدد منهم تحدثوا إلى بي بي سي، عن تفاصيل رحلتهم وعن الأسباب التي اضطرتهم للنزوح.
تصف إحدى السيدات معاناة والدها، الذي فر من مدينة بارا ووصل إلى مدينة الأُبيض، بعد السير يومين، وقالت إن الجميع كانوا يسيرون في حالة 'رعب وهلع'، بعد أن شاهدوا حجم الكارثة.
وتوضح أن السكان في البداية ظنوا أن القتال بسيط، واختبأوا تحت الأسِرّة، لكن بعد توقف أصوات الرصاص فوجئوا بعناصر من الدعم السريع 'يقتحمون البيوت بالأسلحة ويرهبون الأطفال والنساء ويقتلون الرجال'.
وتضيف، 'إنهم لا يتفاهمون أو يتحدثون مع أحد فقط القتل والترويع، والقتل مباشرة بشكل جماعي'.
ونقلت عن والدها أنهم كانوا 'يسوقون الشباب جماعات من خمسة أو ثمانية أفراد، ثم يُعدمونهم فوراً'. ومن ينجو من الإعدام ويحاول أن يدفن الضحايا، يتعرض هو الآخر للقتل فوراً، فلا حديث سوى بالرصاص.
وقالت إن والدها تعرض للضرب الشديد بالعِصِيّ، ولم يقتلوه لكبر سنه فقط، لكن هناك آخرين قتلوا أيضاً، ولا توجد مقابر لدفنهم.
وفي شهادة أخرى عن ما حدث في مدينة بارا، قالت إحدى الناجيات إن مسلحي الدعم السريع، 'اقتحموا المنزل وفتشوه وقلبوه رأساً على عقب'، وأنهم طلبوا منها وأهلها تسليم ما لديهم من أموال وذهب وهواتف، ليتحول الأمر إلى 'أعمال نهب'.
وكانت منظمة الهجرة الدولية قد دعت إلى حماية المدنيين بالفاشر، مشيرة إلى أن أكثر من 26 ألف شخص فرّوا من المدينة خلال يومين فقط، وأعربت المنظمة عن قلقها البالغ إزاء الانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي الإنساني.
وقالت المنظمة إن آلاف العائلات تُجبر على النزوح مجدداً، وتسير لأيام تحت الشمس الحارقة، وأكدت المنظمة أن العديد من النازحين يصلون إلى القرى المحيطة بالفاشر وهم مرهقون وجائعون ومذعورون.
'نزوح تحت تهديد البنادق'
وفي مدينة الطويلة روى سكان فروا من الفاشر المأساة التي عاشوها، بعد سقوط المدينة في يد قوات الدعم السريع.
وقال أحد السكان في شهادته لبي بي سي إنهم خرجوا يوم الأحد هرباً من المدينة، لتبدأ 'مأساة النزوح تحت تهديد البنادق'.
وأضاف أنهم في رحلة النزوح كانوا يتعرضون لهجمات من قوات الدعم السريع، التي 'أطلقت النار بالأسلحة الرشاشة عليهم دون مراعاة لنساء أو أطفال أو كبار السن، بل كان مسلحو الدعم يدهسون الناس بسياراتهم ويقتلونهم في الطريق'.
وأضاف أنه تعرض للاختطاف والضرب الشديد، وطلبوا منه مبلغاً مالياً كبيراً، واستطاع توفيره ليطلقوا سراحه، لكنه كان شاهداً على قتل مواطنين اثنين لم يتمكنا من توفير المبالغ المطلوبة منهما.
بينما تقول سيدة أخرى نزحت من الفاشر إلى الطويلة، والآن تعيش في العراء منذ الوصول إلى المدينة، إن الجميع 'يعانون من نقص الماء والطعام والأطفال مصابون بسوء التغذية'.
وحذرت من 'انتشار الأمراض خاصة بين الأطفال مع قدوم الشتاء والأمطار، خاصة أن الجو في المنطقة يكون بارداً جداً ليلاً، ولا توجد حتى خيام تحميهم'.
وقالت مواطنة سودانية من سكان مدينة الأُبيَّض لبي بي سي: 'عندما سمعنا عما حدث في الفاشر أصابنا الرعب، بل والاكتئاب أيضاً. لكن لا يزال لدينا أمل في أن الجيش سيسيطر عليها بإذن الله'.
وأضافت 'كمية الفيديوهات التي نُشرت على مواقع التواصل الاجتماعي عن الفاشر فطرت قلوبنا وأصابتنا بالرعب من إمكان تكرار ما حدث هناك، هنا في الأُبيِّض. هذه الحالة من الرعب تمكنت من قلوبنا ولا نعلم ما إذا كنا سنتمكن من تجاوزها'.
وأكدت: 'نحن هنا في الأُبيِّض نعاني من ضغوط نفسية هائلة بسبب ما يحدث في الفاشر. لا نتمنى أن نكون مثل الفاشر، إذ كانت الأُبيَّض محاصرة بينما سقطت الفاشر، لكن الجيش تمكن من استعادة السيطرة على جبل الهشابة'.
ورغم ذلك، أعربت المواطنة السودانية في الأبيّض عن شعورها بخوف شديد، مضيفة أن 'أغلبية الناس فكروا في النزوح والسفر والهجرة وسط هذا الخوف الشديد ولا ندري ماذا نفعل وإلى أين يمكننا النزوح!'.
وقالت: 'الأخبار التي وردتنا من الفاشر أثّرت سلباً على الناس إلى حدٍ كبيرٍ فلم نعد نشعر بالأمان وأصبحنا رهينة للمجهول. وأعتقد أن ذلك كله جاء نتيجة التأثير السلبي لمواقع التواصل الاجتماعي'.
وأكدت: 'كانت الحرب النفسية شديدة جداً، فقد بثوا في الناس الخوف والهلع والرهب. فالجميع غير مطمئنين وغير مرتاحين. وزادت ضربة الهشابة الطين بلة، فقد ولدت شعوراً لدى الناس بأن الأُبيَّض محاصرة من جميع الاتجاهات ولا أمل في الخروج'.





 
  
  
  
  
  
  
  
  
  
  
 

 
  
  
  
  
  
  
  
  
  
 
























 
  
  
  
  
  
  
  
  
  
  
  
  
  
  
 