اخبار السودان
موقع كل يوم -نبض السودان
نشر بتاريخ: ٥ تشرين الثاني ٢٠٢٥
بقلم: محمد عثمان الرضي
أعلن مجلس الأمن والدفاع السوداني، بقيادة رئيس مجلس السيادة والقائد العام للقوات المسلحة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، عن رفضه للمقترح الأمريكي الخاص بتوقيع هدنة بينه وبين مليشيا الدعم السريع، وفي ذات الوقت رحّب بالجهود المبذولة من قبل واشنطن فيما يخص مجريات الأحداث في السودان.
للمرة الثانية يتخذ المجلس قرارات حاسمة؛ القرار الأول كان الأكثر وضوحاً وشفافية، وهو الخاص بقطع العلاقات مع دولة الإمارات العربية المتحدة لدعمها الواضح لمليشيا الدعم السريع.
أما موقف اليوم، فلم يكن أكثر وضوحاً من القرار الأول. فكيف نفهم رفضهم لمقترح الهدنة الأمريكي وفي ذات الوقت الترحيب بمجهودات واشنطن؟ هنالك لبس وخلط واضح أدّى إلى تضليل الرأي العام بهذا الموقف الضبابي.
هنالك مواقف لا تحتمل القسمة على اثنين، ولا تنفع فيها الردود الدبلوماسية الناعمة. فالوضوح في مثل هذه القضايا من الأهمية بمكان.
واحدة من مشاكل القيادة العليا في البلاد هي التردد في اتخاذ القرار. وهذا لا يعني بأي حال من الأحوال التعجل في اتخاذ القرار، فالبون شاسع بين التردد والتعجل، والمقصود هو اتخاذ القرار بحكمة وتروٍ ودراسة.
التخبط وعدم وضوح الرؤية في التعاطي مع ملف السياسات الخارجية واحدة من المعضلات الرئيسية المقعدة التي كبّلتنا وقيدتنا وحالت دون تقدمنا للأمام.
وزارة الخارجية، المناط بها إدارة الملف الخارجي، لم تُتح لها المساحة الكافية للقيام بدورها على الوجه الأكمل، لأنها تعاني أشد المعاناة من التدخلات العليا، سواء كانت بمبرر أو بدون مبرر. وأكبر دليل على ذلك تعاقب العديد من وزراء الخارجية منذ اندلاع الحرب.
أنا لا أدري من الذي يفكر لهذه الدولة، وهل هنالك مستشارون حقيقيون يتم استشارتهم في كيفية قيادة الدولة؟ أم أن الدولة تُدار برزق اليوم باليوم؟
المزاج والعاطفة لا يقودان دولة إلى بر الأمان، ولا يبنيان مجتمعاً معافى. وعقلية الفرد الواحد في القيادة، وانفراده باتخاذ القرارات المصيرية دون مشورة أهل الحل والعقد، لا تخرجنا من عنق الزجاجة.
مهارة التعاطي مع الأزمة علم قائم بذاته، ويختلف تماماً عن باقي المهارات، ويحتاج إلى روح طويلة ونفس هادئ وعميق وحكمة بالغة. فالقائد يولد قائداً ويُصمم ويُربى على ذلك.
من يفكر تحت أقدامه ويغرق في بحر التفاصيل الدقيقة سيظل قابعا في مكانه، ويتقدم عليه الآخرون، وسيصعب عليه اللحاق بهم. والبون شاسع بين رجل الدولة ورجل المرحلة.
السودان غني وزاخر بالكفاءات في مختلف المجالات، ومسكونون بالإبداع والابتكار، وتتجلى هذه الإبداعات عندما يكونون خارج بلادهم، كنماذج يُحتذى بها ومضرب للأمثال. ولا أدري ماذا يحدث لهم عندما يعودون إلى أوطانهم!


























