اخبار السودان
موقع كل يوم -أثير نيوز
نشر بتاريخ: ١٠ تموز ٢٠٢٥
يقف رئيس الوزراء السوداني الدكتور كامل إدريس، أمام واحدة من أكثر المهام تعقيدًا في مسيرته السياسية، وهي استكمال تشكيل 'حكومة الأمل' التي أعلن عنها في خطاب التأسيس عقب تكليفه و أداء اليمين في 31 مايو الماضي والتي لم تكتمل حتى الآن سوى بتعيين خمسة وزراء فقط من أصل 22، وفق ما نصّت عليه الوثيقة الدستورية المعدّلة لعام 2025.
تكمن المعضلة الأساسية في أن الشعب السوداني، بخبرته الطويلة في مراقبة الأداء السياسي، لم يعد يتعامل مع التشكيل الوزاري كمجرد محاصصة أو توازن بين الكفاءات، بل كمؤشر مباشر على اتجاهات الحكومة القادمة ومواقفها من القضايا المصيرية، وعلى رأسها 'حرب الكرامة'. هذه الحرب التي تجاوزت في وجدان الناس الانتماءات الحزبية والجهوية، وأعادت تعريف الوطنية على أساس الانحياز الصريح للجيش، والدفاع عن سيادة الدولة، وعدم الارتهان للخارج.
لقد أصبح الموقف من هذه الحرب معيارًا جوهريًا يحدّد مدى شرعية أي شخصية عامة أو مسؤول محتمل. فالشعب، الذي خاض هذه المعركة بدمه وماله وشرفه، لا يقبل أن يتولى أمره من ظلّ مترددًا أو صامتًا أو متواطئًا في لحظة التهديد الوجودي. لهذا، فإن الحكومة التي يجري إعدادها الآن لن تُقاس بكفاءتها فقط، بل بمواقف أعضائها وانحيازهم المعلن للوطن، وللشعب، وللمؤسسات الوطنية.
في المقابل تبدو بعض دوائر القرار وكأنها لم تستوعب هذا التحوّل الكبير في وعي الشارع، لذلك لا تزال تراهن على توازنات النخب، أو ما يُعرف بـ'هندسة الغرف المغلقة'. هذه الرهانات، إن استمرت، ستصطدم لا محالة بجدار الرفض الشعبي، كما حدث في تجارب إقليمية سقطت فيها حكومات خلال أسابيع من تشكيلها، لأنها حملت في بنيتها بذور الفشل منذ لحظة الميلاد، ولأنها لم تعبّر عن تطلعات الشعب.
وتزداد مؤشرات القلق عندما تتداول الأوساط السياسية والإعلامية تسريبات عن استبعاد شخصيات وطنية وفاعلة من التشكيل، مثل الوزير السابق خالد الأعيسر، الذي ارتبط اسمه بالمواقف الواضحة في معركة الكرامة الإعلامية. الأعيسر كان صوتًا وطنيًا نادرًا، واجه حملات التضليل بكفاءة وجرأة، وأسهم في إعادة بناء خطاب الدولة في واحدة من أكثر المراحل تعقيدًا وتحدّيًا. تجاهله يبدو أقرب إلى استجابة لضغوط مراكز نفوذ لا ترتاح للحديث الصريح أو الحضور المستنير المستقل.
وإذا ما أُسندت حقيبته – كما يُشاع – إلى شخصية ملتبسة، أو محسوبة على مؤسسات إعلامية معروفة بعدائها الصريح للقضية الوطنية، فإن ذلك سيطرح أسئلة جدية حول استقلالية القرار السياسي الوطني، وجدية الحكومة في الانحياز لمصالح السودان، لا لمصالح الأطراف الخارجية أو مراكز القوى الخفية.
ولعل ما يعيد التوازن إلى بوصلة القرار الوطني ويساعد في ترسيخ الموقف هو الانفتاح الحقيقي على الميدان. على رئيس الوزراء أن يغادر أسوار النخب، ويزور أحد المتحركات القتالية، حيث يرابط الجنود في ظروف قاسية دفاعًا عن تراب هذا الوطن. هناك فقط، يمكن فهم معنى الانحياز الحقيقي للشعب، وتقدير التضحيات، ورؤية الصورة كاملة: من عمق الأرض التي تُدافع عن بقاء الدولة وصمودها.
رئيس الوزراء، الدكتور كامل إدريس، أمام اختبار حقيقي، ليس في قدرته على اختيار الوزراء فحسب، بل في مدى استعداده لمواجهة مراكز النفوذ التي تحاول فرض أجندتها على حكومة قيل إنها تمثّل الأمل للسودانيين.
وبحسب ما نراه من #وجه_الحقيقة، فإن الشعب السوداني يطالب اليوم بحكومة تعبّر بصدق عن تطلعاته، لا تُصاغ في أروقة معزولة لا تمثّله. فالشرعية السياسية لم تعد تُقاس بالشعارات أو المواقف الرمادية، بل بالقدرة على تجسيد الإرادة الشعبية التي تشكّلت تحت وطأة الحرب والتضحيات. وإذا لم تكن الحكومة القادمة انعكاسًا لهذا الوعي المجتمعي المتقدّم والمنتبه ، فإنها لن تملك سوى شرعية شكلية، سرعان ما تتآكل أمام جمهور أصبح أكثر قدرة على فرز المواقف وإعادة تشكيل المعادلة الوطنية الجديدة .
دمتم بخير وعافية.
الخميس 10 يوليو 2025م Shglawi55@gmail.com