"يوليو ساخن دبلوماسياً".. قادة وزعماء يتسابقون إلى الخليج ترسيخاً لمكانته

يوسف حمود - الخليج أونلاين

ما أبرز الزيارات لدول الخليج في يوليو؟

زيارة الرئيسين التركي والجزائري، ورئيسي وزراء اليابان والهند، وعقد قمة خليجية مع دول وسط آسيا.

ما أبرز ما تمخض عن الزيارات؟

اتفاقات سياسية وعسكرية واقتصادية مختلفة.

كيف أصبحت منطقة الخليج محور الاهتمام الدولي؟

بفضل الطاقة وتغيير خياراتها السياسية والعلاقات التي كانت تدور سابقاً مع واشنطن.

تحظى منطقة الخليج بأهمية استراتيجية في السياسة الدولية؛ نظراً لاحتوائها على إمكانات ضخمة من مصادر الطاقة، فضلاً عن أهميتها الجيوستراتيجية والاقتصادية الحيوية للعام.

ولعل هذه الأهمية لمنطقة الخليج جعلها من المناطق التي تضمن الأمن، ومن القوى بالمنطقة التي تحظى بأولوية على أجندة السياسة الخارجية لمعظم دول العالم، وسط إدراك دولي بأن أمن منطقة الخليج ضروري لتحقيق أمن الاقتصاد العالمي.

كما تعمل الدبلوماسية الخليجية باتزانٍ كبير ذات رؤية استراتيجية بعيدة المدى، في ظل مجموعة من المصالح التي ترتبط بموقع منطقة الخليج على الخريطة العالمية، ودورها في تشكيل عالم جديد متعدد الأقطاب.

يوليو ساخن

يبدو أن سخونة الأجواء الصيفية في دول الخليج خلال شهر يوليو الجاري، انعكست دبلوماسياً، إذ تحولت منطقة الخليج إلى أشبه بخلية نحلٍ سياسية واقتصادية وعسكرية، وأصبحت مزاراً لكبار قادات دول بمختلف أنحاء العالم.

ولعل تلك التحركات والزيارات والتطورات دفعت قادة الخليج إلى عقد الجلسة التشاورية الـ18 لمناقشة أبرز القضايا الراهنة يوم 19 يوليو.

كما تعد زيارة الرئيس التركي طيب رجب أردوغان من أبرز الزيارات اللافتة لمنطقة الخليج، وسط اهتمام بتشكيل تقاربات وتحالفات متسارعة بين القوى التي تملك قوة سياسية واقتصادية وعسكرية.

وزار الرئيس التركي خلال جولته الخليجية (17 - 19 يوليو)، كلاً من السعودية وقطر والإمارات، وأجرى مباحثات مختلفة، ووقع عشرات الاتفاقيات، كان الأبرز منها في الجانب العسكري مع السعودية التي كانت تعتمد اعتماداً رئيسياً على الدول الغربية.

وقبل هذه الزيارة كان نائب أردوغان، جودت يلماز، قد زار الدوحة والإمارات (9 يوليو)، بهدف تمهيد الطريق أمام زيارة الرئيس التركي وإجراء مباحثات ثنائية.

ولا يتوقف اهتمام الدول الخليجية على توسيع علاقاتها مع المحيط الإقليمي، بل يتوسع إلى ما هو أبعد من ذلك، وكان ذلك لافتاً من القمة الأولى بين دول مجلس التعاون الخليجي ودول وسط آسيا الخمس (أوزبكستان، وتركمانستان، وطاجيكستان، وقرغيزستان، وكازاخستان)، لبحث تعزيز التعاون والتنسيق في مختلف المجالات.

وتأتي القمة (19 يوليو) في ظل تزايد الاهتمام والتنافس الإقليميين والدوليين بدول آسيا الوسطى الخمس؛ نظراً لموقعها وأهميتها الجيوستراتيجية، والثروات الطبيعية التي تمتلكها هذه الدول، بما يؤهلها لقفزات تنموية كبيرة.

وفي موسكو، عقدت الجولة السادسة من الحوار الاستراتيجي بين روسيا ودول مجلس التعاون الخليجي على مستوى وزراء الخارجية (10 يوليو)، التي بحثت سبل دعم وتعزيز التعاون المشترك.

وضمن تحركات المشهد في الخليج خلال شهر يوليو، زار الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، دولة قطر، بدعوة من أميرها الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، (15 و16 يوليو)، وبحث خلالها سبل تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، والقضايا ذات الاهتمام المشترك.

وكانت الإمارات على موعدٍ مع زيارة لرئيس وزراء الهند ناريندرا مودي (15 يوليو)، ودرات حول تعزيز الشراكة الاستراتيجية.

وخلال (16 إلى 18 يوليو)، أجرى رئيس الوزراء الياباني، فوميو كيشيدا، جولة خليجية بدأها بالسعودية ثم الإمارات، واختتمها بدولة قطر، وبحث خلالها فرص الارتقاء بالتعاون الثنائي وأمن الطاقة وإمداداتها، ورفعت العلاقات إلى مرحلة 'الشراكة الاستراتيجية' إضافة إلى توقيع عشرات الاتفاقيات مع الدول الثلاث.

وشهدت دول الخليج جولة مماثلة، لكن هذه المرة بدأت من الكويت، حيث زار  وزير الخارجية التونسي نبيل عمار، دولة الكويت (16 يوليو)، أعقبها بزيارة للإمارات والسعودية لإجراء مباحثات مختلفة.

كما زار نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، الدوحة، والتقى بأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، ونقل له رسالة من الملك عبد الله الثاني تتعلق بعدد من الملفات المختلفة.

وكانت الدوحة أيضاً على موعدٍ مع زيارة وزير الدفاع الفرنسي سيباستيان لوكورنو، الذي التقى أمير قطر ووزير الدفاع، وبحث خلال زيارته العلاقات في الجانب العسكري بين البلدين.

كما زار عُمان مبعوث الرئيس الموريتاني، محمد سالم ولد مرزوك، حاملاً رسالة من الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني، لسلطان عُمان هيثم بن طارق.

جدول مزدحم

ويرى مستشار رئيس دولة الإمارات، أنور قرقاش، أن ما وصفه بـ'الجدول المزدحم بالزيارات رفيعة المستوى إلى الإمارات' مؤشر واضح على رسوخ مكانة بلاده كشريك استراتيجي يُعتمد عليه.

وأضاف: 'ذلك انعكاس للثقة العالمية بحكمة ورؤية قيادتنا ودورها المحوري في تحقيق الاستقرار والازدهار، عبر بناء الجسور والشراكات لمواجهة التحديات وتعظيم فرص العمل المشترك'.

يؤكد الأكاديمي والباحث السياسي الكويتي، الدكتور عايد المناع، أن هذه الزيارات لقادة دول العالم 'تعطي صورة واضحة للأهمية التي أصبحت دول مجلس التعاون الخليجي تحتلها'.

وأضاف: 'ذلك نتيجة أياديها البيضاء بتقديمها يد العون والإسناد للدول المحتاجة، وأيضاً لعقلانيتها وعدم تدخلها في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وتوازنها في علاقتها الدولية ما بين الشرق والغرب، وحرصها على التنمية والتطوير والتقدم'.

كما يؤكد لـ'الخليج أونلاين'، أن 'السعودية والإمارات إلى حدٍّ بعيد دول تسابق الزمن وتتطور بسرعة وتعمل من أجل الاستقرار والأمن والسلم، وتقوم بدور الوسيط للكثير من الخلافات الدولية لحلها وتجنيب العالم مشاكل وصراع'.

وتابع: 'نجد دوراً كبيراً لهذه الدول في حل الأزمات في الدول العربية، وحتى في أوكرانيا للسعودية دور في الوساطة، ولها دور أيضاً في السعي لحل الأزمة السودانية'، مؤكداً أن 'دول الخليج محبة للسلام'.

جذب الأنظار

بدوره يرى الكاتب والمستشار الإعلامي المختص في شؤون الخليج، حسام شاكر ، أن المنطقة الخليجية 'تجذب الأنظار بشكل متزايد منذ بداية الحرب الأوكرانية بوضوح'، مرجعاً ذلك إلى 'عدة عوامل، في مقدمتها التغييرات في توازنات القوى العالمية وتنافس الأقطاب الدولية، وسعي كل منها إلى تثبيت وتعزيز أواصرها في عالم يتسارع في تغيراته المتلاحقة'.

ويؤكد لـ'الخليج أونلاين'، أن 'منطقة الخليج مهمة وبشكل متزايد للدول الصناعية في مجال الطاقة والغاز والنفط، والذي يمنح الخليج أهمية متزايدة منذ حرب أوكرانيا، خاصة في أوروبا التي واجهت معضلة افتقارها لأمن الطاقة، وتطلعت إلى تحقيق إمدادات مضمونة ومستقرة ومستدامة من الوقود الأحفوري بأنواعه المتعددة، بعد إغلاق صنابير الغاز الروسي والاستغناء عنه'.

ويضيف شاكر: 'ملء الفراغ الحاصل بعد الحرب، وتزويد حاجات أوروبا من الطاقة، ووعي دول الخليج أن ثمة تغيرات طرأت في العالم في توازنات القوى، ونشوء محاور ربما تكون جديدة نسبياً، ولذلك دول الخليج تحاول أن تعبر عن نزعة استقلالية نسبياً في إدارة علاقتها الخارجية بعد أن اعتادت على المظلة الأمريكية تحديداً'.

ويلفت إلى أن السعودية، 'على سبيل المثال، حينما لاحظت أن أمريكا الظهير الأمني والاستراتيجي لها وللخليج، لم تتحرك خلال القصف والاعتداءات المتكررة من جانب مليشيا الحوثي اليمنية، وأيضاً من إيران، تحركت لتنويع تحالفاتها السياسية الدولية'، مشيراً إلى أن ذلك 'حفز لتنويع العلاقات الخارجية لدول الخليج عامة'.

وأكد أن ذلك 'تبعته تغيرات إقليمية، منها خطوط التواصل من جديد بين طهران والرياض، بناءً على معطيات متغيرة، والتعامل غير المسبوق مع الصين والتي أصبحت تمثل شريكاً لدول الخليج عموماً والسعودية خصوصاً'، لافتاً إلى أن هذا المتغير 'له خلفيات اقتصادية واستثمارية وأيضاً اعتماد الصين على الطاقة يساهم في ذلك'.

أما مع روسيا، فيؤكد أن العلاقات معها 'له دلالات في هذا السياق، على الأقل سعي الخليج إلى إقامة علاقات متنوعة مع أقطاب مختلفة'.

وعلى الرغم من إعادة تشكيل المشهد الخارجي وتزايد الأهمية الاستراتيجية لدول الخليج، إلا أن شاكر يؤكد أن 'القوى الدولية تتعامل مع كل منها أنها وحدات قائمة وحدها، وليست كياناً متشابكاً استراتيجياً، وهي تدرك أن لكل عاصمة خليجية حساباتها ومستقلة في قرارها وإدارة مصالحها، ولم تشكل بعد حالة استراتيجية موحدة يمكن أن تصبح مركزاً إقليمياً، رغم وجود بعض التوافقات الخاصة مثل ما يتعلق بإنتاج النفط في (أوبك)'.