اخبار قطر
موقع كل يوم -سكاي نيوز عربية
نشر بتاريخ: ٢٦ حزيران ٢٠٢٥
بعد 12 يوما من القتال المكثف بين إيران وإسرائيل، طوت المنطقة صفحة دامية لتدخل في مرحلة ضبابية من الترقب الحذر.
في الوقت الذي تراقب فيه العواصم الخليجية بعناية المسار المتعثر للمفاوضات الأميركية الإيرانية، تُطرح أسئلة مصيرية، أبرزها، هل تتجه العلاقات الخليجية الإيرانية نحو تقارب حقيقي ومستدام؟ أم أن ما نشهده هو مجرد هدنة ظرفية ستتهاوى عند أول تصعيد؟ وما موقع دول الخليج بين مطرقة التهديدات الإيرانية وسندان الاستراتيجية الأميركية والإسرائيلية؟.
علاقات الخليج وإيران
في عام 2023، اعتُبر الاتفاق السعودي الإيراني برعاية صينية نقطة تحوّل واعدة في العلاقات بين الطرفين، أعاد إحياء مبدأ حسن الجوار، وفتح قنوات حوار هادئ بين خصمين إقليميين. لكن الحرب الأخيرة نسفت مناخ التهدئة، وأعادت إلى الواجهة الانقسامات البنيوية في مقاربة كل طرف للأمن الإقليمي.
أوضح الخبير في الشؤون السياسية مهند العزاوي خلال حديثه إلى غرفة الأخبار على سكاي نيوز عربية أن 'العلاقات الخليجية الإيرانية مرت بمراحل متعددة من العداء إلى التهدئة، لكنها ظلت رهينة النفوذ الإيراني المسلح'.
وأكد أن موقف الخليج خلال الحرب الأخيرة كان متوازنا، إذ رفضت دوله العدوان الإسرائيلي على إيران، وفي الوقت ذاته أدانت صراحة القصف الإيراني لقاعدة العديد في قطر، مما يشي برغبة خليجية في فرض معايير واضحة للاستقرار، ترتكز على احترام السيادة والتخلي عن منطق الميليشيات.
وتعد حادثة استهداف القاعدة الأميركية في قطر نقطة انعطاف حساسة، إذ فتحت باب التساؤلات حول حدود الحياد الخليجي، وصدقية إيران في نفي مسؤوليتها. الدكتور علي العنزي، رئيس قسم الإعلام في جامعة الملك سعود، أكد أن 'الاعتداء الإيراني على الأراضي القطرية قوبل بإدانة خليجية واضحة، وتم التعبير عنها بموقف مشترك من وزراء مجلس التعاون'.
وأضاف أن 'المملكة عرضت دعمها الكامل لقطر، في رسالة مفادها أن أمن الخليج لا يُساوم'.
ورغم هذا التصعيد، لم تنزلق دول الخليج إلى الرد العسكري، بل اتسم موقفها بـ'الحياد الفاعل' وفق توصيف العزاوي، أي رفض الانخراط في الصراع بشكل مباشر، مع الاحتفاظ بحق الرد الدبلوماسي والسياسي.
إيران تبرر لا تعتذر
من الجانب الإيراني، تبنى الكاتب والباحث السياسي محمد غروي لهجة دفاعية مشوبة بالتبرير، قائلا إن 'استهداف القاعدة لم يكن موجها ضد قطر، بل جاء كرد مشروع على هجوم أميركي إسرائيلي انطلق من أراضٍ في المنطقة'.
ودعا دول الخليج إلى 'تفهم' الموقف الإيراني، معتبرا أن العلاقات الخليجية الإيرانية 'لا تستأهل كل هذا الاستنكار'. لكن هذا المنطق لم يقنع كثيرا من المراقبين، خاصة أن طهران لم ترفق رسائلها بأي اعتذار رسمي أو توضيح دبلوماسي رفيع المستوى، ما زاد من الشكوك حول نواياها، وعمق انعدام الثقة في نواياها النووية والعسكرية.
التفاوض الأميركي الإيراني.. بين غبار الحرب وسقف التخصيب
في أعقاب الحرب، برزت مؤشرات على احتمال استئناف المفاوضات بين واشنطن وطهران، لكن دونالد ترامب الذي وصف الهجوم على المنشآت الإيرانية بـ'الضربة الوقائية'، اشترط وفقًا لتصريحات الضيوف “وقفًا تامًا لتخصيب اليورانيوم”، وهو ما تعتبره طهران خطا أحمر.
مهند العزاوي أشار إلى أن 'الضربة الأميركية لم تؤثر جوهريا على البنية التحتية للبرنامج النووي'، متسائلا عن 'مصير المخزون الإيراني'، ومحذرا من أن 'البرنامج بات أكثر سرية وغموضا'.
في المقابل، رأى محمد غروي أن 'الأسس التفاوضية نسفت تماما'، بسبب ما اعتبره 'خيانة من الوكالة الدولية للطاقة الذرية، التي سربت معلومات سرية إلى إسرائيل'، ما يبرر، حسب رأيه، قرار إيران بعدم الكشف مستقبلا عن مواقعها أو درجات التخصيب.
استراتيجية إيران النووية تزيد الغموض
الباحث المتخصص في سياسات الشرق الأوسط حسن الحسن قدم تشخيصا دقيقا لحالة 'الضبابية النووية' الإيرانية، معتبرا أنها 'تشكل عنصر عدم استقرار طويل الأمد في المنطقة'.
وأكد أن 'إيران تمتلك القدرة على إعادة بناء برنامجها النووي بسرية، مستندة إلى مخزون غير معلن من اليورانيوم عالي التخصيب ومنشآت غير خاضعة للرقابة'.
وأضاف أن هذه الضبابية 'قد تتسبب في صراعات مستقبلية، خاصة إذا واصلت إسرائيل اعتماد استراتيجية الضربات الاستباقية، وشاركت واشنطن في هذا الخيار كما حصل أخيرا'.
قطر وإيران.. من الصداقة إلى اختبار الثقة
تتمتع إيران وقطر بعلاقات وُصفت بـ'الأخوية' في أكثر من تصريح إيراني، غير أن الاستهداف الإيراني لقاعدة العديد فتح بابا من الشكوك حول صدق هذه العلاقة.
غروي أكد أن 'العلاقات مع قطر إيجابية، ولم تكن إيران تهدف لاستهدافها'، لكنه برر العملية بأنها 'جاءت نتيجة لاستخدام القواعد في قطر للهجوم على إيران'.
هذا التبرير لم يمنع مراقبين من اعتبار ما حصل 'ضربة غير مباشرة للثقة الخليجية بإيران'، حتى وإن أُخليت القاعدة قبل الضربة بساعات، كما أعلنت الدوحة. والنتيجة، بحسب مهند العزاوي، أن 'إيران تعلمت أن الجار العربي أقرب وأصدق من أي محور آخر'.
أفق العلاقات الخليجية الإيرانية.. مراجعة أم مواجهة مؤجلة؟
تشير المواقف الخليجية الرسمية إلى رغبة حقيقية في تجنب المواجهة، وتفضيل الحلول الدبلوماسية، لكن مع وضع 'خطوط حمراء' واضحة: عدم استخدام أراضيها أو أجوائها في أي صراع، وعدم استهدافها مباشرة أو عبر وكلاء.
العزاوي شدد على أن 'الخليج ليس ضعيفا، بل يمتلك إمكانيات عسكرية متطورة، لكنه يفضل الحكمة على القوة'. أما علي العنزي فاعتبر أن 'الرسالة لإيران واضحة: إما مراجعة السياسة الخارجية، أو مواجهة عزلة إقليمية جديدة'.
وفي المقابل، يبدو أن طهران غير مستعدة لتقديم تنازلات استراتيجية كبرى، ما لم تحصل على ضمانات أميركية، وهو ما يجعل أي اتفاق قريبا أمرًا غير محسوم.
الخليج وإيران.. سلام محتمل في ظل الشكوك النووية
في النهاية، ما بعد الحرب ليس بالضرورة سلامًا، بل فترة اختبارية دقيقة تُبنى خلالها الثقة بصعوبة، وقد تنهار بسهولة. إيران اليوم مطالَبة بمراجعة عميقة لسياساتها، ليس فقط تجاه الملف النووي، بل أيضًا نحو جيرانها الخليجيين الذين رغم الخلافات، وقفوا في أصعب اللحظات ضد الحرب.
لكن هذه الوقفة لا يمكن أن تكون شيكًا على بياض. المطلوب من طهران أن تخرج من دوامة العقائد الثورية إلى عقلانية الجوار، وأن تقرأ رسائل الخليج لا على أنها 'ضعف' بل فرصة نادرة لإعادة صياغة علاقة قائمة على التفاهم لا التهديد.
فإما أن يُكتب للتقارب هذه المرة فصلاً جديدًا، أو يبقى التبريد المؤقت معلقًا فوق نار قد تشتعل في أي لحظة.
الخليج
دول الخليج
إيران
التهدئة
النار