اخبار قطر
موقع كل يوم -الخليج أونلاين
نشر بتاريخ: ١٢ كانون الأول ٢٠٢٥
طه العاني - الخليج أونلاين
ما دلالة الزخم البرلماني الأخير بين قطر والجزائر؟
يعكس انتقال العلاقات إلى تنسيق مؤسسي أعمق يطال الملفات الإقليمية والتشريعية.
ما أهمية المشاريع الاقتصادية المشتركة حالياً؟
تمنح الشراكة بعداً عملياً عبر استثمارات استراتيجية تدعم الأمن الغذائي وتوسع آفاق التعاون.
تتجه العلاقات القطرية الجزائرية نحو مزيد من ترسيخ الشراكة المؤسسية، مدفوعة بتحركات برلمانية تعكس رغبة مشتركة في رفع مستوى التنسيق بين الجانبين.
ويأتي هذا التوجّه في سياق حراك خليجي ـ مغاربي متنامٍ لتعزيز الدبلوماسية البرلمانية وتفعيل قنوات التشاور حول الملفات الإقليمية.
تعاون برلماني
وشهدت الدوحة محطة جديدة من العمل البرلماني المشترك، أكدت من خلالها الدوحة والجزائر أن التنسيق التشريعي بات رافعة مهمة في مسار العلاقات الثنائية.
وأشارت صحيفة الوطن القطرية إلى أن جلسة مباحثات رسمية بين مجلس الشورى القطري والمجلس الشعبي الوطني الجزائري عُقِدَت في 7 ديسمبر 2025، حيث تناولت سبل تطوير التعاون البرلماني وتوسيع آليات العمل المشترك، وفق ما نقلته البيانات الرسمية للطرفين.
وترأس الجانب القطري رئيس مجلس الشورى حسن بن عبد الله الغانم، بينما ترأس الجانب الجزائري رئيس المجلس الشعبي الوطني إبراهيم بوغالي، الذي يزور قطر، في مؤشر مباشر على زخم التواصل التشريعي بين البلدين.
وخلال افتتاح الجلسة أكد الغانم أن زيارة الوفد الجزائري تعكس عمق الروابط بين الدوحة والجزائر، وما تشهده العلاقات الثنائية من تطوّر على المستويات السياسية والاقتصادية.
وفي المقابل أشار بوغالي إلى متانة الروابط بين الشعبين، مشيداً بالتجربة التنموية القطرية وما حققته الدولة من تقدم في مجالات السياسة والاقتصاد والرياضة، معتبراً أن التجربة القطرية تمثل نموذجاً يمكن الاستفادة منه إقليمياً.
وتطرقت المناقشات إلى تنسيق المواقف في المحافل البرلمانية الإقليمية والدولية، وتبادل الخبرات الفنية، بما في ذلك تكثيف الزيارات المتبادلة لتعزيز الفهم المؤسسي وتوحيد المقاربات تجاه الملفات المشتركة.
وفي ختام الجلسة وقّع الجانبان مذكرة تفاهم تهدف إلى تعزيز التعاون البرلماني وتطوير مسارات تبادل الخبرات، وهي خطوة وصفتها المصادر البرلمانية بأنها تفتح المجال لعمل تشريعي أكثر تنظيماً بين المجلسين.
واختُتمت الزيارة بجولة ميدانية قام بها بوغالي داخل مبنى مجلس الشورى، شملت قاعة 'تميم بن حمد'، حيث اطّلع على الأنظمة التقنية وآليات إدارة الجلسات، في تأكيد للبعد العملي للتعاون البرلماني بين البلدين.
ذاكرة مشتركة
وشكّلت الزيارة البرلمانية الأخيرة فرصة لاستعادة محطات تاريخية رسخت عمق الروابط بين قطر والجزائر، كما وثّقته التصريحات الرسمية وكتابات الشخصيات الرفيعة في الدوحة.
وكان وزير الدولة القطري حمد بن عبد العزيز الكواري استقبل إبراهيم بوغالي والوفد المرافق له في إطار الزيارة الرسمية إلى الدوحة، وفق ما نشره الكواري في 9 ديسمبر 2025 عبر حسابه الرسمي.
وجاء منشوره تحت عنوان 'قطر والجزائر.. ذاكرة لا تُنسى'، مؤكداً أن اللقاء تجاوز الطابع البروتوكولي نحو إبراز 'دفء الأخوة وحكاية طويلة من الوفاء العربي المشترك'، في إشارة تعكس البعد الثقافي والوجداني للعلاقات بين البلدين.
وفي سياق استحضار الجذور التاريخية أشار الكواري إلى أن أي لقاء مع مسؤول جزائري يعيد إلى الذاكرة 'صوت الثورة الجزائرية الخالدة'، الملحمة التي تابعها جيله عن قرب، والتي تفاعل معها المجتمع القطري خلال مراحلها المختلفة.
ولفت إلى مواقف الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني في شبابه، ودعمه الصادق لثورة التحرير الجزائرية، معتبراً أن تلك المواقف رسخت التزام الدوحة بالقضايا العربية التحررية.
كما استعاد الكواري محطات من تجربته الدبلوماسية سفيراً لقطر في باريس بين1979 و1984، حيث أتيح له التواصل مع رموز الجزائر آنذاك، مشيراً إلى أن تلك العلاقات 'من أجمل ما حفظته الذاكرة الدبلوماسية والإنسانية'، وأنها أسست لمرحلة متقدمة من التقارب بين البلدين.
من جانبه، عبّر بوغالي عن تقديره العميق لقطر واعتزازه بمستوى العلاقات الثنائية، فيما شدد الكواري على أن الروابط القطرية الجزائرية لا تُبنى على المصالح السياسية فحسب، بل على تاريخ مشترك ومواقف صادقة بين الشعبين.
مؤكداً أن اللقاء حمل رسالة واضحة في الأخوة والوفاء، وأن العلاقات بين البلدين تستند إلى أسس إنسانية راسخة.
تفاهمات أعمق
ويقول مدير المركز الأفريقي للأبحاث ودراسة السياسات محمد صالح عمر، إن تطوير العلاقات السياسية والاقتصادية بين الجزائر وقطر يبدأ بتعزيز الثقة وفتح قنوات تواصل فاعلة، بما يتيح تنسيقاً أوسع في القضايا المشتركة.
ويضيف لـ'الخليج أونلاين' أن تقارب البلدين يمنح فرصة لدعم مواقف بعضهما في الملفات الإقليمية الحساسة، مثل قضايا المغرب العربي، إضافة إلى الدور القطري الفاعل في الملفات الأفريقية والعربية، ما يجعل التعاون السياسي رافعة لتعميق الشراكة.
ويوضح عمر أن الجانب الاقتصادي يشكّل مساحة مهمة للتكامل، عبر تبادل الخبرات في التشريعات الاستثمارية وتسهيل بيئة الأعمال، والاستفادة من إمكانات البلدين في الطاقة، بما يعزّز التعاون في مجالات جديدة مثل السياحة والاستثمارات غير النفطية.
ويلفت إلى أن التعاون البرلماني يفتح آفاقاً واسعة، إذ يسمح بتبادل التجارب في التشريع والرقابة والحوكمة، ويسهم في تطوير آليات مكافحة الفساد ورفع فعالية الأداء التنفيذي، وهي مجالات تمتلك فيها كل دولة خبرات يمكن أن تفيد الأخرى.
ويؤكد أن التنسيق داخل البرلمانات الإقليمية والدولية، مثل الاتحاد البرلماني الدولي والاتحاد العربي، يمنح البلدين قدرة أكبر على توحيد المواقف وتشكيل لجان مشتركة تعالج القضايا ذات الاهتمام المتبادل.
ويرى عمر أن تبادل الخبرات في صياغة القوانين وتطوير الأطر التشريعية يمكّن البلدين من بناء مقاربات أكثر انسجاماً، ويعزز نجاح مشاريع التعاون طويلة الأمد، خصوصاً في الملفات الاقتصادية والتنموية.
ويعتقد مدير المركز الأفريقي للأبحاث أن التقارب البرلماني يمهّد لتفاهمات أعمق على المستوى الإقليمي، ويتيح للبلدين الاستفادة من خبراتهما المتنوعة بحكم تموضع كل منهما في فضاء جغرافي وسياسي مختلف، بما يثري قدرتهما على التعامل مع الملفات المشتركة.
ويردف عمر، أن بناء فهم مشترك عبر لجان ثنائية وتنظيم التعاون المؤسسي يوفّر قاعدة صلبة لشراكة مستدامة، ويمنح البلدين قدرة أكبر على التحرك في القضايا الإقليمية والدولية بفاعلية وثقة.
شراكة متقدمة
ويحرص البلدان على استثمار المناسبات لإبراز رسائل سياسية واقتصادية وثقافية تؤكد أن العلاقات بين قطر والجزائر تتحول تدريجياً إلى مسار تعاون استراتيجي متعدد المسارات.
وأقامت السفارة الجزائرية بالدوحة، في 12 نوفمبر 2025، احتفالاً بالذكرى الـ71 لثورة أول نوفمبر، بمشاركة وزراء ومسؤولين وسفراء معتمدين لدى الدولة، وفق ما نشرته صحيفة الراية القطرية.
وخلال الحفل أكد السفير الجزائري لدى الدوحة صالح عطية، أن الروابط بين قطر والجزائر تاريخية وراسخة وتشهد تطوراً مستمراً على مختلف المستويات، وهو ما تعكسه الزيارات المتبادلة بين الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني.
ولفت إلى أن الطرفين يواصلان دفع الشراكة نحو مستويات تعاون أوسع، بالتزامن مع التحضير لانعقاد الدورة السادسة للجنة العليا القطرية الجزائرية خلال الأشهر المقبلة.
كما تطرق إلى أعمال دورة آلية التشاور السياسي التي عقدت في الجزائر، بداية شهر أكتوبر الماضي، التي شكلت منصة لتقييم الزخم الذي تشهده العلاقات الثنائية، خصوصاً مع تعدد الزيارات الرسمية خلال السنوات الأخيرة.
وعلى الصعيد الاقتصادي استعرض السفير تقدم المشروع الاستراتيجي القطري الجزائري لإنتاج الحليب المجفف واللحوم الحمراء والأعلاف، والذي تبلغ قيمته الاستثمارية 3.5 مليار دولار.
وأوضح أنه جرى، خلال يوليو الماضي، التوقيع على عقود المرحلة الأولى بقيمة 500 مليون دولار مع شركات كبرى متخصصة في التكنولوجيا الزراعية، مؤكداً أن المشروع سيعزز الأمن الغذائي ويقلل الاعتماد على الواردات خلال السنوات المقبلة.
وأشار أيضاً إلى تطلع الجانبين لتوسيع مجالات التعاون ليشمل النقل البحري والجوي والسياحة والفندقة، في موازاة استكمال التحضيرات لافتتاح المركز الثقافي الجزائري في الدوحة، الذي سيتيح للجمهور القطري والجاليات المقيمة التعرف على التراث الثقافي الجزائري.























