قطر في قلب معادلة الردع الأمريكي: قرار تنفيذي يغيّر موازين الأمن الإقليمي

عمر محمود - الدوحة – الخليج أونلاين

الخارجية القطرية:

ضمن التداعيات الدولية والإقليمية للاعتداء الإسرائيلي الغادر على الدوحة، أعلن البيت الأبيض (1 أكتوبر 2025) أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وقع أمراً تنفيذياً يعتبر أي هجوم على دولة قطر أو سيادتها تهديداً مباشراً لأمن الولايات المتحدة.

وجاء الإعلان بعد أيام من اعتذار رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، عن هذا الاعتداء خلال زيارته للبيت الأبيض (29 سبتمبر 2025)، في إشارة واضحة إلى تبنّي الولايات المتحدة نهجاً صريحاً في الحفاظ على سيادة دولة قطر، بصفتها حليفاً وشريكاً موثوقاً في العديد من النزاعات.

وجرى توقيع الأمر في ظل المخاوف التي أثارها الهجوم على الدوحة، باعتبارها دولة وسيطة في النزاعات الإقليمية والدولية، وما قد يترتب على ذلك من انعكاسات على دورها في جهود الوساطة، إلى جانب القلق الذي قد يساور دولاً أخرى تضطلع بأدوار مشابهة.

كما يُظهر القرار التزاماً أمريكياً أعمق تجاه أمن قطر، ويعزز الأهمية الاستراتيجية للعلاقات الثنائية بين البلدين، كما يمنح الدوحة أهمية إضافية على المستويين الإقليمي والدولي كحليف يحظى بضمان أمني وعسكري مباشر من واشنطن.

مضامين القرار

وبحسب الأمر التنفيذي ستتخذ الولايات المتحدة 'التدابير المناسبة' للدفاع عن مصالحها ومصالح قطر، من ضمنها إجراءات دبلوماسية واقتصادية، و'إذا لزم الأمر عسكرية'.

كما تضمن أيضاً:

ردة الفعل القطرية

الدكتور ماجد بن محمد الأنصاري، مستشار رئيس مجلس الوزراء والمتحدث الرسمي لوزارة الخارجية، أكد خلال الإحاطة الأسبوعية، يوم الثلاثاء 30 سبتمبر 2025، أن أولوية بلاده هي ضمان سيادتها وسلامة أراضيها، وأمان المواطنين والمقيمين، وضمان عدم تكرار مثل هذه الأحداث مرة أخرى.

وأضاف: 'بالنسبة للالتزامات التي تعهد بها الرئيس الأمريكي ورئيس الوزراء الإسرائيلي، فقد كانت تعهدات واضحة، وبضمانة الرئيس الأمريكي، بعدم تعرض دولة قطر لهجوم مرة أخرى، ونحن راضون عن هذه الضمانات الأمنية وضمان عدم تكرار هذه الهجمات'.

كما لاقى قرار الرئيس الأمريكي ترحيباً قطرياً، حيث اعتبرتهوزارة الخارجية 'تجسيداً للعلاقة المتينة والتاريخية بين البلدين، القائمة على التعاون والشراكة في مجالات الوساطة وفض النزاعات وقضايا الأمن والسلم العالميين، وخطوة هامة في طريق تعزيز العلاقات الدفاعية الوثيقة بين البلدين'.

وأعربت الوزارة عن تقدير دولة قطر الكامل للدور الأمريكي الهام في توطيد السلم الإقليمي، مجددة التأكيد على أن هذه الخطوة ستسهم في تعزيز التعاون الثنائي في المجالات الأمنية والدبلوماسية.

كما أكدت استمرار دولة قطر في العمل مع الولايات المتحدة وشركائها الدوليين، كوسيط دولي موثوق من أجل مواجهة التحديات المشتركة وتعزيز فض النزاعات بالسبل السلمية وتحقيق السلام المستدام في المنطقة.

سقف الالتزام السياسي

الدكتور أحمد محمد غيث الكواري، خبير العلاقات السياسية والدولية، يرى أن قرار ترامب يمثل 'ترقية نوعية في سقف الالتزام السياسي والأمني الأمريكي تجاه الدوحة'.

ويضيف، في حديثه لـ 'الخليج أونلاين':

القرار رغم أنه ليس معاهدة دفاع مشترك ملزمة بمصادقة مجلس الشيوخ، يضع توجيهاً رئاسياً واضحاً لأجهزة الدولة الأمريكية لاستخدام أدوات دبلوماسية واقتصادية، وإذا لزم الأمر، عسكرية، لردع أي اعتداء على قطر.

- هذا التوجه يعكس واقعاً قائماً منذ مدة، حيث تعتبر قطر حليفاً رئيسياً من خارج الناتو منذ 2022، كما تستضيف قاعدة العديد، التي تعد أكبر تموضع عسكري أمريكي في الشرق الأوسط وموضع قيادة جوية محورية، ما يجعل أمن قطر جزءاً من هندسة الردع الأمريكية في المنطقة.

- صدور القرار عقب الضربة الإسرائيلية على الدوحة، يظهر أيضاً أن واشنطن تريد تثبيت خطوط حمراء لحماية قطر بصفتها شريكاً استراتيجياً ووسيطاً دبلوماسياً نزيهاً.

- القرار يعيد ضبط معادلات المخاطرة إقليمياً، وأي طرف يفكر بالتصعيد ضد قطر، سواء كان دولة أو فاعلاً عابراً للحدود، سيدرج الآن احتمالات انخراط أمريكي مباشر ضمن حسابات التكلفة والعائد.

- الإعلان الذي جاء على وقع تصعيد حول غزة وسجالات واسعة بشأن حدود أدوار الحلفاء، يبعث برسالة بأن واشنطن قادرة على الجمع بين استمرار دعمها لـ'إسرائيل' من جهة، وتثبيت حماية دولة خليجية شريكة من جهة أخرى، بما يردم فجوة الثقة التي اتسعت بعد الضربة على الدوحة.

- القرار سيترتب عليه، على الأرجح، مزيد من التنسيق العملي، من خلال تخطيط مشترك للطوارئ، وتعزيز الدفاع الجوي والصاروخي، واتخاذ إجراءات حماية للبنى التحتية الحيوية، خصوصاً الطاقة والاتصالات.

أهمية القرار

ويرى الكواري أن القرار بالنسبة لقطر يتجاوز الجانب الرمزي إلى مستويات عديدة، مضيفاً:

- القرار يثبت معادلة الردع بالالتزام المعلن، ويمنح صانعي القرار في الدوحة هامشاً أوسع لإدارة الأزمات دون الانجرار إلى سباقات تصعيد، كما يقوي موقف قطر حين تباشر وساطات حساسة.

- وضوح الضمان الأمريكي ينعكس في ثقة أعلى لدى شركاء الطاقة والأسواق المالية وشركات البنية التحتية، خصوصاً مع كون قطر مصدراً رئيسياً للغاز الطبيعي المسال وسلاسل الإمداد المرتبطة به.

- القرار يعزز سردية السياسة الخارجية القطرية القائمة على القوة الذكية، من خلال الجمع بين استقلالية القرار وشبكة تحالفات عميقة ودور الوسيط الموثوق في نزاعات معقدة، مثل فلسطين وغزة وأفغانستان والسودان، وهو ما أشار إليه نص القرار نفسه بتثمين خبرة قطر في حل النزاعات.

وعلى مستوى دول الخليج يشير الكواري إلى أن القرار يحمل رسائل رئيسية، هي:

- تحويل أمن قطر إلى اختبار لمصداقية الردع الأمريكي، ما ينعكس في طمأنة أوسع لشبكة دول مجلس التعاون، ويقلص فرص سوء التقدير ضد المنشآت والبنى الحيوية العابرة للحدود.

- دفع نحو تكثيف ربط أنظمة الإنذار المبكر والدفاع الجوي والصاروخي والتسيير الجوي بين دول المجلس والولايات المتحدة، بما يحسن الاستجابة لهجمات الصواريخ والمسيرات.

- إتاحة إمكانية أكبر للمقاربات الدبلوماسية والاقتصادية، من خفض التصعيد البحري إلى ترتيبات أمن الطاقة، بما يسهم في استقرار وظيفي يحتاجه الاقتصاد العالمي.

وختم الكواري حديثه بالقول: 'القرار التنفيذي لا يحول العلاقة إلى معاهدة دفاع ملزمة، لكنه يرفع مستوى الالتزام الأمريكي المعلن تجاه قطر، ويضيف طبقة ردع سياسية وقانونية فوق شراكة عسكرية راسخة وقاعدة لوجستية لا بديل عنها'.

كما أشار إلى أنه 'على المدى المتوسط، سيقاس أثره بقدرة واشنطن والدوحة على تحويله إلى آليات تشغيلية تشمل تخطيط الطوارئ، وتمارين مشتركة، وحماية البنى الحيوية، ومدى إسهامه في خفض شهية المغامرة لدى الخصوم الإقليميين'.