اخبار قطر
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ٢٠ أيلول ٢٠٢٥
على رغم الدور البارز للجهاز في عملية 'البيجر' واغتيال 'هنية' فإن غيابه عن العملية الأخيرة كان لافتاً
عندما اغتالت إسرائيل قادة 'حزب الله' وعشرات من عناصر الجماعة في لبنان في الهجوم الذي يعرف بعملية البيجر، كانت أصابع جهاز الاستخبارات الإسرائيلي 'الموساد' حاضرة بقوة عبر عملية استخبارية طويلة ومعقدة جرى التخطيط لها قبل سنوات، وكذلك الأمر عندما قتلت زعيم حركة 'حماس' إسماعيل هنية في مقر إقامته بإيران بأحد بيوت الضيافة التابعة للحرس الثوري الإيراني في العاصمة طهران.
ففي صمت وبصورة مفاجئة انفجرت أجهزة اللاسلكي 'البيجر' التي كان يحملها قادة وعناصر 'حزب الله'، ليتبين بعدها أن الموساد خطط لبيع أجهزة متفجرة للجماعة اللبنانية التي ترتبط بعلاقة عداء طويل مع إسرائيل. ومع ذلك، فإنه عندما استهدفت تل أبيب قادة حركة 'حماس' في قطر، كان الأسلوب والأداة مختلفين، فبديلاً عن عملية التجسس والقتل عن بعد، لجأت إلى الصواريخ جو - أرض، وبديلاً عن الموساد كان جهاز الشاباك والجيش الإسرائيلي المعنيين بالعملية. مما يطرح السؤال في شأن غياب تلك الوكالة الأمنية، التي لعبت الدور الرئيس في عمليات الاغتيال الخارجية الإسرائيلية.
تفيد تقارير الصحافة الأميركية والإسرائيلية بأن رئيس جهاز الموساد الإسرائيلي ديفيد برنياع، عارض استهداف قادة 'حماس' على الأراضي القطرية. ووفق تصريحات منسوبة لمصدرين إسرائيليين مطلعين، ذكرت صحيفة 'واشنطن بوست' أن برنياع عارض اغتيال المسؤولين في قطر جزئياً، لأن مثل هذه الخطوة قد تفشل العلاقة التي بناها هو وجهازه مع القطريين، الذين يستضيفون قيادة 'حماس' ويلعبون دور الوسيط في محادثات وقف إطلاق النار بين الحركة وإسرائيل.
وفي نهاية المطاف، أثرت تحفظات الموساد في شأن عملية على الأرض، على طريقة تنفيذ الضربة وربما على فرص نجاحها، فبدلاً من نشر عملاء للموساد، لجأت إسرائيل إلى خيار آخر وهو إرسال 15 طائرة مقاتلة أطلقت 10 صواريخ من مسافة بعيدة. وقالت 'حماس' إن الغارة الجوية فشلت في قتل كبار مسؤوليها، بمن فيهم خليل الحية، وأن الهجوم أسفر عن مقتل عدد من أقارب وأعضاء وفدها إلى جانب ضابط قطري.
ورفض المسؤولون الإسرائيليون مشاركة تقييمات علنية لنتائج العملية، لكن في أعقابها مباشرة بدا أن 'إسرائيل لم تحقق ما كانت تستهدفه'، وفقاً للأشخاص الذين تحدثوا لوسائل الإعلام الأميركية.
وعلى رغم أن المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين يتفقون على نطاق واسع على أنه ينبغي في نهاية المطاف ملاحقة جميع قادة 'حماس'، بمن فيهم المقيمون في الخارج وقتلهم، إلا أن كثيرين تساءلوا عن توقيت العملية، خصوصاً وأن قادة 'حماس' كانوا يجتمعون في قطر، الحليف الوثيق للولايات المتحدة، لدراسة مقترحاً من الرئيس الأميركي دونالد ترمب للإفراج عن الرهائن الإسرائيليين المحتجزين في غزة في مقابل وقف إطلاق النار في حرب غزة.
وناقشت الصحف الإسرائيلية في الأيام القليلة الماضية، ما إذا كانت عملية برية كانت ستزيد من فرص إنجاز الهدف، فالعام الماضي أدى زرع عملاء الموساد قنبلة في غرفة نوم هنية في طهران، مما أدى إلى مقتله. غير أن أحد الإسرائيليين المطلعين على الأمر، قال 'إن هذه المرة، الموساد لم يكن مستعداً للقيام بها على الأرض'، لأن الجهاز يعتبر قطر وسيطاً مهماً في المحادثات مع 'حماس'.
ينسجم ذلك مع تقارير سابقة أفادت بأن الموساد خطط لاغتيال هنية بعد فترة وجيزة من هجوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) ولم يكن الأمر سوى 'مسألة وقت'، غير أن هنية كان يقيم في العاصمة القطرية الدوحة، ومن ثم رأي قادة الموساد أن اغتياله كان ليهدد مفاوضات الوساطة في شأن الأسرى الإسرائيليين، بحسب ما جاء في تقرير لقناة 12 الإسرائيلية في أعقاب اغتياله في الـ31 من يوليو (تموز) 2024.
ووفق التفاصيل التي سردتها القناة الإسرائيلية آنذاك، فإنه لهذا السبب كانت خيارات اغتيال هنية هي في تركيا أو روسيا أو طهران، وهى الدول التي كان يزورها هنية. غير أن خشية تل أبيب من رد غاضب من موسكو أو أنقرة، أدى إلى تقليص الخيارات إلى طهران التي كانت 'الخيار الأكثر ملاءمة'، إضافة إلى أن قدرة الموساد على تحقيق اختراق واسع داخل العاصمة الإيرانية عبر شبكة واسعة من الجواسيس أسهم في تعزيز فرضية نجاح العملية.
ومع ذلك، ذكر الكاتب الإسرائيلي يوسي ميلمان أنه في حين اعترض رئيس الموساد على الضربة، لكن اعتراضه لم يكن على تنفيذ العملية فوق الأراضي القطرية، وإنما التوقيت الذي من شأنه أن يعرض حياة الرهائن لدى 'حماس' في قطاع غزة لخطر أكبر. وأضاف أن عدداً من قيادات الأجهزة الأمنية أبدو تحفظاتهم بما في ذلك داخل صفوف الشاباك العليا ورئيس الأركان الفريق هرتسي هليفي وكذلك اللواء نيتسان ألون، رئيس مركز الاستخبارات لشؤون الأسرى والمخطوفين، الذي رأى أيضاً أنه في خضم المفاوضات، حتى وإن كانت فرص نجاحها ضئيلة، من غير الحكمة توتير العلاقات مع قطر، التي واصلت جهودها، إلى جانب مصر، للوساطة بين إسرائيل و'حماس'.
وتساءل مسؤول إسرائيلي مطلع على معارضة جهاز الموساد لتوقيت استهداف قادة 'حماس' في الدوحة: 'يمكننا الوصول إليهم بعد سنة أو سنتين أو أربع سنوات من الآن، والموساد يعرف كيف يفعل ذلك'، في إشارة إلى إمكان اغتيال قادة 'حماس' سراً في أي مكان في العالم، 'لماذا نفعلها الآن؟'.
وأوضح أن السبب وراء نيل الشاباك الفضل في العملية، يعود لنقطتين: الأولى أن الشاباك كان، على مدى سنوات، نشطاً في مكافحة الإرهاب ليس فقط في غزة والضفة، بل أيضاً خارج حدود إسرائيل. وعلى سبيل المثال، كان مشاركاً في الاغتيالات الموجهة لكبار مسؤولي 'حماس' في لبنان، ومن بينهم نائب رئيس المكتب السياسي للحركة صالح العاروري، المسؤول عن هجمات في الضفة، الذي جرى قتله في يناير (كانون الثاني) 2024، بعد ثلاثة أشهر من هجمات السابع من أكتوبر. إضافة إلى ذلك، يضم الشاباك وحدة خاصة مسؤولة عن تعقب قواعد ومقار 'حماس' حول العالم.
والسبب الثاني هو أن الشاباك والجيش قيما بأن معلوماتهما الاستخبارية دقيقة، وأن فرص نجاح الضربة في قطر كبيرة. وكان الشاباك، الذي اعتبر المسؤول الأول عن إخفاقات السابع من أكتوبر، الذي هبطت معنوياته بشدة منذ ذلك الحين يسعى إلى استعادة مكانته، وكانت عملية ناجحة في قطر ستكون فرصة كبيرة لإنقاذ سمعته.
ومع ذلك، قال مصدر أمني إسرائيلي رفيع بحسب صحيفة 'ذا جويش كورينيكال'، إن تقسيم العمل في مكافحة الإرهاب بين الشاباك والموساد والاستخبارات العسكرية يكون أحياناً غير واضح. ووفقاً للمصادر فإن 'القرار حول أي جهاز سيتولى قيادة عمليات مكافحة الإرهاب يحدد بناء على الميزة النسبية التي يملكها الجهاز بالنسبة إلى الهدف، وعلى قدرته العملياتية'، فقد تولى الموساد عملية هنية، لأن إيران تعتبر ساحة عمله، إذ يملك أفضلية نسبية وتجربة عملياتية سابقة.
ووفق ميلمان فإن قادة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، بمن فيهم وزراء الدفاع السابقون والحاليون يوآف غالانت ويسرائيل كاتس، ورئيس الشاباك السابق رونين بار، ورئيس الموساد برنياع، 'أقسموا بعد 7 أكتوبر أنهم سيطاردون كل عناصر حماس، صغاراً وكباراً، المتورطين في قتل وتعذيب واغتصاب وخطف الإسرائيليين في ذلك اليوم'. ولغرض القضاء على عناصر 'حماس'، أنشأ الشاباك وحدة خاصة تحمل الاسم الرمزي نيلي، يقودها مسؤولو لواء الجنوب وقسم العمليات في الجهاز، ويشير الكاتب إلي أن اسم 'نيلي' يعود لشبكة تجسس يهودية سرية مؤيدة للبريطانيين في فلسطين العثمانية أثناء الحرب العالمية الأولى.
ويعتقد مراقبون أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تجاوز الموساد في هذه العملية، لأنه ربما فقد صبره تجاه مفاوضات وقف إطلاق النار. وقال الزميل البارز لدى معهد واشنطن ديفيد ماكوفيسكي إن برنياع معروف بكونه يرى أن الوساطة القطرية لها قيمة، وأنه لا يجوز إحراق الوسطاء القطريين أو قناة الوساطة، لكن نتنياهو 'قد يكون حسم أمره في شأن عملية مدينة غزة، معتقداً أن أحدث مقترح تفاوضي من ترمب حول إطلاق سراح الرهائن لم يحقق أي تقدم مع حماس'. وأضاف ماكوفيسكي أنه إذا كان الأمر كذلك، 'فقد يكون نتنياهو رأى أن مسار التفاوض يمثل قيداً غير مفيد على اتخاذ إجراء ميداني'.
لكن آخرين أشاروا إلى أن نتنياهو ربما أراد أن ينأى بنفسه بعيداً من دولة يقول منتقدوه في الداخل إنه مقرب منها أكثر مما ينبغي، ففي وقت سابق من العام الحالي كانت علاقة رئيس الوزر اء الإسرائيلي بقطر موضع جدل بعدما فتحت السلطات الإسرائيلية تحقيقاً في مزاعم تفيد بأن عدداً من مساعدي نتنياهو يتقاضون رواتب من قطر لتحسين صورتها. وقال نمرود نوفيك، وهو مسؤول إسرائيلي سابق وزميل لدى منتدى السياسة الإسرائيلية في نيويورك للصحيفة الأميركية، إن 'الشخص نفسه الذي طلب من قطر استضافة حماس، وتمويل حماس، والوساطة مع حماس أصبح فجأة عدائياً تجاه النظام نفسه. إذا كنت تريد أن توصل رسالة مفادها بـ’أنا لا أشارك مساعدي السابقين ولاءهم لقطر‘، فلا شيء يحقق هذا الهدف أكثر من ضربة عسكرية في قطر'.
ويقول بعض المسؤولين الإسرائيليين إنهم احتسبوا أن إسرائيل ستتمكن مع مرور الوقت من إصلاح علاقاتها مع قطر، تماماً كما تجاوزت الغضب الدولي الذي أثارته في السبعينيات والثمانينيات، بعد أن أمرت رئيسة الوزراء غولدا مائير بتنفيذ اغتيالات سرية في دول أوروبية وشرق أوسطية استهدفت فلسطينيين متورطين في خطف وقتل 11 رياضياً إسرائيلياً في أولمبياد ميونيخ عام 1972.
وقال مسؤولون إسرائيليون حاليون وسابقون، بمن فيهم نتنياهو، إن الدافع وراء شن الضربة الجوية في قطر كان وجود فرصة نادرة لاجتماع قادة بارزين من 'حماس' في مكان واحد. كما أكدوا أنهم شعروا بضرورة الرد على هجوم نفذه مسلحون فلسطينيون الأسبوع الماضي وأسفر عن مقتل ستة مدنيين إسرائيليين في القدس، وقد تبنته 'حماس'، إضافة إلى كمين في غزة أدى إلى مقتل أربعة جنود إسرائيليين في اليوم نفسه.