اخبار قطر
موقع كل يوم -الخليج أونلاين
نشر بتاريخ: ٢٨ أيلول ٢٠٢٥
عمر محمود – الدوحة - الخليج اونلاين
- الدوحة تدير أكثر من 10 وساطات دولية متزامنة ما جعلها لاعباً استثنائياً على الساحة العالمية
- 3 سيناريوهات للدور القطري في المفاوضات لوقف حرب غزة بعد الهجوم الإسرائيلي
- د. خالد وليد محمود لـ 'الخليج أونلاين': تعدّد الوساطات يعكس نضج البنية المؤسسية للدبلوماسية القطرية
في الوقت الذي كانت فيه حركة المقاومة الإسلامية 'حماس' تدرس المقترح الأمريكي لوقف إطلاق النار في قطاع غزة داخل مقرها بالعاصمة القطرية الدوحة، أقدم الاحتلال الإسرائيلي، في خطوة غادرة، على محاولة اغتيال عدد من قادة الحركة، في محاولة واضحة لإجهاض المساعي الجادة التي يقودها الوسطاء من أجل التوصل إلى هدنة.
وكشفت هذه العنجهية الإسرائيلية وخطتها المتهورة بالعدوان على الدوحة عن تحد مباشر للدبلوماسية القطرية، التي عُرفت بدورها الريادي في الوساطة بأصعب الملفات وأكثرها تعقيداً على مستوى العالم، ما يثير تساؤلات حول الكيفية التي ستتعامل بها قطر مع هذا التصعيد، وما إذا كان سيؤثر على مسار وساطاتها الدولية.
فالدوحة التي تدير حالياً أكثر من 10 وساطات دولية متزامنة، رسخت مكانتها كأحد أبرز الفاعلين الدوليين في مجال الوساطة السياسية، بفضل نهجها القائم على الحياد والموضوعية، وحرصها الدائم على الوقوف بمسافة واحدة من جميع الأطراف.
فقد أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية القطرية، ماجد الأنصاري، في 23 سبتمبر الجاري، أن بلاده منخرطة الآن في 12 وساطة، مشدداً على أن'الدول المارقة لن تدفعنا للتخلي عن دورنا الإقليمي'، في إشارة للعدوان الإسرائيلي الأخير على الدوحة.
وقد تكون قطر الدولة الوحيدة اليوم التي تنخرط في إدارة أكثر من 10 وساطات نشطة في وقت واحد، ما يجعلها لاعباً استثنائياً على الساحة العالمية، ولعل القدرة على الجمع بين التعدد والتوازي في الملفات تعكس تفرداً دبلوماسياً يعزز مكانتها الدولية خاصة في محال الوساطة في أعقد النزاعات.
وتجلت فاعلية هذه الوساطات في مناطق عدة من بينها فلسطين، وأفغانستان، ولبنان، والسودان، وتشاد، وأوكرانيا، ما يؤكد اتساع نطاق الدور القطري وقدرته المتزايدة على المساهمة البناءة في تحقيق الأمن والاستقرار على المستويين الإقليمي والدولي.
الوساطة بعد العدوان
على صعيد دور الوساطة القطرية وآفاقها بعد العدوان، تسعى الدوحة باستمرار إلى الإسهام في تعزيز الأمن والسلم الدوليين ضمن إستراتيجية واضحة المعالم، تقوم على الحياد والابتعاد عن الانحياز أو التمحور في النزاعات.
الأكاديمي والمحلل السياسي الدكتور خالد وليد محمود، يرى أن تقييم مسار الوساطة القطرية وآفاقها بعد العدوان، يمكن أن يتم عبر مقياسين وهما استمرارية الدور ومرونة الأداء.
ويوضح محمود في حديثه لـ 'الخليج أونلاين' أن قطر ورغم الاعتداء الإسرائيلي الغادر، لم تتراجع عن موقعها كوسيط محايد، بل زادت من حضورها الدبلوماسي وكثفت قنوات الاتصال مع مختلف الأطراف الدولية.
ويضيف: 'ثبات الموقف يعكس إرادة سياسية راسخة لدى القيادة القطرية، التي تنظر إلى الوساطة باعتبارها مسؤولية أخلاقية ودبلوماسية وليست مجرد أداة لتحقيق مكاسب آنية'.
ولفت إلى أن الدوحة 'استطاعت أن توظف الاعتداء كحافز لتعزيز خطابها الداعي إلى التهدئة ومنع تفجر الأوضاع، وهو ما منحها مصداقية إضافية لدى المجتمع الدولي'، مؤكداً أن هذا التوجه تجلى بوضوح في خطاب أميرها الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمام الأمم المتحدة مؤخراً.
وساطات متزامنة
ويشير المحلل السياسي إلى أن إدارة قطر لأكثر من 10 وساطات متزامنة تحمل دلالات عميقة على مستوى العلاقات الدولية، وهي أنها:
- تعكس ثقة الأطراف المتنازعة بقدرة الدوحة على توفير منصة آمنة للحوار، وهي ثقة تراكمت عبر نجاحات سابقة مثل اتفاق الدوحة في لبنان (2008)، والمفاوضات الأفغانية، وصفقات تبادل الأسرى
- هذا النشاط الكثيف يبرز تحول قطر إلى فاعل دبلوماسي شبكي قادر على ربط ملفات متباعدة جغرافياً وسياسياً – من غزة إلى اليمن والسودان وأفغانستان – عبر رؤية متماسكة تقوم على تقريب وجهات النظر لا الانحياز.
ويستطرد بالقول: 'تعدّد الوساطات يعكس أيضاً نضج البنية المؤسسية للدبلوماسية القطرية، حيث باتت تمتلك فرقاً محترفة وموارد دبلوماسية قادرة على العمل على أكثر من مسار في وقت واحد، دون تضارب أو تراجع في الأداء'.
وأوضح أن نجاح الوساطة القطرية يعود إلى مزيج متكامل من العوامل، أبرزها:
- الحياد العملي من خلال إبقاء قنوات التواصل مفتوحة مع جميع الأطراف، بما في ذلك المتخاصمون الدوليون.
- الاستثمار طويل الأمد في العلاقات باعتبار التحركات القطرية نتاج سياسة استباقية تراكمت عبر سنوات.
- القوة الناعمة الفاعلة عبر الإعلام والدبلوماسية الثقافية والجهود الإنسانية التي عززت صورة قطر كدولة صادقة في مساعيها.
- المرونة وسرعة التحرك؛ إذ أتاح القرار القطري السريع إحداث اختراقات في لحظات حرجة كان يمكن أن تضيع بتأخر التدخل.
سناريوهات الوساطة في غزة
وبحسب تقرير أصدره مركز الجزيرة للدراسات يوم 28 سبتمبر 2025، فإن الدور القطري في مفاوضات وقف حرب غزة بعد الهجوم الإسرائيلي قد يتجه إلى واحد من ثلاثة احتمالات رئيسية:
السيناريو الأول: توقف المفاوضات نهائياً إلى حين حدوث تغيير في قيادة الاحتلال الإسرائيلي، ويستند هذا الاحتمال إلى إصرار حكومة بنيامين نتنياهو على مواصلة محاولات استهداف الوفد المفاوض، فضلاً عن تفهم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لرغبة نتنياهو في ذلك، ما قد يدفع الدوحة إلى رفض الاستمرار في الوساطة رداً للاعتبار.
السيناريو الثاني: استمرار قطر في لعب دور الوسيط، وهو ما أكده الدبلوماسيون القطريون مباشرة بعد الهجوم، إلا أن الدوحة، وفق هذا السيناريو، ستأخذ في الحسبان المخاطر الإسرائيلية، ولن تمضي قدماً إلا بعد إدخال تعديلات واتخاذ مواقف جديدة، قد تشمل المطالبة باعتذار إسرائيلي رسمي – كما أوردت تقارير صحفية من بينها موقع أكسيوس – إضافة إلى الحصول على ضمانات أمريكية.
السيناريو الثالث: مواصلة الأطراف المعنية بالملف التفاوض من خلال اجتماعات في منطقة آمنة، غير أن هذا الاحتمال يبدو مستبعداً، إذ من غير المرجح أن تقبل قطر بالقيام بوساطة تستغل فقط لخدمة هدف إسرائيلي متمثل في إطلاق أسراها لدى حماس، في وقت لا تتورع فيه تل أبيب عن التهديد باستهداف الدوحة إذا ما استضافت وفد الحركة على طاولة المفاوضات.
وساطات قطرية متعددة
في ظل العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر 2023، اضطلعت قطر بدور محوري بالتعاون مع مصر والولايات المتحدة، حيث أثمرت هذه الجهود عن التوصل في 19 يناير 2025 إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، تضمن تبادل الأسرى وتيسير دخول المساعدات الإنسانية العاجلة إلى المناطق الأكثر تضرراً في القطاع.
ومع خرق الاحتلال الإسرائيلي للاتفاق واستئناف عدوانه في مارس 2025، واصلت قطر جهودها الدبلوماسية المكثفة بالتنسيق مع شركائها الدوليين لاستعادة مسار التهدئة، والتوصل إلى وقف شامل ومستدام لإطلاق النار، وسط تفاقم غير مسبوق للأزمة الإنسانية في غزة.
وعلى الصعيد الإنساني الدولي، حققت الوساطة القطرية تطوراً بارزاً في النزاع الأوكراني–الروسي، حيث أعلنت الدوحة في 22 أغسطس 2025 عن نجاحها في لم شمل أربعة أطفال مع أقاربهم في أوكرانيا، وعودة ثلاثة أطفال إلى ذويهم في روسيا، ليرتفع العدد الإجمالي للأطفال الذين تم لم شملهم مع أسرهم منذ بدء الوساطة إلى 107 أطفال.
وفي القارة الإفريقية، احتضنت الدوحة بتاريخ 19 يوليو 2025 مراسم توقيع إعلان مبادئ بين حكومة الكونغو الديمقراطية وتحالف نهر الكونغو/حركة 23 مارس، تتويجاً لمساعٍ دبلوماسية قطرية مكثفة هدفت إلى خلق بيئة مواتية لتحقيق سلام دائم في إقليم شرق الكونغو.
كما كان لقطر دور محوري في السودان عبر استضافتها مفاوضات دارفور التي أفضت إلى توقيع 'وثيقة الدوحة للسلام'، لتشكل محطة رئيسية في مسار التسوية وتؤكد التزام الدولة الخليجية الراسخ بالحوار كخيار استراتيجي.
وامتدت الجهود القطرية إلى تشاد، حيث تم التوصل في أغسطس 2022 إلى 'اتفاقية الدوحة للسلام'، التي مهدت الطريق أمام مشاركة الحركات السياسية والعسكرية في الحوار الوطني الشامل ضمن عملية الانتقال السياسي.
بالسياق ذاته، ساهمت الدوحة في تقريب وجهات النظر بين الصومال وكينيا، الأمر الذي أسفر عن استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين عام 2021. كما أسهمت جلسات الحوار التي استضافتها قطر عام 2008 بين الفرقاء اللبنانيين في التوصل إلى 'اتفاق الدوحة'، الذي أنهى أزمة سياسية استمرت 18 شهراً.
وعلى المستوى الآسيوي، لعبت قطر دوراً فاعلاً في مسار السلام الأفغاني، حيث احتضنت الدوحة منذ عام 2013 مفاوضات مطولة أفضت في فبراير 2020 إلى توقيع اتفاق تاريخي بين الولايات المتحدة وحركة 'طالبان'.
ولا تقتصر الجهود الدبلوماسية والإنسانية لقطر على هذه النماذج فحسب، بل تمتد إلى مناطق متعددة حول العالم، في إطار رؤية شاملة تهدف إلى تعزيز السلام، وترسيخ الحوار، ودعم التنمية المستدامة على المستويين الإقليمي والدولي.