اخبار قطر
موقع كل يوم -الخليج أونلاين
نشر بتاريخ: ٥ تموز ٢٠٢٥
سلمى حداد - الخليج أونلاين
- دول الخليج تستثمر بقوة في المعادن الحرجة لضمان موقع استراتيجي في الاقتصاد العالمي ما بعد النفط
- السعودية تقود التوجه الخليجي عبر شراكات إفريقية وآسيوية وتحركات لإنشاء مركز صناعي متكامل
- المعادن النادرة تُعد 'النفط الجديد'، والخليج يسعى لامتلاك زمام المبادرة في سلاسل التوريد العالمية
بينما يشهد العالم تحولات دراماتيكية في مصادر الطاقة والاقتصاد، باتت المعادن الحرجة حجر الزاوية في تقنيات المستقبل، من بطاريات السيارات الكهربائية إلى الألواح الشمسية.
ومع تسارع جهود التحول نحو طاقة نظيفة، تبرز دول الخليج وعلى رأسها السعودية والإمارات وقطر، كلاعبين جدد في سوق المعادن الاستراتيجية، عبر استثمارات ضخمة وتحركات مدروسة لإعادة تشكيل موقعها في الاقتصاد العالمي ما بعد النفط.
وتأتي هذه التحركات في ظل ارتفاع التوقعات العالمية للطلب على المعادن الحرجة بحلول عام 2050، وفق ما أكده أمين عام 'أوابك' جمال اللوغاني.
وفي سبتمبر الماضي، قال اللوغاني، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الكويتية (كونا)، إن ارتفاع الطلب على المعادن الحرجة يأتي بسبب الاعتماد المتزايد على تقنيات الطاقة النظيفة منخفضة الكربون، وخاصة توربينات الرياح والألواح الشمسية، والتوسع الكبير في شبكات الكهرباء وإنتاج المركبات الكهربائية.
وأشار إلى أن المعادن الحرجة مثل الديكل والليثيوم والكوبالت والنحاس تمثل العمود الفقري لصناعة الطاقة الخضراء والنظيفة، إذ تدخل في تصنيع بطاريات التخزين والتوربيدات.
ولفت إلى أن الاستثمارات العالمية في المعادن الحرجة لا تواكب الطلب العالمي المتزايد، حيث تراوح الاستثمارات المطلوبة خلال الفترة من 2022 إلى 2030 ما بين 360 و460 مليار دولار أمريكي، ما يعني وجود فجوة استثمارية تراوح ما بين 180 و270 مليار دولار.
السعودية
وتقود السعودية التحرك الخليجي نحو الاستثمار في المعادن الحرجة، وفي هذا الشأن، تقول الزميلة بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، غريسلين باسكاران في تعليقات نقلها مركز كولومبيا لسياسات الطاقة في مايو الماضي:
ولتنفيذ هذه الرؤية، تقول باسكاران/ 'ركزت الرياض على تأمين شراكات جديدة، بما في ذلك من خلال توقيع مذكرات تفاهم تركز على التعدين مع جمهورية الكونغو الديمقراطية ومصر وروسيا والولايات المتحدة والمغرب'.
وكانت صحيفة 'وول ستريت جورنال' الأمريكية قد ذكرت في تقرير العام الماضي، أن واشنطن والرياض تجريان محادثات لشراء حصص تعدين في عدة دول أفريقية.
كما تدرس السعودية أيضاً الاستثمار في البرازيل وأرسلت وفداً إلى الأرجنتين لمناقشة ثروة الليثيوم في ذلك البلد، وفق 'وول ستريت جورنال'.
ويشير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في بيانات نشرها في يناير من العام الماضي، إلى أن قارة إفريقيا التي تلقى اهتماماً استثمارياً سعودياً كبيراً تمتلك نحو 30٪ من احتياطيات المعادن في العالم.
وتضيف البيانات أن إفريقيا بها 40 ٪ من الذهب، وما يصل إلى 90 ٪من الكروم والبلاتين، وأكبر احتياطيات من الكوبالت والألماس والبلاتين واليورانيوم.
واستضافت العاصمة السعودية الرياض مؤتمر التعدين الدولي في نسخته الثالثة في الفترة من 9 إلى 11 يناير 2024، لبحث مستقبل قطاع التعدين في المنطقة تحت شعار 'إيجاد سلاسل قيمة معدنية مرنة ومسؤولة في أفريقيا وغرب آسيا وآسيا الوسطى'.
وخلال المؤتمر، وقعت الكونغو الديمقراطية اتفاقية مع السعودية للتركيز على الاستكشاف واستغلال المعادن وبناء القدرات لاكتشاف الرواسب واستغلالها في البلد الأفريقي.
وتعتبر الكونغو الديمقراطية بلداً رائداً في إنتاج الكوبالت الذي يُستخرج خلال عملية استخراج النحاس، كما أن لديها تربة نادرة تنتج حجر القصدير والكولتان والعديد من مؤشرات النيكل الأخرى التي لم يتم استغلالها بعد، لكنها في مرحلة الاستكشاف.
كما يمتلك البلد الأفريقي النيكل والكروم واحتياطياً كبيراً من الليثيوم في جنوبه.
على الصعيد نفسه، أوضح بنك التصدير والاستيراد السعودي، في بيان له في مارس 2024، أنه يستهدف الدخول لقارة أفريقيا لتقديم حلول ائتمانية متكاملة للمستوردين فيها عبر السوقين المصرية والجنوب أفريقية.
ويُشار إلى أن نشاط الصندوق السعودي للتنمية منذ عام 1975 وصل إلى تمويل أكثر من 800 مشروع وبرنامج إنمائي في أكثر من 100 دولة نامية، بقيمة إجمالية نحو 20 مليار دولار، إذ بلغ نشاطه في إفريقيا من تلك الإسهامات تمويل أكثر من 400 مشروع وبرنامج إنمائي في 46 دولة إفريقية، بما يزيد على 10.7 مليار دولار حتى نهاية عام ،2022 حسب ما ذكرت وكالة الأنباء السعودية.
وكل هذه البيانات تشير إلى أن السعودية تتوغل بسرعة داخل الدول الإفريقية للاستثمار بهذه المعادن الحرجة في ظل صراع دولي كبير على موارد القارة السمراء.
وفي هذا السياق، يذكر أن السعودية تمتلك ثروات معدنية تُقدّر بـ2.5 تريليون دولار، منها احتياطيات من الذهب تتجاوز 100 مليون أونصة، فضلاً عن نحو 15 معدنًا قابلاً للاستغلال التجاري، وفق بيانات رسمية نشرتها وكالة 'واس' في سبتمبر الماضي.
وتكثف الإمارات أيضاً جهودها للحصول على حصة في قطاع المعادن الحرجة، حيث تتميز دبي بكونها مركزاً رئيساً لتجارة المعادن الأرضية النادرة، كما أن لها موطئ قدم في المواني والشبكة اللوجستية للقارة السمراء.
وفازت شركة مواني دبي العالمية المملوكة لحكومة الإمارات، خلال السنوات الماضية، بامتيازات في ميناء بالكونغو الديمقراطية، وميناء دار السلام في تنزانيا، وهما ممران حاسمان لصادرات النحاس.
وفي يوليو 2023، أعلن رئيس الكونغو الديمقراطية فيليكس تشيسكيدي، توقيع صفقة مع شركة تعدين إماراتية بقيمة 1.9 مليار دولار، تشمل تطوير 4 مناجم للمعادن الحرجة على الأقل.
كما وقعت الكونغو الديقمراطية عقداً مدته 25 عاماً في ديسمبر 2023، مع شركة 'بريميرا جروب' الإماراتية بشأن حقوق التصدير لبعض الخامات المستخرجة يدوياً، وهي معادن يتم استخراجها بواسطة عمال مناجم مستقلين لا يعملون لدى شركات التعدين.
ومنح العقد مجموعة 'بريميرا جروب' حصة الأغلبية في مشروعين مشتركين، 'بريميرا جولد' و'بريميرا ميتالز'، مما يمنحها معدلات تصدير تفضيلية للذهب والكولتان والقصدير والتنتالوم والتنجستن.
وإضافة إلى أفريقيا، أبرمت الإمارات وأستراليا نهاية العام الماضي، اتفاقية تجارة حرة تتضمن استثمار أبو ظبي في قطاع المعادن الحيوي في كانبيرا.
كما استحوذت الإمارات من خلال شركة الموارد العالمية القابضة، على 51% من منجم موباني للنحاس في زامبيا، وفق اتفاقية تم الإعلان عن توقيعها في أبريل 2024.
قطر
ورغم اعتمادها الكبير على الغاز، بدأت قطر أولى خطواتها في قطاع المعادن من خلال توقيع اتفاقيات تعدين مع نيجيريا في مارس من العام الماضي، واستثمارها في شركة 'جلينكور' السويسرية بما يعادل نحو 10٪ من أسهم الشركة.
ويرى خبراء أن الدوحة، رغم بطء خطواتها، تدرك أهمية المعادن الحرجة في دعم مستقبل الطاقة الخضراء، وتسعى لتعزيز وجودها في هذا القطاع.
وفي هذا الإطار أعلن جهاز قطر للاستثمار، عن استثمار مبدئي بقيمة 180 مليون دولار في شركة 'تك مِت' التي يتركز نشاطها على بناء شركات متخصصة في عمليات الاستخراج والمعالجة والتنقية وإعادة تدوير المعادن الحرجة، وفق بيان من الجهاز صدر في أغسطس الماضي.
وقد استخدمت مساهمة جهاز قطر للاستثمار في تطوير أصول 'تك مِت' القائمة، ومواصلة بناء محفظتها من المشروعات الاستراتيجية التي تهدف إلى زيادة إنتاج وتنقية المعادن الحرجة المستهدفة، التي تشمل الليثيوم، والكوبالت، والمعادن الأرضية النادرة.
'النفط الجديد'
وفي تعليقه على هذا التوجه الخليجي، يرى المحلل الاقتصادي، أحمد أبو قمر، أن اندفاع دول الخليج نحو الاستثمار في المعادن الحرجة ليس توجّهاً طارئاً، بل يعكس إدراكاً عميقاً لتحوّلات الاقتصاد العالمي في العقود المقبلة.
ويؤكد أبو قمر في حديثه لـ'الخليج أونلاين'، أن ما يشهده العالم من انتقال متسارع نحو مصادر طاقة نظيفة يفرض واقعاً جديداً، تكون فيه المعادن النادرة والحرجة مثل الليثيوم والكوبالت والنيكل والأتربة النادرة أشبه بـ'النفط الجديد'.
ويضيف: 'هذه المعادن باتت ضرورية لكل شيء تقريباً من بطاريات السيارات الكهربائية إلى أنظمة تخزين الطاقة والألواح الشمسية، وحتى في الصناعات الدفاعية والإلكترونية الدقيقة'.
ويعتبر أبو قمر أن دول الخليج تتحرك اليوم بطريقة مدروسة لضمان موطئ قدم قوي في سلاسل التوريد العالمية لهذه المعادن، خصوصاً أن العالم يعاني اختناقات في هذه السلاسل نتيجة هيمنة دول محدودة على الإنتاج والتكرير، في مقدمتها الصين.
ويضيف: 'امتلاك حصة في هذه السوق لا يتعلق فقط بالعائد المالي، بل بالسيادة الاقتصادية والسياسية في النظام العالمي الجديد'.
وعن قدرة هذه الاستثمارات على تعويض النفط، يوضح أبو قمر أن القطاع لن يكون بديلاً كاملاً في المدى القريب، لكنه جزء من استراتيجية تنويع أعمق، تستهدف التحوّل نحو صناعات تحويلية وتكنولوجية ذات قيمة مضافة.
ويقول: 'لن يحل التعدين مكان النفط فجأة، لكن من الواضح أن الخليج لا يريد أن يبقى متلقياً في اقتصاد ما بعد الكربون، بل يريد أن يكون شريكًا ومُنتجًا ومؤثراً'.
ويرى أبو قمر أن دول الخليج تملك مزايا كبيرة في هذا المجال، من حيث التمويل والاستقرار السياسي والقدرة على بناء شراكات طويلة الأجل.