استثمار سيادي قطري يعيد توزيع النفوذ بصناعة الكيماويات العالمية

طه العاني - الخليج أونلاين

- كم قيمة صفقة استحواذ جهاز قطر للاستثمار على وحدة الطلاء الألمانية؟

نحو 7.7 مليارات يورو (8.94 مليارات دولار).

- ما نسبة الحصة التي ستحتفظ بها شركة 'باسف' بعد إتمام الصفقة؟

ستبقى بحصة 40% في وحدة الطلاء.

نجح جهاز قطر للاستثمار في تعزيز حضوره داخل قطاع الصناعات الكيماوية العالمي، عبر خطوة استراتيجية جديدة تمثلت في الاستحواذ على وحدة الطلاء التابعة لشركة 'باسف' الألمانية، بالتعاون مع شركة 'كارلايل' للاستثمار الخاص، في صفقة بلغت قيمتها نحو 7.7 مليارات يورو (8.94 مليارات دولار).

وتأتي هذه الخطوة ضمن توجه قطري متصاعد نحو تنويع الاستثمارات الصناعية، والتمركز في قطاعات ذات عوائد طويلة الأجل وأثر عالمي، في وقت تشهد فيه الأسواق الأوروبية تحولات في هيكل ملكية الشركات الصناعية الكبرى نتيجة ضغوط الكلفة وإعادة هيكلة الإنتاج.

صفقة استراتيجية

ويعد استحواذ قطر على الوحدة من أبرز الصفقات التي شهدها قطاع الكيماويات في أوروبا خلال العام الجاري، ليس فقط لضخامة قيمتها، بل أيضاً لما تمثله من إعادة رسم لخريطة النفوذ الصناعي بين الشرق والغرب.

فقد أعلنت الشركات المعنية، في بيان مشترك، في 10 أكتوبر 2025، أن 'باسف' ستحتفظ بحصة 40% من وحدة الطلاء بعد إتمام الصفقة، مقابل حصولها على تدفق نقدي قبل خصم الضرائب يبلغ نحو 5.8 مليارات يورو (6.7 مليارات دولار)، وهو ما يعزز سيولتها لدعم وحداتها الأساسية الأكثر ارتباطاً بمصانع الكيماويات الكبرى حول العالم.

وتعد 'باسف' أكبر منتج للكيماويات في العالم، ويقع مقرها في مدينة لودفيغسهافن الألمانية، وتنتج الشركة طيفاً واسعاً من المنتجات تشمل الكيماويات الأساسية، والبلاستيك، ومنتجات الأداء العالي التي تستخدم في قطاعات السيارات والبناء والإلكترونيات، وتغطي عملياتها أكثر من 190 دولة.

وأما جهاز قطر للاستثمار، فيواصل عبر هذه الصفقة توسيع محفظته الصناعية في أوروبا، بعد سلسلة من الاستثمارات في قطاعات الطاقة المتجددة، والبتروكيماويات، والبنية التحتية.

ويعكس ذلك نهجاً استثمارياً يستهدف الأصول ذات العائد المستقر والمتصل بدورات الإنتاج الصناعي العالمي.

ويرى محللون أن الشراكة مع كارلايل، وهي إحدى أكبر شركات الاستثمار الخاص في العالم، تمنح الصفقة بعداً مالياً واستراتيجياً مزدوجاً، إذ تجمع بين التمويل طويل الأمد والخبرة التشغيلية المتقدمة في إدارة الأعمال الصناعية المعقدة.

كما تأتي في وقت تسعى فيه الشركات الأوروبية الكبرى إلى إعادة تركيز نشاطها على مجالاتها الأساسية، ما يفتح الباب أمام صناديق الثروة السيادية الخليجية للاستحواذ على أصول نوعية ذات مردود مستدام.

وتؤشر الصفقة، وفق مراقبين، إلى أن الدوحة تمضي في ترسيخ حضورها الاستثماري كقوة فاعلة في سلاسل القيمة الصناعية العالمية، عبر دخول قطاعات تعتمد على التكنولوجيا والمعرفة والابتكار، بما ينسجم مع خططها لتنويع الاقتصاد بعيداً عن الاعتماد على الطاقة فقط.

نموذج استثماري ناجح

ويرى الخبير والمحلل الاقتصادي أحمد عقل أن عمليات شراء الحصص في الشركات الكبرى العالمية تعتبر مهمة جداً، إذ تأتي هذه الخطوات غالباً في فترات تبحث فيها الشركات عن مستثمرين جدد أو رؤوس أموال إضافية لتوسيع استثماراتها.

ويوضح لـ'الخليج أونلاين' أن جهاز قطر للاستثمار استطاع مؤخراً أن ينوع من استثماراته على المستوى القطاعي والجغرافي.

ويلفت عقل إلى أن هذا التنوع يُعطي مرونة وقوة كحاجز أمام أي ضغوطات قد تواجه القطاعات أو الاقتصادات العالمية مستقبلاً.

ويردف بأن صفقة الاستحواذ على حصة في شركة 'باسف' تعتبر مهمة جداً كونها واحدة من أكبر شركات صناعة البتروكيماويات في العالم، لافتاً إلى أن هذا القطاع واعد جداً، خاصة أن دولة قطر تتميز بهذه الصناعة وتمتلك خبرات محلية يمكن الاستفادة منها.

ويضيف عقل أن الدخول إلى شركات عالمية مثل 'باسف'، التي تعمل في أكثر من 190 دولة، يفتح الباب أمام استثمارات قادمة في قطاعات أخرى غير قطاع الطاقة.

ويبين الخبير الاقتصادي أن الشركة تستفيد من هذا الدخول من حيث التدفق النقدي الذي يمكنها من زيادة أعمالها وتحسين أدائها التشغيلي.

ويرى أن الصناديق السيادية الخليجية بدأت تستغل خبراتها في إنتاج البتروكيماويات والموارد الطبيعية للخروج أكثر نحو العالمية.

كما يشير إلى أنها تستثمر في صناعات من المتوقع أن يكون لها مستقبل جيد ونمو متزايد في السنوات القادمة، خاصة أن الطلب على منتجات البتروكيماويات يتزايد باستمرار.

ويؤكد عقل أهمية الشراكة مع الشركات والمؤسسات العالمية لتبادل الخبرات وتوزيع المخاطر.

ويعتبر الاستفادة من وجود هذه الشركات وخبراتها عاملاً أساسياً لتحقيق النجاح، خصوصاً أن هذه الشركات تمتلك فرصاً استثمارية كثيرة تحتاج إلى الصناديق السيادية لاستغلالها.

ويوضح عقل أن نموذج الدخول إلى الشركات الكبرى وبناء شراكات جديدة يفتح الباب أمام مزيد من الاستثمارات لاحقاً وتبادل الخبرات.

ويلفت إلى أن هذه الشراكات تفتح أبواب التعاون مع الشركات الألمانية، مثل 'باسف' التي تعتبر من أنجح الشركات عالمياً، مما يسهم في خلق نموذج استثماري ناجح.

تحولات صناعية

وتأتي الصفقة الجديدة لتكشف عن مرحلة انتقالية في هيكل صناعة الكيماويات الأوروبية، حيث تسعى الشركات الكبرى مثل 'باسف' لإعادة ترتيب محافظها عبر بيع وحدات غير أساسية لصالح التركيز على الأنشطة الأكثر ربحية واستدامة.

وفي المقابل تستغل الصناديق الاستثمارية العالمية -وفي مقدمتها جهاز قطر للاستثمار وشركة 'كارلايل'- هذه التحولات لبناء مواقع نفوذ داخل سلاسل التوريد الصناعية العالمية.

ووفقاً لتقرير نشرته رويترز، في 10 أكتوبر 2025، أوضحت شركة 'باسف' أن هذه الصفقة، عند احتسابها إلى جانب بيع وحدة الدهانات الزخرفية لشركة 'شيروين-وليامز' في وقت سابق من العام، ترفع التقييم الإجمالي لقطاع الطلاء في المجموعة إلى نحو 8.7 مليارات يورو (10.06 مليارات دولار)، أي ما يعادل أكثر من 13 ضعفاً لأرباح عام 2024 قبل احتساب الفوائد والضرائب والاستهلاك وإطفاء الدين.

من جانبه قال الرئيس العالمي لقطاعي الصناعة والنقل في كارلايل مارتن سامنر، إن الشركة ترى في هذا الاستحواذ فرصة لتوسيع حضورها في السوق الأمريكية الشمالية.

وأضاف أن نحو ثلاثة أرباع الصفقات التي يدرسها فريقه حالياً تتعلق باستحواذات على أصول من تكتلات صناعية كبرى، فيما تمثل النسبة المتبقية فرصاً مستقلة يجري تقييمها وفق معايير النمو والعائد.

وأشار سامنر في تصريحاته لرويترز إلى أن تنفيذ مثل هذه الصفقات يتطلب وقتاً طويلاً للتحضير والتقييم، لكنه لم يستبعد إتمام صفقات جديدة خلال النصف الأول من العام المقبل، مؤكداً أن الأسواق الصناعية تمر بمرحلة إعادة تموضع كبيرة بعد سنوات من اضطراب سلاسل الإمداد وارتفاع كلفة الإنتاج.

وفي السياق ذاته أفادت 'باسف' بأنها بدأت، منذ الربع الثاني من العام، دراسة خيارات استراتيجية لوحداتها المتبقية في قطاع الطلاء، على أن يُتخذ القرار النهائي بشأنها خلال الربع الأخير من 2025.

وأشارت إلى أن عوائد التخارج المحتمل قد تُسهم في تسريع برنامج إعادة شراء أسهمها الذي لا تقل قيمته عن 4 مليارات يورو (4.63 مليارات دولار) والمقرر تنفيذه بين عامي 2027 و2028.

وتشير هذه التطورات إلى أن الصفقة القطرية – الأمريكية لم تكن مجرد استحواذ مالي، بل جاءت ضمن موجة إعادة هيكلة كبرى في الصناعة الأوروبية، تُعيد رسم خريطة الكيماويات العالمية بين مراكز إنتاجية تقليدية في الغرب واستثمارات سيادية صاعدة من الشرق الأوسط.

وتؤكد هذه الصفقة أن قطر تمضي بثبات نحو ترسيخ حضورها الصناعي العالمي، مستفيدة من التحولات الأوروبية لبناء شراكات طويلة الأمد تعزز تنويع اقتصادها وتوسع نفوذها في سوق الكيماويات الدولية.