وسط توتر إقليمي.. ماذا يريد "الناتو" من مد يده للخليج؟

يوسف حمود - الخليج أونلاين

ما الذي يريده الناتو؟

'تعميق التعاون' وتعزيز العلاقات مع السعودية ودول الخليج.

ما أهمية زيارة أمين عام الناتو؟

هي الأولى لمسؤول في منصبه للسعودية

من هي الدول الخليجية التي لم تنضم لمبادرة إسطنبول؟

السعودية وعُمان

تعد منطقة الخليج العربي ذات أهمية حيوية للعالم بأسره، ومحورية للأمن العالمي، وبات الحفاظ على أمنها واستقرارها مسؤولية دولية نظراً للموقع الاستراتيجي والثروات الطبيعية الموجودة فيها، ولتأثيرها السياسي في المنطقة والشرق الأوسط.

وأصبحت الدول الخليجية اليوم في مستوى يمكنها دبلوماسياً من الرد على أي طرف يمكن أن يهدد أمنها وأمن المنطقة، وهو الأمر الذي يدفع المسؤولين الأمنيين الغربيين وفي مقدمتهم 'الناتو'، للعمل بجد لتعزيز العلاقات مع مجلس التعاون الخليجي وإمكانية إعادة توجيه الشراكة نحو الهدف طويل الأجل.

ولعل زيارة الأمين العام لحلف شمال الأطلسي 'الناتو' إلى السعودية، وهي الأولى لمسؤول في منصبه، تؤكد مدى أهمية المملكة بشكل خاص ودول الخليج بشكل عام في خطط العلاقات بين الجانبين، ما يطرح تساؤلات حول ماذا يريد 'الناتو' من مد يده للخليج؟.

زيارة لافتة

كانت العاصمة السعودية الرياض في الـ9 من ديسمبر الجاري، على موعدٍ مع زيارة الأمين العام لـ'الناتو' ينس ستولتنبرغ، والتي تهدف إلى 'تعميق التعاون' وتعزيز العلاقات مع السعودية ودول الخليج.

عقب وصوله، التقى أمين عام 'الناتو' بنائب وزير الخارجية السعودي وليد بن عبد الكريم الخريجي، حيث جرى تبادل وجهات النظر حيال القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.

وفي اليوم التالي، أعلن ستولتنبرغ عن رغبته في 'تعميق التعاون' وتعزيز العلاقات مع السعودية، متحدثاً عن أهداف زيارته الأخيرة للمملكة، وخطط العلاقة مع الخليج، مشيراً إلى أنه خلال الزيارة طرح للناتو رؤيته لتعميق التعاون بين الحلف والمملكة.

وذكر بيان عن الناتو، أن ستولتنبرغ عين مؤخراً مجموعة من الخبراء لمراجعة نهج الحلف تجاه الخليج والشرق الأوسط وأفريقيا، لافتاً إلى أن 'زيارته كانت فرصة لاستكشاف سبل جديدة للتعاون مع الرياض'.

وزار كلية القيادة والأركان للقوات المسلحة السعودية، وأكد خلال محاضرة له 'على الدور الرائد للمملكة في العالم العربي والإسلامي'، وحدد المجالات التي يمكن للتحالف والرياض أن يفعلاها للمزيد من التعاون المشترك، بما في ذلك ما يتعلق بالأمن البحري، وحماية البنية التحتية الحيوية، ومكافحة الإرهاب، إضافة إلى الابتكار والتعليم العسكري.

لكن ما كان لافتاً، أن ستولتنبرغ لم يلتقي مسؤولين آخرين بشكل رسمي كما يعلن، واكتفى بإجراء مباحثات مع وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان آل سعود، عبر الهاتف من داخل الرياض، حيث أشار بن سلمان إلى أنه جرى خلاله استعراض مجالات التعاون والجهود المشتركة التي تسهم في تعزيز الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي.

وفي الـ9 من ديسمبر، قال ستولتنبرغ كذلك إنه أجرى مباحثات مع الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، جاسم البديوي عبر الهاتف من الرياض، معتبراً أن 'الحوار مع الشركاء أمر في غاية الأهمية بالنسبة لـ'الناتو'، ونحن نثمن علاقتنا مع مجلس التعاون الخليجي'.

أبعاد دولية

يعتقد المحلل العسكري والاستراتيجي، علي الذهب، أن زيارة أمين عام (الناتو) تحمل 'أبعاداً دولية مرتبطة بما يجري في فلسطين'.

وفيما إن كان لها ارتباط بالأحداث الجارية في البحر الأحمر والهجمات التي تنفذها مليشيا الحوثي ضد السفن، يرى الذهب أنها ربما 'جاءت في سياق النقاشات لارتباط ما يحدث في البحر الأحمر بالقضية في فلسطين، لكنها بشكل رئيسي تأتي في نقاشات حول غزة'.

كما رأى في حديثه لـ'الخليج أونلاين'، أنها قد تكون مرتبطة أيضاً بـ'الحرب في أوكرانيا'، مدللاً على ذلك بالقول: 'هذه الزيارة جاءت بعد نحو أسبوع من زيارة قام بها الرئيس الروسي إلى السعودية'.

وحول ما يحدث في البحر الأحمر، يقول الذهب: 'المسألة الأمنية في خليج عدن والبحر الأحمر، مهمة أيضاً كونها مسألة ذات دلالات خصوصاً مع موقف الرياض منها وهو عدم التصعيد'.

وأضاف: 'الناتو له تجربة عسكرية سابقة في قمع التهديدات غير التقليدية التي تقف ورائها فواعل عنيفة في منطقة خليج عدن، حيث شارك في مواجهة القرصنة عام 2009 بعمليات عسكرية مستمرة لليوم، ومع دول الاتحاد الأوروبي التي شاركت في عملية (أطلنطا) لمواجهة القرصنة بالقرب من باب المندب'.

وحول عدم لقائه بوزير الدفاع السعودي، يقول الذهب: 'ربما يدلل ذلك على أن المسألة سياسية أكثر من أنها مرتبطة بالجانب العسكري، على الرغم أن الجانب السياسي ربما يحمل في ذات الوقت نقاش عسكري، لكنه بالأساس سياسي كون اللقاء الوحيد حدث مع نائب وزير الخارجية السعودي'.

الخليج ومبادرة إسطنبول

ترتبط دول الخليج بعلاقات متميزة مع 'الناتو'، باستثناء السعودية وعُمان، حيث مثلت 'مبادرة إسطنبول للتعاون' عام 2004؛ نقلة نوعية في طبيعة ومضمون وأبعاد التعاون متعدد الأطراف بين دول الخليج من جهة والغرب بصفة عامة، وبينها وبين الدول الأوروبية على نحو خاص، حيث ارتكزت المبادرة على أساس 'تقديم الحلف المساعدة والمشورة في مجال الأمن الإقليمي، وبناء حوار مع دول الخليج حول القضايا الأمنية الحيوية في المنطقة'.

جاءت الشراكة الاستراتيجية بين حلف الناتو ودول الخليج استناداً إلى مجموعة من الاعتبارات التي تعكس رغبة كلا الطرفين في تأمين مصالحهما، على نحو يلائم طبيعة التطورات التي لحقت بالنظام الدولي، والتفاعلات الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط عموماً.

وبينما كانت الكويت أول دولة في مجلس التعاون الخليجي تنضم إلى مبادرة إسطنبول للتعاون، مع انطلاقها، كانت قطر الثانية التي انضمت في العام 2005، ثم تلاها الإمارات والبحرين، فيما ترفض السعودية وعُمان الانضمام.

ويمثل تخلف السعودية وسلطنة عمان عن الانضمام لمبادرة إسطنبول أحد أهم التحديات التي يواجهها حلف الناتو، وهو يسعى لتحقيق الشراكة المأمولة مع المنطقة عموماً.

و'الناتو' تحالف يتكون من 30 دولة، وأُنشئ عند التوقيع على معاهدة حلف شمال الأطلسي في 4 أبريل 1949، ويتخذ من العاصمة البلجيكية بروكسل مقراً له.

جذب الرياض 

ويتشارك الباحث السياسي نجيب السماوي مع الذهب في بعض ما طرحه بخصوص النقاشات حول غزة والهجمات الحوثية في البحر الأحمر، مؤكداً أن مواقف السعودية من بعض الملفات الحالية ربما دفعت أمين عام الناتو لزيارة الرياض.

ويقول لـ'الخليج أونلاين'، إن أمر آخر ربما يحمل أبعاد وراء الزيارة 'يتمثل في محاولة الناتو لإقناع الرياض بالانضمام إلى مبادرة إسطنبول للتعاون، والتي عجز الناتو في جذب الرياض للدخول فيه'.

وأكد أن علاقة الناتو بدول الخليج تحسنت كثيراً خلال السنوات الماضية، من خلال الاتفاقيات العسكرية المختلفة، لكنها لا زالت بعيداً مع السعودية وعُمان.

ويرى أن الزيارة قد يكون هدفها أيضاً فيما يتعلق بـ'مطالبة السعودية باتفاقية ومعاهدة لحمايتها من أي هجمات قد تتعرض لها مستقبلاً إلى جانب الشروط التي كشفت سابقاً مقابل أي تطبيع للرياض مع الاحتلال الإسرائيلي'.

وحديث السماوي حول الاتفاقية، يشير إلى ما نشرته قناة 'الحرة' الأمريكية في أغسطس الماضي، عن أن الرياض طرحت عدة شروط لأي تطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي من بينها 'معاهدة أمنية متبادلة على مستوى الناتو من شأنها أن تلزم الولايات المتحدة بالدفاع عن المملكة إذا تعرضت للهجوم'.

علاقات وتقارب

وتوسعت العلاقات بشكل أكبر منذ العام 2017 مع دول الخليج، وكانت البداية بافتتاح الحلف العسكري في يناير منذ ذلك العام في العاصمة الكويتية، أول مركز إقليمي لدول مبادرة إسطنبول، ليكون الأول من نوعه خارج بروكسل.

وخلال الافتتاح يومها، قال الناتو إن المركز 'سيعزز التعاون بين الجانبين في العديد من الجوانب من بينها التحليل الاستراتيجي والتخطيط للطوارئ المدنية والتعاون العسكري، خاصة فيما يتعلق بمحاربة الإرهاب'.

ووفقاً لـ'المفهوم الاستراتيجي الجديد' للحلف، الذي أُقر عام 2010، فإن العلاقات بين الناتو ودول الخليج عموماً تقوم على أساس أن القوة العسكرية لم تعد وحدها قادرة على مواجهة المخاطر التي تهدد مصالح الشركاء، وضرورة مراعاة عدم هيمنة طرف على طرف.

وعلى الرغم من توافق الدول الخليجية على المخاطر التي تثيرها ممارسات إيران بين الحين والآخر خصوصاً قبل المصالحة الأخيرة مع الرياض، إضافة إلى غياب قوة الدولة في العراق، واحتمالات عودة الفوضى في اليمن مع الأحداث الجارية في البحر الأحمر، فإن دولاً مثل السعودية وعمان لا تتعجل الاعتماد على حلف الناتو ما دام لا يقدم ضمانات الدفاع المشترك.

وحالياً يُشكل التعليم والتدريب العسكريان حجر الزاوية فقط في السياسة الإقليمية وتحديداً مع دول الخليج لحلف الناتو، حيث تشارك في العديد من البرامج بما في ذلك التدريبات العسكرية، وحضور مقررات عملانية في كلية الناتو في ألمانيا ومقررات استراتيجية في كلية الناتو الدفاعية في إيطاليا.

وتمكنت كل من البحرين والكويت وقطر، من كسب ثقة واشنطن، من خلال تصنيفها من قبل الولايات المتحدة، أكبر الأعضاء وجوداً في الحلف، كـ'حليف رئيسي خارج الناتو'.