اخبار سلطنة عُمان
موقع كل يوم -الخليج أونلاين
نشر بتاريخ: ٢٧ أيار ٢٠٢٥
كامل جميل - الخليج أونلاين
مهنة 'الطاهي'، التي كانت إلى وقت قريب غير مرغوبة اجتماعياً في المجتمعات الخليجية، أصبحت اليوم رمزاً للموهبة، والابتكار، والاعتزاز بالهوية
عندما وقف التوأمان الإماراتيان عبد الرحمن وميثاء الهاشمي داخل المطبخ المخصص لتحضير مائدة رسمية جمعت رئيسي الإمارات الشيخ محمد بن زايد والأمريكي دونالد ترامب، لم يكن الطبق هو الحكاية؛ بل كانت القصة الأعمق: جيل خليجي جديد يعيد صياغة هوية المطبخ المحلي، ويوصله إلى طاولة العالم.
القصة هذه جرت في زيارة ترامب الأخيرة لأبوظبي، ليبرز عبد الرحمن وميثاء الهاشمي (17 عاماً)، وهما أصغر طاهيين معتمدين في الدولة، وينالا إشادة الرئيسين الإماراتي والأمريكي.
ابتكر التوأمان ثلاث وصفات باستخدام مكونات محلية، أبرزها سلطة بالتين والرطب، ولحم بصبغة أمريكية مع صلصة تمر، وحلوى بنكهة القهوة العربية.
الرئيس ترامب مازح الطاهيين الشابين قائلاً إنه لا يتوقع أن يُعجب بالطعام، لكنه عبّر لاحقاً عن إعجابه، بينما أعرب الشيخ محمد بن زايد عن فخره بهما.
التوأمان الشابان لم يقدّما مجرد مأكولات، بل سردا سردية وطنية كاملة بنكهة القهوة العربية، وتمر 'الخلاص'، وعطر الهيل، فأثارا إعجاب الزعيمين، ورسّخا فكرة أن المطبخ الخليجي لم يعد حكراً على البيوت فقط، بل بات لغةً عالمية.
نهضة الطهاة
شهد الخليج العربي خلال العقد الأخير تحولاً نوعياً في صناعة الطهي، لم يعد مقتصراً على تقديم الأطباق التقليدية بل بات أداةً للتأثير الثقافي والترويج للهويات المحلية في العالم.
ليس المطبخ الخليجي مجرد مجموعة وصفات أو مكونات، بل هو حكاية تُروى من خلال التوابل والبهارات، وتُكتب بخبرة الأيدي التي ورثت أسرار الطهي أباً عن جد.
وفي الخليج يبرز عدد من الطهاة الذين تجاوزوا حدود المهنة ليصبحوا وجوهاً مُلهمة، تحمل رسائل من التراث والنكهة والابتكار.
هؤلاء الطهاة ليسوا مجرّد محترفين خلف مواقد النار، بل رواة قصصٍ ينسجون عبر كل طبق ملامح ثقافة، وأحاسيس دفء البيت، وذاكرة المجالس القديمة.
فمن خلال وصفاتهم الغنية، وبرامجهم التلفزيونية أو الرقمية، استطاعوا أن ينقلوا المطبخ الخليجي من البيوت إلى الشاشات، ومن الذاكرة المحلية إلى الذائقة العالمية.
أسماء نالت شهرة واسعة
في زوايا المطبخ الخليجي تختبئ حكايات لا تُروى بالكلمات بل تُقدَّم على أطباق تعبق برائحة الهيل والزعفران، وتلامس الذوق بلمسة من الفخر والانتماء.
هذه الحكايات أبطالها طهاة لم يكتفوا بإتقان فنون الطهي، بل جعلوا من كل وصفة رسالة، ومن كل مائدة مساحة للتواصل بين الماضي والحاضر.
هؤلاء الطهاة لا يصنعون الطعام فحسب، بل يحيون الذاكرة، ويُعيدون تقديم الموروث بطرق مبتكرة تعكس جمال الأصالة وروح التجديد.
لذلك هم تحولوا إلى طهاة ملهمين للأجيال؛ لا سيما بعد نيل كثيرين منهم شهرة واسعة خارج حدود بلدانهم، عبر وسائل الإعلام والمنصات الإلكترونية، ليكونوا سفراء حقيقيين للمطبخ على الصعيدين المحلي والعالمي.
من أبرز هذه الأسماء الشيف العُماني عيسى اللمكي، الذي يعدّ من أبرز الشخصيات في عالم الطهي بالسلطنة، ويوصف بسفير المطبخ العُماني.
بحديث سابق للصحافة يقول اللمكي: 'أسلوبي في الطهي بسيط، بمعنى أنني لا أضع قيوداً أو قوانين في الطهي، حتى يتسنى لي تطوير وتغيير كل ما أريده في المأكولات لكي أواكب المطابخ العالمية ولكن بنكهة محلية'.
في قطر تعدّ الشيف حصة السليطي من أبرز الطهاة المحليين، وهي مؤسِّسة وصاحبة أحد المطابخ المعروفة، والذي تعمل من خلاله على إيصال النكهة القطرية إلى مصاف النكهات العالمية المعروفة.
نجحت السليطي في ترسيخ اسم مشروعها منذ 2015، ليكون بذلك أول مطبخ شعبي قطري يحصل على شهادة الآيزو 'ISO' للسلامة الغذائية في قطر. وأسست عام 2018 سلسلة مطاعم للوجبات السريعة بمعايير عالمية.
في البحرين تعد الشيف تاله بشمي من أبرز الطهاة المحليين، وتعدّ صاحبة حضور دولي، لا سيما أنها فازت بجائزة أفضل طاهية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لعامي 2022 و2025.
الشيف السعودي عدنان يماني يُعد من أهم الشخصيات في عالم الطهي بالمملكة، وهو مبتكر لأكثر من 200 وصفة طعام.
أسهم يماني في تطوير وصفات تجمع بين الأصالة والابتكار، مما جعله من أبرز الطهاة المؤثرين في المملكة.
يُعتبر الشيف فيصل الهرمودي من روّاد المطبخ الإماراتي المعاصر، حيث يُعرف بابتكاره لأطباق تمزج بين النكهات الإماراتية التقليدية والتقنيات الحديثة، ويسهم في تعزيز حضور المطبخ الإماراتي على الساحة العالمية من خلال مشاركاته في الفعاليات الدولية.
ويعدّ الشيف خالد البكر من أبرز الطهاة الكويتيين الذين نالوا شهرة واسعة وحققوا إنجازات دولية.
يُقدم البكر وصفات متنوعة تشمل الأطباق الكويتية التقليدية والأطباق العالمية بلمسة خاصة، مع التركيز على تقديم المحتوى بطريقة مبسطة وجذابة.
شباب الخليج يرتدون المئزر بفخر
المفارقة اللافتة أن مهنة 'الطاهي'، التي كانت إلى وقت قريب غير مرغوبة اجتماعياً في المجتمعات الخليجية، أصبحت اليوم رمزاً للموهبة، والابتكار، والاعتزاز بالهوية.
فالشباب الخليجي –فتياناً وفتيات– باتوا يُقبلون على معاهد فنون الطهي بلهفة، لا لأنهم يبحثون عن وظيفة، بل لأنهم يريدون سرد حكاية أوطانهم بلغة الطعام.
ذلك الإقبال هو ما جعل دول الخليج تسعى لإطلاق معاهد ومراكز وأكاديميات متخصصة للطهي.
ومن بين أبرز هذه المؤسسات 'أكاديمية زادك لفنون الطهي' و'أكاديمية كاتريون' في السعودية، و'معهد الخليج لتدريب فنون الطهي' في البحرين، و'المركز الخليجي لتعليم فنون الطهي والإتيكيت' في قطر، و'المركز الدولي لفنون الطهي' في دبي.
ابتكار وتجديد
لم تعد الكبسة أو الهريس مجرد أطعمة تقليدية، بل أعاد الطهاة الخليجيون ابتكار هذه الأطباق بقوالب معاصرة تصلح لتُقدَّم في مطاعم حاصلة على نجوم ميشلان.
وأسهمت هذه التحولات في فرض المطبخ الخليجي على الخريطة الإقليمية والدولية، من خلال المشاركة في مهرجانات الطعام العالمية، مثل مهرجان 'مذاق دبي'، ومسابقة 'Top Chef' بنسختها العربية.
الجيل الجديد من الطهاة في الخليج لا يتعامل مع المطبخ بصفته حرفة فقط، بل لكونه مشروعاً ثقافياً وإنسانياً وجمالياً.
وأصبح لكل طبق قصة، ولكل نكهة جذر، ولكل مائدة رسالة، وما فعله التوأمان عبد الرحمن وميثاء ليس استثناءً، بل هو انعكاس لتيار واسع يعيد تعريف معنى الانتماء في عصر العولمة، باستخدام أدوات بسيطة: مقلاة، وتوابل، وخيال.