لايف ستايل
موقع كل يوم -ال عربية
نشر بتاريخ: ١٧ أيار ٢٠٢٢
عندما رأيتُ مُحسِن مِن جديد في جنازة والدتنا، بالكاد تعرّفتُ عليه. إقتربتُ منه وأمسكتُ بِيَده، فلا بدّ أنّه عانى أكثر منّا جميعًا مِن فقدان والدته.
في الواقع، لقد بقيَ مُحسِن في منزل العائلة بعد أن ماتَ أبي، وغادرنا جميعًا لِنعيش حياتنا مع أزواجنا وزوجاتنا. وللحقيقة، كان هو الأصغر سنًّا بيننا ولم يكن غريبًا في تقاليدنا أن يبقى الأصغر في البيت بإنتظار الزواج وتكوين أسرة. لكنّه لَم يتزوّج وكان مِن الواضح أنّ السبب الأوّل والأخير هو والدته.
فكنّا نعرفُ جميعًا أنّ أمّنا لَم تكن سهلة الطباع، لا بَل العكس تمامًا. وزواجنا المُبكر كان بالحقيقة هربًا منها. كنّا نحبُّ تلك المرأة إلا أنّها لَم تُبادلنا هذا الحبّ، أو على الأقلّ ليس كما تفعلُ أيّ أمّ غيرها. إضافة إلى قساوة قلبها، فقد كانت مُتسلّطة وعنيدة لا تقبلُ أن تُعصى أوامرها حتى لو كانت خاطئة. كنتُ قد عرضتُ في ما مضى على أخي الصغير العَيش معي أو مع أيّ مِن أخوَتي أو أخواتي، إلا أنّه طمأنَني بأنّه سيكون بِخير. لكنّه ظهَرَ لي بحالة يُرثى لها في ذلك النهار، فاصطحبتُه بالقوّة إلى منزلي حيث بدأ بالبكاء على أمّنا وبالكاد أكَلَ أو شربَ شيئًا. عادَ مُحسِن إلى البيت عالمًا تمام العلم أنّ المكان الذي ينتظرُه سيكون فارغًا وباردًا، بعد أن تركَته صاحبته المُفعمة بالحيويّة والقوّة. فهي لَم تمُت مِن جرّاء مرض ما أو بِفعل كبر سنّها، بل لأنّها وقعَت عن السلالم. مَن يدري كَم كان مُقدّرًا لها أن تعيش لولا ذلك الحادث المؤسف؟
هل حزنتُ على موت أمّي؟ أجل... ولا. فأنا كنتُ مُتأكّدة مِن أنّ غيابها سيُزيل عن مُحسن ثقلاً كبيرًا، وأنّه سيتمكّن أخيرًا مِن العَيش كما كان مُقدّرًا له لولا طغيان أمّه.
بقيتُ على اتّصال بأخي الصغير يوميًّا لأطمئنّ عليه، ولدعوتِه مرارًا إلى الغداء أو العشاء كي لا يبقى بمفرده وتُراودُه أفكارٌ سوداء. لكنّه فضّل الإنعزال لفترة واحترَمتُ رغبته هذه.
وبعد حوالي الأسبوعَين، تفاجأتُ بمُحسن يدقُّ بابي ويقفُ أمامي وعائلتي وبسمة كبيرة على وجهه. خلتُه يدّعي الفرَح، إلا أنّه أخبرَنا قصصًا طريفة وضحِكَ عاليًا معنا أثناء العشاء. ودّعتُه وبالي مشغول عليه. لكنّ أخي كان بالفعل سعيدًا، إذ أنّه غيّر أثاث البيت الذي كان قديمًا للغاية، وصارَ يدعو الناس للسهر عنده، وتوّجَ حياته الجديدة بالتعرّف إلى صبيّة جميلة. كنتُ على حقّ، بدأ مُحسن يتنفّس الصعداء بعد رحيل التي أسرَته وتحكّمَت بحياته منذ لحظة ولادته.
إرتاحَ قلبي نهائيًّا عندما تزوّجَ مُحسن بعد أربعة أشهر على موت أمّه، وأقامَ، خلافًا للتقاليد في هكذا حالة، فرَحًا كبيرًا. ومَن يستطيع لومه؟ فالحياة للأحياء وليس للأموات.
كنّا قد صِرنا جميعًا مُتزوّجين، أيّ أنّ حياتنا على السكّة الصحيحة. وسرعان ما نسينا أمر والدتنا. لكن بعد أقلّ مِن ستّة أشهر على زواجه، جاءَت إليّ زوجته طالبة النصيحة. تفاجأتُ بها، فهي لَم تكن مُقربّة منّي لِدرجة زيارتي مِن دون موعد. قالَت لي:
ـ أعلَم كَم أنّكِ مُقرّبة مِن مُحسن... لكنّ الوضع هو... دقيق بعض الشيء.
ـ ما الأمر يا حبيبتي؟ يمكُنكِ قول ما تشائين لي.
ـ لهذا السبب جئتُ إليكِ في الواقع... يا إلهي كيف أقولُ ذلك... مُحسن لَم يقُم بواجباته الزوجيّة معي.