لايف ستايل
موقع كل يوم -ال عربية
نشر بتاريخ: ١ كانون الأول ٢٠٢١
حين استلَمتُ وزوجي عملَنا الجديد في المبنى، جِلتُ على سكّانه لأُعرّفَهم بنفسي وأعرضُ عليهم خدماتي كزوجة ناطور. كنتُ في الثالثة والعشرين مِن عمري، ولَم أكن أعرفُ بعد مدى الأذى الموجود في العالم، إلا أنّني كنتُ سأشهَد على قساوة قلوب أولاد تجاه أمّهم. وأستطيع القول إنّ ما جرى قد غيَّرَ نظرَتي إلى بني جنسي إلى الأبد.
الناس الذين أتكلّمُ عنهم سكَنوا الطابق الثالث سنوات طويلة قبل قدومي، فالمبنى كان قديم للغاية ويقَع في شارع ضاقَ مع الوقت بسبب العمار الذي حدَثَ فيه، وكثرة السيّارات التي صارَت تركنُ على جانبَي الطريق. كانت تلك العائلة مؤلّفة مِن الأب والأمّ وأربعة أولاد تخطّوا جميعًا الثلاثين مِن عمرهم. لَم يتزوّج أيّ منهم لأسباب مجهولة عنّي، فالبنات والشاب كانوا كاملي الأوصاف ومُتعلّمين. وحده الأب كان على ما يبدو يفتقدُ للعِلم والثقافة وحتى التهذيب، فهو كان يقضي وقته بالصراخ على زوجته ويشتمُها تحت أيّ ذريعة، وكانت المسكينة تبقى صامتة أمام هذا الكمّ مِن العنف المجّاني. أعلمُ ذلك مِن الذي كنّا نسمعه خاصّة ليلاً حين كانت تهدأ حركة المرور. أسفتُ مِن أجل الزوجة، السيّدة سامية، لأنّ لا أحد مِن أولادها كان يُدافعُ عنها أو يُحاول ردّ الأب عنها.
وحصَلَ أن ماتَ ربّ تلك العائلة بعد سنتَين على قدومنا المبنى، وأعترفُ أنّني شعرتُ بشيء مِن الراحة نيابةً عن زوجته التي كانت ستعيشُ أخيرًا بكرامة بعيدًا عن الإهانة اليوميّة. أقاموا له مأتمًا ولبسَت سامية الأسود كما تجري العادة. بعد فترة، تزوّجَت أخيرًا إحدى البنات ورحَلت إلى بيتها الجديد، وبقيَ ثلاثة برفقة أمّهم.
قد يظنُّ القارئ أنّ الأحوال هدأَت بعد موت ذلك الطاغي، إلا أنّ الإبن أخَذَ مكان أبيه في توبيخ أمّه على كلّ صغيرة. إنتابَني غضبٌ شديدٌ فقرّرتُ أن أتصرّف.