هيئة الاعلام والقانون والدستور: جدل الحرية والانضباط في العراق

27 غشت، 2025

بغداد/المسلة: تهز قرارات هيئة الإعلام والاتصالات الأخيرة المشهد الإعلامي في العراق بعد أن أعلنت عن منع ظهور مجموعة من الناشطين والمحللين السياسيين على شاشات الفضائيات، في خطوة أثارت عاصفة من الجدل حول مستقبل حرية التعبير وأفق الحريات الإعلامية في بلد ما زال يتلمس طريقه نحو الديمقراطية.

وتستند الهيئة في قرارها إلى ما وصفته بمخالفات صريحة للوائح وقواعد البث الإعلامي، معتبرة أن بعض الأصوات تجاوزت حدود النقد البنّاء إلى التحريض على العنف، ونشر الفوضى، والإضرار بالصالح العام، وفق ما أكد عضو مجلس المفوضين هشام الركابي.

ويشرح الركابي، في توضيح  أن الهيئة مستقلة وتعمل بموجب القانون، وأن قراراتها ليست سياسية بل تنظيمية، هدفها ضبط الأداء الإعلامي وحماية المجتمع من خطاب الكراهية والطائفية والتحريض، مستشهداً بلوائح السلوك الإعلامي التي تحظر التشهير ونقل المعلومات المجهولة أو غير المثبتة، والتعدي على سمعة الأشخاص وحقوقهم.

وتتصاعد المخاوف لدى ناشطين ومنظمات مدنية من أن تكون تلك القرارات بوابة لإسكات الأصوات المعارضة وتقييد النقاش العام، خصوصاً مع ما تشهده البلاد من توترات سياسية وانقسامات اجتماعية، حيث يرى مراقبون أن أي تضييق على الإعلام في هذه المرحلة الحساسة قد يحول القنوات إلى منصات رسمية صامتة تخلو من النقد والمساءلة.

وفي نفس الوقت، يحذر مراقبون من أن بعض الناشطين والمحللين باتوا يوظفون حرية التعبير كسلاح للفوضى، عبر بث أخبار مضللة وترويج شائعات تستهدف استقرار المجتمع.

ويؤكد مسؤولون أن هذا الاستخدام المنفلت للمنابر الإعلامية يضر بالصالح العام، ويقود إلى تشويه الحقائق وتأليب الرأي العام على أسس واهية.

ويشير مختصون إلى أن هذه الممارسات لا تندرج ضمن النقد البنّاء، بل تُصنّف في خانة التحريض والإساءة المقصودة، وهو ما دفع هيئة الإعلام والاتصالات إلى التدخل للحد من انتشارها.

ويؤكد الخبير القانوني علي التميمي، في تصريحات لوسائل إعلام محلية، أن خطورة الموقف تكمن في غياب قانون متكامل ينظم حرية التعبير وجرائم الإنترنت في العراق، ما يفتح الباب أمام التباسات خطيرة بين حرية الرأي المشروع والسب والقذف والتشهير.

ويضيف التميمي أن الهيئة تستند إلى المادة 38 من الدستور العراقي التي تكفل حرية التعبير 'بشرط ألا تتعارض مع النظام العام والآداب'، وأنها تمتلك آليات رقابية تشمل الإنذار والغرامة، وقد تصل إلى سحب الرخصة الإعلامية نهائياً.

وتكشف تصريحات التميمي عن وجود ثغرة قانونية عميقة، حيث يظل الحد الفاصل بين النقد البناء والإساءة الشخصية غامضاً، في وقت يتضاعف فيه تأثير وسائل التواصل الاجتماعي التي صارت ساحة مفتوحة للتجاذبات والتحريض. ويشير إلى أن 'مجلس الطعن' المكوَّن من قاض وخبير قانوني ومختص بالاتصالات يمثل جهة الطعن الوحيدة في قرارات الهيئة، وأن قراراته باتة ونهائية، ما يجعل حرية الإعلام معلّقة بين تفسيرات قانونية متضاربة.

About Post Author

moh moh

See author's posts