اخبار العراق
موقع كل يوم -المسلة
نشر بتاريخ: ١٨ أيلول ٢٠٢٥
18 شتنبر، 2025
بغداد/المسلة: جفّت مياه الأهوار تدريجيًا، تاركةً خلفها أرضًا متشققة وأحلامًا مكسورة لسكانها من عرب الأهوار.
وتحوّلت المستنقعات الخضراء، التي كانت يومًا ملاذًا للتنوع البيولوجي ومصدر رزق لآلاف العائلات، إلى صحراء قاحلة تئن تحت وطأة التلوث والاستغلال الاقتصادي.
وأجبرت هذه الظروف القاسية أعدادًا كبيرة من السكان على ترك قراهم بحثًا عن الماء، ذلك الشريان الذي كان ينبض في قلب الأهوار.
ويقول جاسم محمد، أحد سكان الأهوار الذين نزحوا إلى ضواحي البصرة: 'كانت الأهوار بيتنا ومصدر حياتنا، لكن اليوم لا نجد قطرة ماء لنروي بها أرضنا أو نسقي بها أطفالنا.'
ويعاني سكان الأهوار منذ عقود من ويلات الحروب والسياسات الخاطئة، لكن الجفاف الحالي يُعدّ الأكثر فتكًا. وتشير التقارير البيئية إلى أن تجفيف الأهوار لم يكن نتيجة عوامل طبيعية فحسب، بل نتيجة تدخلات بشرية مدمرة، أبرزها عمليات استخراج النفط التي تستنزف الموارد المائية.
ويصف أحمد الزبيدي، ناشط بيئي من ميسان، الوضع بقوله: 'نحن نفقد أهوارنا لصالح براميل النفط، والحكومة تتفرج بينما يُدمَّر تراثنا ومستقبلنا.'
النفط يسرق الماء
ويعتمد قطاع النفط العراقي على تقنية الحقن المائي، التي تستهلك كميات هائلة من المياه لاستخراج الخام. وتتطلب هذه العملية، بحسب خبراء، ما يصل إلى برميلين من الماء لكل برميل نفط يُستخرج. وتُسحب هذه المياه غالبًا من نهر دجلة أو من محطات مخصصة للري الزراعي، مما يفاقم أزمة الفقر المائي في البلاد. وتؤكد صور الأقمار الصناعية استمرار هذا السحب رغم وعود الحكومة باستخدام المياه المالحة أو المعالجة بدلًا من المياه العذبة.
ويقول المهندس علي حسين، خبير في صناعة النفط: 'الشركات النفطية تُفضّل استخدام المياه العذبة لأنها أقل تكلفة، لكن هذا الاختيار يكلفنا بيئتنا وحياة الناس.'
ويضيف أن العراق، الذي يعاني أصلًا من شح مائي، لا يستطيع تحمل هذا العبء الإضافي. وتُظهر الأرقام أن حصة الفرد من المياه في العراق لا تتجاوز 300 متر مكعب سنويًا، وهو رقم يُصنّف البلاد ضمن الدول التي تعاني من الفقر المائي الحاد، مقارنة بالحد الأدنى الآمن الذي تحدده الأمم المتحدة بـ1000 متر مكعب للفرد.
وعود حكومية وتردد
وتعهدت الحكومة العراقية مرارًا بالتوقف عن استخدام المياه العذبة في عمليات استخراج النفط، لكن الواقع يحكي قصة مختلفة.
وتوثق التقارير استمرار سحب المياه من شبكات الري ومحطات تنقية مياه الشرب، مما يثير غضب السكان المحليين.
وتساءل فاطمة عبد الله، وهي مزارعة من قضاء الچبايش: 'كيف يمكن أن نزرع أو نعيش بينما يذهب ماؤنا للنفط؟ أين الأولوية؟'
وتفاقم هذه الأزمة من هشاشة الوضع الاجتماعي في المنطقة، حيث يعتمد معظم سكان الأهوار على الزراعة وصيد الأسماك.
ويحذر خبراء من أن استمرار هذه السياسات قد يؤدي إلى نزوح جماعي جديد، يُهدد بتفريغ الأهوار من سكانها الأصليين.
ويقول الدكتور محمود السامرائي، أستاذ العلوم البيئية: 'إذا لم تتخذ الحكومة إجراءات عاجلة لتقليل الاعتماد على المياه العذبة في الصناعة النفطية، فإننا سنشهد كارثة إنسانية وبيئية غير مسبوقة.'
About Post Author
moh moh
See author's posts