اخبار العراق
موقع كل يوم -المسلة
نشر بتاريخ: ٢٩ أيلول ٢٠٢٥
29 شتنبر، 2025
بغداد/المسلة: تمثل قضية تسرب براميل مثبطات الرغوة إلى الأسواق المحلية في ميسان صورة مكثفة لتشابك الإهمال الإداري مع هشاشة البنية البيئية والقانونية في العراق، إذ تتحول أدوات الحقول النفطية إلى أدوات يومية داخل بيوت الفقراء، من دون إدراك للتداعيات الصحية والبيئية المترتبة على ذلك.
وبراميل مثبطات الرغوة عادة ما تحتوي على كحول وسيليكونات ووبوليمرات خاصة، وبعد التفريغ، تبقى طبقة أو ترسبات على جدران البرميل الداخلية، وإذا ما تم استخدامها لخزن المياه فقد تسبب اضطرابات في الجهاز الهضمي، تسمم الكبد والكلى ومشاكل في الجهاز العصبي، واضطراب الغدد والهرمونات.
ويسلط هذا المشهد الضوء على فجوة واضحة بين التشريعات الوطنية التي تُلزم الشركات النفطية بمعايير بيئية صارمة، وبين الممارسات الواقعية التي تكشف عن ضعف الرقابة وتواطؤ بعض الموظفين في تسريب مواد محظورة الاستخدام البشري. ويضع هذا التناقض الحكومة في موقف حرج بين خطابها الرسمي بشأن حماية البيئة، وواقع التجاوزات المستمرة في الحقول النفطية.
ويدفع استمرار هذه الظاهرة إلى التساؤل عن البنية المؤسسية المعنية بالرقابة البيئية، إذ يبدو أن غياب الشفافية والمحاسبة يفتح المجال أمام شبكات صغيرة لتسويق المخلفات الخطرة، وهو ما يحول المشكلة من خطأ إداري إلى شبكة فساد منظمة تتقاطع فيها المصالح المحلية مع الأطراف الأجنبية العاملة في قطاع النفط.
ويكشف البعد الصحي للقضية عن تهديد مباشر للأمن الإنساني، إذ تحمل بقايا المواد الكيميائية في هذه البراميل احتمالية إصابة السكان بأمراض مزمنة مرتبطة بالكبد والكلى والجهاز العصبي. ويتداخل هذا الخطر الصحي مع خطر بيئي أوسع، حيث يتعرض النظام الإيكولوجي في الأهوار لتدمير ممنهج بفعل رمي المخلفات النفطية ودفن التربة الملوثة، ما يؤدي إلى تهديد التنوع البيولوجي وتقويض معيشة المجتمعات المحلية.
ويفتح البعد الدولي للقضية ملف التزامات العراق بموجب الاتفاقيات البيئية العالمية، من “اتفاقية رامسار” إلى “اتفاقية التنوع البيولوجي”، الأمر الذي ينقل المشكلة من نطاقها المحلي إلى نطاق قانوني دولي قد يضع الدولة أمام مساءلة أكبر. وهنا يبرز السؤال الجوهري حول قدرة الحكومة العراقية على الموازنة بين مصالحها النفطية الآنية وبين استحقاقاتها البيئية طويلة المدى.
ويطرح هذا المشهد برمته معادلة صعبة بين الاقتصاد والسيادة البيئية، إذ يبدو أن ميسان تتحول إلى ساحة اختبار لمدى جدية الدولة في فرض القانون وتطبيق المعايير العالمية، أو الاكتفاء بسياسة غض الطرف لصالح عوائد النفط. ويمثل الحسم في هذا الملف اختباراً سياسياً وأخلاقياً بقدر ما هو اختبار إداري وفني.
—
About Post Author
moh moh
See author's posts