اخبار العراق
موقع كل يوم -المسلة
نشر بتاريخ: ٥ تشرين الأول ٢٠٢٥
5 أكتوبر، 2025
بغداد/المسلة: ابتدأت الحكاية من قبة البرلمان، حيث تكرّر مشهد المقاعد الفارغة أكثر من مرة حتى صار الغياب عادة لا استثناء، وغدت جلسات النواب تُعقد بنصف الحضور أو أقل، فيما تتوارى الشعارات خلف الكواليس الحزبية التي تلتهم ما تبقى من التزام وطني.
وقال موظف في البرلمان – فضّل عدم ذكر اسمه – إن الغياب لم يعد حالة فردية بل ظاهرة ممنهجة، موضحاً أن بعض النواب يتعاملون مع حضور الجلسات كخيار شخصي لا كواجب وطني، مؤكداً أن أسماء بعينها لم تُشاهد في القاعة منذ اشهر، لكنها ما تزال تتقاضى مخصصاتها كاملة.
وقال عضو اللجنة القانونية النيابية، محمد عنوز أن النظام الداخلي لمجلس النواب ينص على استقطاع مليون ونصف المليون دينار من راتب كل نائب متغيب، ونشر اسمه للرأي العام، إضافة إلى فصل النائب الذي يتغيب عن خمس جلسات متتالية دون عذر مشروع.
وظهرت خلال الأشهر الأخيرة قوائم مسرّبة تتحدث عن أكثر من ثمانين نائباً «فضائياً» لا يُعرف إن كانوا على مقاعدهم فعلاً أم في مقار أحزابهم، حيث انشغل كثير منهم بمهام حزبية أو أعمال تجارية خاصة، بينما يبقى الشارع يتساءل عن دور ممثليه في مواجهة أزمات البلاد المتراكمة.
واستغرب مراقب سياسي أن يتحول الغياب عن الجلسات إلى أمر طبيعي في مجلس يُفترض أنه مرآة الشعب، مؤكداً أن الأحزاب المتنفذة تمنح الحماية لأعضائها النواب مهما بلغت مخالفاتهم. وقال إن «كل نائب يعرف أن حزبه سيحميه إن تغيب، فلا أحد يجرؤ على المساءلة خشية من الاصطدام بالكتل الكبيرة».
وتحدثت إحدى الموظفات في الدائرة القانونية للمجلس عن غياب تطبيق النظام الداخلي الذي ينص بوضوح على معاقبة النواب المتغيبين بقطع الرواتب أو الفصل بعد تجاوز الحد المسموح، وقالت إن «الأنظمة موجودة لكن الإرادة غائبة»، مشيرة إلى أن «قرارات العقاب تُجمّد في الأدراج حالما يلوّح أحد النواب بانتمائه السياسي».
وأقرّ نائب سابق بأن الظاهرة ليست جديدة، بل تضخمت بعد كل دورة انتخابية، موضحاً أن «الولاء الحزبي طغى على الالتزام النيابي»، وأن معظم النواب الذين يتغيبون عن الجلسات يفعلون ذلك بناء على توجيهات أحزابهم التي تفضّل التركيز على الملفات السياسية لا التشريعية. وأضاف أن «المجاملات والخشية من الاصطدام الحزبي جعلت البرلمان فاقداً لهيبته».
وأثار ناشطون على منصات التواصل موجة من السخرية بعد نشر صور لجلسات شبه فارغة، حيث غرّد أحدهم قائلاً: «النواب الحاضرون أقل من عدد المصورين»، بينما كتب آخر: «الشعب انتخبهم ليمثلوه في البرلمان.. فاختفوا في مكاتب أحزابهم».
واستمر الجدل حول الحلول الممكنة لوقف نزيف الغياب، وسط مطالبات شعبية بسنّ قانون جديد يضمن الشفافية في كشف حضور النواب علناً، فيما يرى آخرون أن المشكلة ليست في القوانين بل في إرادة التنفيذ التي تصطدم دائماً بجدار الحزبية والمصالح المتبادلة.
وتتصاعد الدعوات الى تشكيل لجنة مستقلة لمراقبة الحضور والانضباط البرلماني، حيث ان غياب المساءلة يعادل غياب الديمقراطية نفسها.
About Post Author
moh moh
See author's posts