اخبار العراق
موقع كل يوم -ار تي عربي
نشر بتاريخ: ١٧ تشرين الثاني ٢٠٢٥
إن عمليات القتل خارج نطاق القضاء قبالة سواحل فنزويلا ليست إلا إشارة على انهيار النظام العالمي القائم على القواعد. سيمون تيسدال – The Guardian
إن قرار المملكة المتحدة بتقييد تبادل المعلومات الاستخباراتية مع البنتاغون بشأن قوارب مهربي المخدرات المشتبه بهم في منطقة البحر الكاريبي، يُعدّ عملاً مُتواضعاً، وإن كان رمزياً، لمقاومة انهيار النظام العالمي المبني على القواعد. ويُقال إن بريطانيا اعترضت على الغارات الجوية الأمريكية المتكررة والقاتلة على مهربين مشتبه بهم قبالة سواحل فنزويلا، والتي أُدينت على نطاق واسع باعتبارها عمليات قتل خارج نطاق القضاء تُرقى إلى مستوى القتل.
ويبدو أن هذه الضربات تنذر بهجمات أمريكية مباشرة على فنزويلا نفسها. ولا تخفى الرغبة في الإطاحة بنظام نيكولاس مادورو الذي يبدو يسارياً. ويؤيد معظم الفنزويليين هذا الهدف، ولكنهم لا يؤيدون وسائله.
إن تغيير النظام الذي تفرضه قوة أجنبية بالقوة يخالف القانون الدولي، ما لم تُصرّح به الأمم المتحدة أو يُنفّذ دفاعاً عن النفس كملاذ أخير. وسواء أكان قانونياً أم لا، فلن ينتهي الأمر بخير أبداً.
تفتقر الولايات المتحدة إلى مبرر مقنع للحرب رغم تصوير ترامب لمادورو، وزعماء كارتل أمريكا اللاتينية، على أنهم 'متورطون بالمخدرات'. وتعتقد الولايات المتحدة أنها فوق القانون، وأن القوة تصنع الحق.
إن من تجليات العصر الحديث هو الاستهزاء بمفهوم وجود قواعد مشتركة وعمل مشترك لمعالجة المشاكل العالمية المشتركة. وقد يبرز صراعان خطيران وسريعا التطور قريباً: الأول هو الهجوم الأمريكي المتوقع على فنزويلا، والثاني هو احتمال إعادة إشعال حرب الصيف غير المنتهية بين إسرائيل وإيران، إلى جانب هجوم إسرائيلي متجدد على حزب الله في لبنان – وهذان الصراعان قد يكونانأسوأ بكثير هذه المرة.
والأسوأ من الصراعات هو عدم وجود خطة لليوم التالي، كما حصل مع جورج دبليو بوش في العراق عام 2003. وكذلك الاعتقاد بأن الديمقراطية ستسود في المكان بطريقة سحرية في كاراكاس ما بعد الانقلاب. ومن غير المقبول أيضاً أن يكون منظور الحرب على دولة ما اقتصادي بحت، كالطمع في النفط والغاز والمعادن على حساب ازدهار المواطنين وأمنهم.
هناك سابقة يجب على الولايات المتحدة أخذها في الاعتبار وهي الغزو الأمريكي عام 1989 الذي أطاح بدكتاتور بنما، مانويل نورييغا، المتهم أيضاً بتهريب المخدرات. ووقتها لم تكن العملية سهلة، بل تم قتل مئات المدنيين وبعض الجنود الأمريكيين. أما في حال فنزويلا قالبلد أكبر بكثير ويصعب إخضاعه.
لقد أجريتُ تقريراً مباشراً عن أزمة بنما لصحيفة الغارديان. ففي عام 1989 سارت الأمور على نحوٍ خاطئٍ بالنسبة لـ'أسماك البيرانا'، وهو الاسم الذي أطلقه نورييغا على الغزاة، وقد يتكرر ذلك مرة أخرى. وكما هو الحال دائماً، فقد كان جورج بوش الأب، المنتخب حديثاً، بحاجة إلى نصر في 'حربه الرئاسية على المخدرات' الشهيرة. وكان نورييغا، المخبر السابق لوكالة المخابرات المركزية، يعرف أكثر مما ينبغي؛ أما بوش، المدير السابق لوكالة المخابرات المركزية، فأراد إسكاته. واليوم تتم شيطنة مادورو تحت عنوان هزيمة أباطرة المخدرات.
أما مشاكل انعدام القانون في الشرق الأوسط فتتركز بشكل رئيسي على إسرائيل وإيران. فبعد أن تم إجبار نتنياهو على وقف إطلاق النار في غزة (الذي لا يلتزم به)، يسعى نظام نتنياهو، المدمن على العنف والرافض للسلام، إلى استهداف الفلسطينيين من قبل المستوطنين اليهود واستهداف فلسطينيي الضفة الغربية، لاسيما بقطع إمدادات الغذاء والماء، والاستمرار في أعمال الإبادة الجماعية في غزة.
وتقصف إسرائيل جنوب لبنان مجدداً، مدّعية أن الجيش اللبناني فشل في نزع سلاح حزب الله بعد هدنة العام الماضي، وأن المقاتلين المدعومين من إيران يعيدون تنظيم صفوفهم. وحذر أمير تيبون، المعلق في صحيفة هآرتس، قائلاً: 'إن نتيجة هذا الواقع هي احتمال متزايد بأن تتصاعد هجمات إسرائيل على لبنان إلى حرب شاملة مجدداً في مرحلة ما خلال الأسابيع المقبلة'.
إن استئناف الحرب المباشرة بين إسرائيل وإيران أكبر مصدر للقلق. ومن الواضح أن الهجمات على المنشآت النووية الإيرانية في يونيو لم تسفر عن تدميرها بالكامل كما قالت الإدارة الأمريكية. ومن اللافت للنظر أن كلاً من ترامب ونتنياهو هددا منذ ذلك الحين بشن هجوم جديد. ويشير المحللون إلى أن هجوماً إسرائيلياً آخر أمر لا مفر منه، نظراً للشكوك التي لا تهدأ حول قدرات إيران النووية وانهيار المفاوضات وعمليات التفتيش التي تقوم بها الأمم المتحدة وإعادة فرض عقوبات أشد صرامة.
تعدّ إيران في ظل الاضطرابات السياسية والاقتصادية الحالية هدفاً مغرياً لنتنياهو الذي يُصرّ على أنها لا تزال تُشكّل تهديداً وجودياً. لكن نقاط الضعف الحالية في إيران قد تجعل طهران أكثر خطورة. وتُفيد التقارير بأن إيران تُصنّع آلاف الصواريخ، وإذا تعرّضت لهجوم فقد تردّ بقوة أكبر في المرة القادمة.
إنّ تكرار نوبة عدوان إسرائيلية غير مُبرّرة، مدعومة من الولايات المتحدة، سيكون مثالاً آخر على انعدام القانون المفرط. ولكن من سيوقفه؟ لا الأمم المتحدة، ولا المحاكم الدولية، ولا أوروبا المذعورة ولا الدول العربية. وقد تتكشف قصص محزنة مماثلة في حال العجز عن مواجهة تحديات الخصوم مثل روسيا والصين.
هكذا يبدو العالم اليوم؛ فسباق التسلح النووي في أوجه، ولم تعد تقيده الاتفاقيات ولا المنطق السليم. وقد تتسبب الفوضى العارمة مع انهيار قواعد النظام العالمي بموتنا جميعاً.
المصدر: The Guardian
المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب






































