اخبار العراق
موقع كل يوم -ار تي عربي
نشر بتاريخ: ٢٠ تموز ٢٠٢٥
من اغتيال جون كينيدي إلى فضيحة إبستين، فقدت السلطات الحكومية مصداقيتها. واشنطن بوست
لقد قللت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية لعقود من شأن معرفتها بأنشطة لي هارفي أوزوالد قبل اغتياله الرئيس جون كينيدي. وتثبت وثائق كشفتها مؤخراً فرقة عمل تابعة لمجلس النواب أن ضابطاً يُدعى 'هوارد' - واسمه الحقيقي جورج جوانيدس - أدار مجموعة كوبية تواصلت مع أوزوالد. وكانت وكالة المخابرات المركزية قد أصرت مراراً على عدم وجود هوارد.
أفاد توم جاكمان، مراسل صحيفة واشنطن بوست، هذا الأسبوع أن أوزوالد تواصل مع المجموعة المدعومة من وكالة المخابرات المركزية والمعارضة لفيدل كاسترو، وعرض عليه مساعدته سراً قبل 3 أشهر من الاغتيال. ولكن للأسف، طغى على هذه الاكتشافات الصادمة، التي تم رفضها باعتبارها نظريات مؤامرة، خلاف علني بين الرئيس دونالد ترامب وأنصاره المؤيدين لـ'لنجعل أمريكا عظيمة مجدداً' بسبب إعلان الإدارة أنها لن تنشر ملفات تتعلق بجيفري إبستين، تاجر الجنس.
وجاء تراجع ترامب بعد يوم من وصفه لقصة إبستين بأنها 'خدعة' وهجومه على مؤيديه الساعين لمعرفة المزيد. ولكن شهادة هيئة المحلفين الكبرى - التي يعلم أن القاضي قد لا يكشف عنها حتى - لا تمثل سوى جزء ضئيل من الأدلة التي جمعها المحققون. وعلى سبيل المثال، من المرجح ألا تتضمن رسالة عيد ميلاد ترامب المزعومة لإبستين.
في الحقيقة من الطبيعي أن يشعر الأمريكيون بالريبة. فقد أظهر استطلاع رأي أجرته رويترز-إبسوس هذا الأسبوع أن 69% من الأمريكيين يعتقدون أن الحكومة الفيدرالية تخفي تفاصيل عن عملاء إبستين، بينما أظهر استطلاع رأي أجرته شبكة سي إن إن هذا الشهر أن 3% فقط من الأمريكيين راضون عن المعلومات التي نشرتها الحكومة بشأن القضية.
ولدى وزارة العدل سبب وجيه للامتناع عن نشر معلومات تحقيقية خام، سواء في قضية إبستين أو غيرها. فالمدّعون العامون يخاطرون بتشويه سمعة أشخاص ورد ذكرهم عرضاً في الملفات، أو لم تتوفر أدلة كافية لتوجيه اتهامات لهم. كما أن هناك مصلحة عامة في حماية خصوصية الضحايا.
ولهذا السبب، كان على مسؤولي ترامب ألا يُروّجوا لنظريات مؤامرة إبستين من الأساس. والآن، يحصدون ما زرعوه. ففي عام 2019، وبعد وفاة إبستين في الحجز الفيدرالي، والتي اعتُبرت انتحاراً، أعاد ترامب تغريد ادعاء مفاده أن إبستين 'كان لديه معلومات عن بيل كلينتون، والآن هو ميت'. ثم تم توزيع ملفات على مؤثرين محافظين خلال زيارة للبيت الأبيض في فبراير الماضي، زُعم أنها 'الجزء الأول' من ملفات إبستين. وفي مايو، صرّحت المدعية العامة بام بوندي بوجود 'عشرات الآلاف من مقاطع الفيديو لإبستين مع أطفال'. كما أشارت إلى أن قائمة عملاء إبستين على مكتبها للمراجعة. أما الآن، فينفي متحدثوها الرسميون وجود مثل هذه القائمة.
إن أسلوب السياسة الأمريكية المفعم بالشكّ ليس بالأمر الجديد. فعلى مرّ العقود، خذلت النخب السياسية الأمريكيين مرات عديدة، ما أدى إلى أزمة ثقة في الحكومة، متجذّرة في أمثلة واقعية. وكشفت أوراق البنتاغون عن نمط من الأكاذيب حول حرب فيتنام، التي قُتل خلالها 58,220 أمريكياً. وكشفت فضيحة ووترغيت عن مؤامرة وصلت بالفعل إلى أعلى المستويات.
عندما قتل أوزوالد كينيدي، كان ثلاثة أرباع الأمريكيين يثقون بالحكومة الفيدرالية لاتخاذ القرار الصائب، في معظم الأحيان على الأقل. ومنذ عام 2007، لم تتجاوز هذه النسبة 30٪. وغزت الولايات المتحدة العراق استباقياً بناء على معلومات استخباراتية كاذبة حول أسلحة الدمار الشامل. وكان فوز ترامب عام 2016، جزئياً، رداً على هذه الإخفاقات وغيرها.
وفي عام 2020، زعزعت مجموعة من 51 مسؤولاً استخباراتياً سابقاً مصداقيتهم بتوقيعهم رسالة عامة تُصرّ على أن نشر رسائل هانتر بايدن الإلكترونية 'يحمل جميع السمات التقليدية لعملية معلوماتية روسية'. وكان الكمبيوتر المحمول الذي احتوى عليها أصلياً. وأدركت حملة جو بايدن ذلك عندما ضغطت على شركات التواصل الاجتماعي لإخفاء قصص عن محتواها. كما قام هؤلاء العملاء أنفسهم بتغطية تراجع بايدن على أمل الفوز في عام 2024.
ليس كل خيال جنوني يكتسب زخماً على الإنترنت صحيحاً، وينبغي على وزارة العدل ألا تنشر ملفات التحقيق طوعاً أو كرهاً لإرضاء مُنظري المؤامرة. وحتى لو تم فتح ملف إبستين بالكامل ولم يكشف عن أي شيء يُثير اهتمام الجمهور، فربما لن يردع ذلك مُروجي الخرافات عن اختلاق نظريات جديدة.
لكن الأمريكيين ما كانوا ليتقبلوا هذا النوع من التنظير لو أن المؤسسات النخبوية تجنبت بعض عثراتها الفادحة، أو لو امتنع قادة الولايات المتحدة عن تضخيمها. ويتمثل التحدي طويل الأمد الذي تواجهه الحكومة في إعادة بناء ثقة الجمهور. وفي الوقت الحالي، يُفاقم عدد كبير من المسؤولين من تآكل هذه الثقة.
المصدر: واشنطن بوست
المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب