اخبار الجزائر
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ٧ تشرين الأول ٢٠٢٥
حركة عادية بين التسوق والجلوس في المقاهي والذهاب إلى المساجد ولا مكان لنداءات صفحات الفضاء الأزرق ومعارضي الخارج
يبدو أن الجزائر تمكنت من ضبط إيقاع الشارع، وقد يكون استقراره يرجع إلى الإنجازات التي تحققت، كما يمكن ربط ذلك بالتخوف من الدخول في نفق مظلم بعد تجربة مرحلة التسعينيات، في حين ربطته أطراف بالإجراءات الأمنية المتخذة في سياق حظر التظاهر في العاصمة الجزائرية، ويأتي هدوء أمس الجمعة بعد دعوات الخروج إلى الشارع ليكشف عن فشل تأثير احتجاجات 'جيل زد' بالمغرب في الزحف نحو الجزائر.
شهدت شوارع مختلف مدن الجزائر وأزقتها، وعلى رأسها العاصمة، أمس الجمعة، حركة عادية مثل أيام الجمع التي سبقته، وتنوع نشاط المواطنين بين التسوق والجلوس في المقاهي والذهاب إلى المساجد، حيث لا مكان للحديث عن احتجاجات منتظرة بعد صلاة الجمعة دعت إليها صفحات الفضاء الأزرق ومعارضون بالخارج، لا سيما أن اليوم تزامن مع مباريات البطولة المحلية لكرة القدم التي تلقى رواجاً كبيراً في أوساط الشباب.
وعلى رغم التعبئة والتجييش من جهات وصفتها السلطات بـ'المشبوهة'، التي لم تهدأ حتى وقت متأخر من أمس، غير أن كل التوقعات سقطت بعد أداء الصلاة، إذ خرجت الجموع كعادتها بهدوء، كل باتجاه بيته، على اعتبار أن المحال مغلقة بعد صلاة الجمعة، ما منح فرصة للمتابعين لتأكيد فشل دعوات 'جيل زد' الجزائري ومعارضي الخارج والصفحات الأجنبية التي تُصنَّف من طرف الحكومة بـ'المعادية'.
وربط مراقبون عدم الخروج وعدم الاستجابة للنداءات، بوعي الشباب الجزائري بعد التجارب السابقة التي عاشتها البلاد، إلى جانب الإنجازات التي تم تحقيقها منذ 2019 عام الحراك الشعبي، لا سيما في ما تعلق بمحاربة الفساد ومنح الفرص للجميع واعتماد التغيير والتداول في تسيير شؤون البلاد والعباد، وبخاصة مع وصول الكفاءات الشابة لمختلف المناصب، إضافة إلى الجهود المبذولة من أجل تحسين مستوى المعيشة من صحة وتعليم واستثمار وبنى تحتية، وتقليص نسب البطالة واستمرار سياسة 'اجتماعية الدولة'.
في المقابل، رأى متابعون أن تجاهل دعوات الاحتجاج يرجع إلى التخوف من القبضة الحديدية التي تمارسها السلطات عندما يتعلق الأمر باستقرار الشارع، إذ لا يزال قرار منع التظاهر ساري المفعول لا سيما في العاصمة، مما يجعل انتهاك القانون أمراً تترتب عليه إجراءات عقابية، وهو ما دفع المواطنين أو في الأقل الذين يرون في الاحتجاج طريقة للتعبير، لإعادة التفكير مرات عدة قبل المغامرة، وبخاصة أن دعوات الخروج إلى الشارع رافقتها تحذيرات من الجهات الرسمية من مغبة الانسياق وراء دعوات 'مشبوهة'.
كذلك يبقى الخوف من العودة إلى مشاهد الأزمة الأمنية التي شهدتها الجزائر خلال تسعينيات القرن الماضي، والتي تسببت بمقتل أكثر من 200 ألف شخص وخسائر بقيمة 50 مليار دولار، ملازماً للجزائريين، وبخاصة أن مشاهد القتل والمجازر والدمار من 'العشرية السوداء' لا تزال راسخة في الأذهان، وهو ما يجعل التفكير في التظاهر أو الخروج إلى الشارع للاحتجاج مغامرة محفوفة الأخطار في ظل الاستقرار الذي يطبع يوميات المواطنين.
في السياق، يرى أستاذ علم الاجتماع السياسي، مصطفى راجعي، أن الدعوات للخروج إلى الشارع تأتي من حسابات غير موثقة وأصحابها غير معروفين، حاولوا استغلال ما يحدث بالمغرب من احتجاجات بهدف إثارة الشارع الجزائري، لكن هذه الحملة فشلت لأن الأسباب والعوامل غير متوفرة، وهذا لا يعني أن الشباب لا مشكلات ومطالب وانشغالات لديهم، بل هم لا يستجيبون لنداءات الشبكات الاجتماعية وكأنهم قطعان مواش تُقاد من قبل راعٍ يرسل لهم إشارة فيبدأون بالخروج من المزرعة والتوجه إلى الحقل أو الغابة، وتابع راجعي أن 'هذا الجيل لديه قدرات معرفية نقدية محدودة، حيث يعتمد على معلوماته من الشبكات الاجتماعية، وأثبتت الاختبارات الدولية أن قدراتهم في تمييز الأخبار الصحيحة من الكاذبة ضعيفة، لكن يجب توفر معطيات موضوعية ونقاشات حول الفروقات في الوصول إلى الحقوق والموارد'، واعتبر أنه 'يجب أن تكون هناك حملة يقودها الكبار من أجل خلق أفكار وصور عن مواضيع الفروق في الإنفاق الحكومي بين الرياضة والتعليم والصحة'، مبرزاً أنه 'في حالة المغرب، هذه حملة تعود لأشهر، وترى أن الشباب لديهم القدرة على التعبير لكن ليس لديهم القدرة على التفسير'.
وزاد أستاذ علم الاجتماع السياسي أن الوضع في بلاده ليس فيه 'نقاشات أو حملات موجهة نحو موضوع الفروق في الإنفاق الحكومي على التنمية البشرية، على اعتبار أن الجزائر تُعد أول بلد أفريقي من حيث الإنفاق على الصحة والتعليم، وهذا لا يعني أن جودة الخدمة مضمونة على رغم توفرها'، محذراً من 'حملات يقودها مؤثرون معارضون يتم فيها استغلال أخبار كاذبة ومعلومات مزيفة بهدف التأثير في الشباب بالفضاء الرقمي'.
وفي خضم المخاوف من 'تحرك' الشارع، حذر الأمين العام لحزب التجمع الوطني الديمقراطي، ثاني أكبر أحزاب الموالاة في الجزائر، منذر بودن، اليوم السبت، من 'الحروب التي تواجهها الجزائر ومنها حرب الأخبار المغلوطة والمخدرات'، موضحاً أن 'خونة الداخل الذين يخونون ثقة الشعب وأمانة الشهداء والمجاهدين، نقول لهم إن أصل الشعب الجزائري واضح، ولا يمكن لعناصر تعد على الأصابع أن تجعل الجزائر منقسمة'، وأكد أن الجزائر 'دولة مؤسسات وليست دولة صفحات فيسبوكية، أو حسابات على موقع ’التيك توك‘'، معتبراً أن 'حسابات وهمية تستهدف زعزعة أمننا واستقرارنا'.