اخبار الجزائر
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ٦ أيلول ٢٠٢٥
إنشاء هيئة جديدة تمنح أجهزة العدالة دعماً عملياً مباشراً لإنجاز التحقيقات بدقة وفعالية أكبر
لا تزال حملة محاربة الفساد في الجزائر تواجه مطبات على رغم النجاحات التي حُققت، ولعل استحداث مديرية جديدة للإدارة العامة على مستوى الديوان المركزي لقمع الفساد يندرج في سياق تقوية الآليات التي من شأنها التضييق على الظاهرة، لا سيما أن أكبر جهود قامت بها الجهات المعنية جاءت عقب سقوط نظام الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة.
وبقرار من وزير العدل حافظ الأختام لطفي بوجمعة أنشئت الهيئة الجديدة التي تهتم بتوفير الوسائل المادية والمعنوية والبشرية اللازمة من أجل إنجاح التحريات، مما يمنح أجهزة العدالة دعماً عملياً مباشراً لإنجاز التحقيقات بدقة وفعالية أكبر، ويغلق منافذ التلاعب بالمال العام وربط مكافحة الفساد بمسار الإصلاح الاقتصادي والسياسي للدولة.
وبحسب متابعين، تعكس الخطوة الجدية في خوض معركة أكثر صرامة ضد الفساد، ورسالة قوية للخارج بأن المعركة لم تعد تقتصر على محاسبة الفاسدين، بل على غلق الأبواب أمام كل صور نهب المال العام، من تبييض الأموال والتهرب الجبائي والجمركي إلى الاستيلاء على المال العام وتهريب الأموال إلى الخارج، وذلك في إطار إصلاح شامل يربط الاقتصاد بالشفافية والحوكمة الرشيدة، لا سيما أنها تأتي لتعزيز دور الديوان المركزي لقمع الفساد الذي خاض منذ عام 2019 حرباً شرسة ضد الفاسدين، وأسقط أسماء وازنة في الساحة السياسية والاقتصادية والمالية على غرار السعيد بوتفليقة شقيق الرئيس آنذاك الراحل عبدالعزيز بوتفليقة، ورؤساء حكومة على غرار أحمد أويحيى وعبدالمالك سلال ووزراء ورجال أعمال كباراً، بمتابعات وأحكام ومحاكمات لم تنته حتى اليوم.
ويتزامن القرار مع تصنيفات دولية سلبية للجزائر في ما تعلق بمحاربة الفساد، إذ صادق البرلمان الأوروبي أخيراً على إدراجها ضمن قائمة الدول عالية الأخطار في مجال غسل الأموال وتمويل الإرهاب، بسبب ما اعتبره 'وجود نقائص جدية في النظام الجزائري للوقاية من الجرائم المالية، لا سيما ما يتعلق بضعف تتبع حركة رؤوس الأموال، ونقص الرقابة على المنظمات غير الحكومية، وقصور في التعاون القضائي الدولي'، مما يلزم المؤسسات المالية الأوروبية باتباع مجموعة من التدابير في تعاملاتها مع الجزائر، منها تطبيق إجراءات يقظة مشددة وفرض تتبع دقيق لمصادر الأموال وتحركاتها، وفرض ضوابط إضافية على التحويلات والتعاملات المالية.
وسبق أن أضافت مجموعة العمل المالي 'جافي'، وهي الهيئة العالمية المعنية بمكافحة غسل الأموال، الجزائر ضمن القائمة الرمادية. وبغرض تخفيف وقع الإجراء، أوضحت رئيسة الهيئة إليسا دي أندا مادرازو أن هذا الإدراج لا يعد إجراء عقابياً، بل يهدف إلى توجيه الدول المعنية نحو تحسين آلياتها.
وتسارع الجزائر الزمن من أجل تحسين ما يمكن تحسينه، مثل تشديد الرقابة على العمليات المالية التي تجريها المصارف الحكومية والأجنبية، ومؤسسة 'البريد' المملوكة للدولة، عبر حظر فتح حسابات مجهولة أو مرقمة أو بأسماء وهمية، بغرض مواجهة الإجرام الذي يأتي من الفساد المالي ومكافحة غسل الأموال والوقاية منه، ومحاربة تمويل الإرهاب وتمويل انتشار أسلحة الدمار الشامل.
وفرضت على المؤسسات المالية تطبيق إجراءات صارمة في ما يتعلق بتحديد هوية العملاء، ومنع عليها فتح حساب أو إقامة علاقة عمل أو تنفيذ معاملة، دون التحقق من هوية العميل والمستفيد الفعلي، مع تقديم تقارير في حال الشك ضمن أية عملية مصرفية، ومراقبة التحويلات الإلكترونية وحجز الأموال والأصول أو تجميدها، وكذلك حظر العمليات المتعلقة بالأصول الافتراضية، إضافة إلى تطبيق إجراءات يقظة مشددة عند التعامل مع دول ضمن القائمة الرمادية، تتناسب مع مستوى الأخطار المرتبطة بهذه العلاقات التجارية والمالية، سواء مع أشخاص طبيعيين، أو اعتباريين ينتمون إلى تلك الدول.
وفي السياق، يرى الباحث في العلوم الاجتماعية بن مصطفى دحو أن الخطوة تؤكد أن محاربة الفساد لا تقتصر على التحقيقات الأمنية والقضائية، بل تحتاج إلى دعم تنظيمي ومالي وبشري يضمن استمرارية العمل، وقال ضمن تصريح لـ'اندبندنت عربية' إن التركيز على الموارد البشرية والموازنة يعني أن الدولة تحاول بناء مؤسسات جهاز مكافحة الفساد بدلاً من أن يبقى رد فعل ظرفياً، مشيراً إلى أن الاعتماد على التنسيق مع وزارة المالية يهدف إلى الربط بين مكافحة الفساد ومراقبة تدفقات المال العام، أي الانتقال من منطق العقاب فقط إلى منطق الوقاية.
أما عن التوجهات المستقبلية المحتملة فتتمثل في تعزيز الرقمنة عبر الانتقال نحو أنظمة تتبع إلكتروني للصفقات العمومية والموازنة لتقليص الثغرات، وتوسيع الشراكات بتعاون أوسع مع أجهزة الرقابة الأخرى مثل مجلس المحاسبة والمفتشيات العامة، فيما يرتكز البعد الدولي، يضيف دحو، على الانسجام مع التزامات الجزائر باتفاق الأمم المتحدة لمكافحة الفساد وبخاصة في مجال استرداد الأموال المهربة، موضحاً أن هذه المديرية قد تصبح على المدى الطويل نواة لإدارة وطنية شاملة للوقاية من الفساد، تجمع بين التحقيق والمراقبة والتثقيف.
من جانبه، يعد الإعلامي المهتم بالشؤون السياسية كريم بن زيتوني ضمن تصريح لـ'اندبندنت عربية'، أن السلطات في الجزائر تحاول منذ أعوام التعامل بجدية مع ملفات الفساد المالي والإداري التي وسمت حقبة الرئيس الراحل بوتفليقة، وقال إن ملفات الفساد لم تعد قضايا رأي عام، وحديث المجتمع يهشم صورة الدولة ويعبث بمقاربات السلطة وخطابها الذي يؤكد مراراً على القطيعة مع ممارسات تتجاوز القانون، بل أصبحت الظاهرة تهدد وجود الدولة ككيان بصورة أحدثت أزمات مالية واقتصادية انعكست سلباً على المواطن وأفرزت حال احتقان وسخط عام.
وشدد بن زيتوني أن استحداث مديرية جديدة للإدارة العامة على مستوى الديوان المركزي لقمع الفساد هو إجابة تقدمها السلطة حول نيتها النزيهة في التعاطي مع مكافحة الفساد الذي تحول إلى سلوك شبه عام يحكم تصرفات الإدارة ومسؤوليها، مشيراً إلى أن إنشاء هذه الهيئة التي تتبع وزارة العدل يراد منها وعبرها إعطاء قوة ودفع جديدين لذراع السلطة المكلفة محاربة الفساد، وهي المهمة التي يرى كثر أن السلطة فشلت فيها على رغم حجم وعدد القضايا المعالجة.