اخبار الجزائر
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ٢٣ تشرين الأول ٢٠٢٥
أثار القرار تساؤلات حول الأسباب والدوافع وراء الإبقاء على هذا المستوى المرتفع من التمويل العسكري
على رغم التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه الجزائر، قررت الحكومة تخصيص موازنة دفاع قياسية لعام 2026 بلغت 3205 مليارات دينار (24.6 مليار دولار) من مجموع موازنة جديدة تاريخية تفوق 135 مليار دولار، وهو القرار الذي أثار تساؤلات حول الأسباب والدوافع وراء الإبقاء على هذا المستوى المرتفع من الإنفاق العسكري، وما إذا كان يعكس توجهاً استراتيجياً طويل الأمد أم استجابة لظروف أمنية وإقليمية راهنة.
وفي تفاصيل هذه الاعتمادات التي وردت في مشروع قانون الموازنة لعام 2026 في الجزائر، جرى تخصيص 608 مليارات دينار (ما يعادل 4.68 مليار دولار) لبرنامج الدفاع الوطني، الذي يغطي النفقات التشغيلية المرتبطة بالحفاظ على الجاهزية العملياتية للقوات المسلحة وتمويل برامج التدريب والتكوين واقتناء العتاد والتجهيزات الحديثة، إضافة إلى أعمال الصيانة والدعم الفني للوحدات القتالية والمصالح المركزية.
أما المحور اللوجيستي والدعم المتعدد الأشكال فقد حددت له موازنة قدرها 861 مليار دينار (نحو 6.62 مليار دولار)، توجه عادة لتغطية حاجات الدعم الفني والتموين والإسناد المادي للقوات، إلى جانب تمويل مشاريع تطوير منظومات النقل والإمداد العسكري، وتعزيز قدرات التخزين والصيانة والإمداد بالمواد الأساسية.
وحصلت الإدارة العامة لوزارة الدفاع الوطني على الحصة الكبرى من موازنة القطاع، بمبلغ 1736 مليار دينار (أي نحو 13.35 مليار دولار)، وتشمل هذه المخصصات تسيير الهياكل الإدارية والمصالح المركزية، وتمويل المشاريع ذات الطابع التنظيمي والبنى التحتية، فضلاً عن تغطية نفقات تسيير المدارس العسكرية ومؤسسات الخدمات الاجتماعية والأنشطة المساندة.
ورصدت الحكومة الجزائرية أكبر موازنة في تاريخ البلاد ما يقارب 135 مليار دولار لعام 2026، بزيادة قدرت بـ5 مليارات دولار مقارنة بعام 2025.
وبحسب مشروع قانون الموازنة لعام 2026، الذي حدد فيه السعر المرجعي لبرميل النفط عند 60 دولاراً، من المتوقع أن يسجل الاقتصاد الجزائري معدل نمو يبلغ 4.1 في المئة عام 2026، ليرتفع تدريجاً إلى 4.4 في المئة عام 2027 و4.5 في المئة في 2028، ويعزى هذا الأداء إلى التحسن المنتظر في القطاعات غير النفطية، لا سيما الزراعة والصناعة وقطاع البناء.
وفي هذا السياق، تشير التقديرات إلى أن إنتاج الحبوب سيصل إلى نحو 44 مليون قنطار خلال العام المقبل، قبل أن يرتفع إلى 62 مليون قنطار بحلول عام 2028، ويتوقع أن يسجل قطاع الصناعة نمواً حقيقياً بحدود 6.2 في المئة، في حين ينتظر أن يبلغ نمو قطاع البناء 5.1 في المئة خلال الفترة نفسها.
أما بالنسبة إلى المؤشرات الاقتصادية الكلية فيتوقع أن يرتفع الناتج المحلي الإجمالي إلى نحو 42 تريليون دينار جزائري (323 مليار دولار) عام 2026، ثم إلى 347 مليار دولار في 2027، ليصل إلى 373 مليار دولار في 2028، كذلك يرتقب أن ينمو الناتج المحلي خارج قطاع المحروقات ليبلغ 280 مليار دولار في 2026، و303 مليارات دولار في 2027، ويصل إلى 332 مليار دولار بحلول عام 2028.
وشهدت موازنة الدفاع في الجزائر ارتفاعاً ملحوظاً خلال الأعوام الأخيرة، مدفوعة بالتحديات الأمنية التي تواجهها البلاد، خصوصاً في منطقة الساحل، ففي مشروع الموازنة العامة لعام 2024 خصصت الحكومة لوزارة الدفاع الوطني نحو 2926 مليار دينار جزائري، أي ما يعادل 21.6 مليار دولار تقريباً.
وشكل عام 2023 نقطة تحول بارزة في هذا المسار، إذ ضاعفت الجزائر موازنة دفاعها لتصل للمرة الأولى إلى 22 مليار دولار بعدما كانت تقارب 12 مليار دولار فقط في العام الذي سبقه، بحسب البيانات الرسمية للموازنة العامة.
وحسب التصنيف الذي وضعه الموقع الأفريقي المتخصص في الشأن العسكري 'أفريكا ميليتري'، حلت الجزائر في المرتبة الأولى من ناحية الموازنة العسكرية في أفريقيا في وقت بلغ تعداد الجيش 130 ألف جندي نشط و150 ألف جندي احتياط إضافي.
ويتناسب هذا التصنيف الأفريقي مع آخر كان قد وضعه 'غلوبال فاير باور' الذي يعد مرجعاً على مستوى العالمي، والذي وضع الجيش الجزائري عام 2023 في المرتبة 26 عالمياً والمركز الثاني أفريقياً، بعد مصر (14 عالمياً)، والثالث عربياً بعد مصر، والسعودية (22 عالمياً)، ويعتمد هذا الموقع على معايير عدة، أبرزها حجم القوات المسلحة الجوية والبرية والبحرية، كذلك يشمل التصنيف معايير أخرى مثل التعداد البشري للجيوش والمساحة الجغرافية والموارد الطبيعية وموازنة الدفاع.
وجاءت الجزائر ضمن الدول العربية التي تحتل مراكز متقدمة على قوائم استيراد السلاح عالمياً، وإضافة إلى السعودية والكويت والعراق التي حلت ضمن أول 40 دولة الأعلى إنفاقاً عام 2024، وفق تقرير معهد ستوكهولم لأبحاث السلام (سيبري) (SIPRI) نشر في أبريل (نيسان) الماضي.
وتمتلك الجزائر قاعدة تصنيع عسكري مكنتها من تقليص الإنفاق عبر إنتاج معدات محلية، ففي معرض الجزائر الدولي في يونيو (حزيران) الماضي عرض الجيش منتجات جديدة بينها مسدس رشاش ومدفع مضاد للطيران من إنتاج المؤسسة الميكانيكية لبناء العتاد.
كذلك طورت مركبات تكتيكية بالشراكة مع 'مرسيدس بنز' وناقلات جند وعربات مدرعة وسيارات عسكرية للإسعاف، وفي المجال البحري تنتج الشركة الوطنية لبناء السفن زوارق هجومية وقاطرات وأنظمة مراقبة سواحل.
وتصنع طائرتا 'فرناس 142″ و'سفير 43' عبر مؤسسة صناعة الطائرات، وأصدر الرئيس عبدالمجيد تبون قراراً بمنع استيراد بعض المعدات العسكرية من دون موافقة مسبقة لحماية المنتج المحلي.
ويجسد هذا التطور سياسة الجزائر لتعزيز قدراتها العسكرية، 'والتكيف مع المتغيرات الأمنية الإقليمية والدولية'، بحسب ما يتضمنه الخطاب الرسمي، إذ صرح الرئيس الجزائري لدى لقائه كوادر الجيش في التاسع من أكتوبر (تشرين الأول) 2024، بحضور الوزير المنتدب للدفاع ورئيس أركان الجيش، الفريق أول سعيد شنقريحة، أن 'الجزائر قادرة بفضل تحديث منظومتها الدفاعية على التصدي لأي اعتداء، أياً كانت طبيعته ومصدره'.
وقال تبون، الذي يشغل أيضاً منصب وزير الدفاع، بحسب الدستور، إن الجيش 'تمكن من التأقلم مع التهديدات الجديدة، على غرار الحروب الهجينة والسيبرانية'، كما أشار إلى أن القوات العسكرية 'تتماشى مع تطورات الذكاء الاصطناعي'، في إشارة إلى التحديثات الجارية في منظومة الدفاع الوطني.
وأشار تبون في خطابه إلى أن القوات المسلحة 'أسهمت إلى جانب أجهزة الأمن في تحسين مناخ الاستثمار وجذب رؤوس الأموال الأجنبية من خلال توفير الأمن والاستقرار في البلاد'.
وتواجه الجزائر تحديات أمنية معقدة على حدودها الجنوبية في منطقة الساحل والصحراء الكبرى، حيث يتفاقم الوضع في دول مثل مالي والنيجر وليبيا. هذه المناطق تشهد نشاطاً متزايداً للجماعات الإرهابية وشبكات الجريمة المنظمة والتهريب، مما يفرض على الجزائر تعزيز حضورها العسكري لضمان حماية حدودها واستقرارها الداخلي. إلى جانب ذلك تظل العلاقات المتوترة مع المغرب، خصوصاً في شأن قضية الصحراء الغربية، أحد العوامل الأساسية التي تدفع الجزائر إلى الحفاظ على جاهزية عسكرية عالية وردعية.
حول الموضوع، يقول المحلل السياسي الجزائري، عبدالحكيم بوغرارة، إن محافظة الجزائر على موازنة دفاع مرتفعة ترجع إلى اعتبارات عدة، منها تأمين الحدود البرية التي تمتد إلى أكثر من 4600 كيلومتر ووجود تضاريس صعبة، مما يتطلب الإبقاء على أقصى درجات الجاهزية لصد أي محاولات اختراق للسيادة الترابية أو استهداف للمنشآت الاستثمارية والطاقوية، ناهيك بتأمين الواجهة البحرية التي تمر عبرها المسالك البحرية الدولية.
وأوضح بوغرارة أنه 'عند النظر إلى مبلغ 24 مليار دولار كموازنة لقطاع الدفاع، يجب الأخذ بالاعتبار مساهمتها في جلب الاستثمار ورؤوس الأموال والتكنولوجيا والتنمية، ما دامت تنعكس على مختلف القطاعات التي تعتبر أساس نجاح البرامج الاقتصادية والاجتماعية، لأن الأمن لا يقاس بثمن ولا يشترى بالأموال'، مبرزاً أهمية الاستثمار في المؤسسة العسكرية وباقي المؤسسات الأمنية المشتركة لتحقيق الاستقرار.
على المستوى الإقليمي، ذكر المتحدث أن عدم استقرار منطقة الساحل ووجود أنظمة انقلابية وتهديدات الهجرة غير الشرعية وتهريب السلاح والاتجار بالمخدرات واستهداف الأمن القومي للجزائر والتنسيق الأمني بين المغرب وإسرائيل وتأخر المسار الانتخابي في ليبيا، كلها أسباب تبرر إبقاء الجزائر موازنة الدفاع مرتفعة وإمكان رفعها مستقبلاً.
وأضاف أن الجزائر عندما رفعت مستويات موازنة الدفاع تدرك أن العلاقات الدولية تتجه نحو مزيد من العسكرة وتفاقم المشكلات الأمنية وارتفاع التهديدات الإرهابية، لذا رفعت المتطلبات الأمنية للقيام بخطوات استباقية لعدم الوقوع في أي مشكلات أو أزمات أمنية لأن تبعاتها ستكلف أضعاف ما تنفقه الدولة على الدفاع القومي.
وأشار بوغرارة إلى أن العمليات التي قام بها الجيش الجزائري في الفترة الأخيرة في محافظتي تبسة وتيبازة، حين تم القضاء على إرهابيين، تعتبر دليلاً على أن التهديدات الإرهابية ما زالت قائمة وأن الجاهزية تتطلب كل هذه الاعتمادات المالية لتعزيز قدرات الجيش.
وقال إن 'حجم الموازنة المخصصة للدفاع لا يمكن مقارنته بأهمية الشعور بالأمن والطمأنينة والحفاظ على صورة الجزائر والدفع نحو جلب الاستثمارات في ظل عجز كثير من الدول عن حماية أمنها القومي'، مضيفاً أنه بالنظر إلى 'العقيدة الأمنية للجزائر والنخب ومراكز الدراسات الاستراتيجية التي تستشرف العلاقات الدولية، تؤكد استعدادها لاستباق أي أخطار أو تهديدات محتملة'.
ويعكس الإنفاق العسكري المرتفع في الجزائر لعام 2026 مزيجاً من التوجهات الاستراتيجية البعيدة المدى والضرورات الأمنية الراهنة، إذ لا يرتبط هذا الإنفاق فقط بالظروف الأمنية الراهنة، بل يمثل أيضاً جزءاً من استراتيجية وطنية طويلة المدى تهدف إلى ضمان الجاهزية لمواجهة أي تهديدات مستقبلية محتملة، فالجزائر تتبنى نهجاً استباقياً يقوم على الاستثمار في التكنولوجيا الدفاعية والبنية التحتية العسكرية، مع التركيز على تقليص التبعية للخارج في مجال التسلح وتعزيز الاكتفاء الذاتي الدفاعي.




















