اخبار الجزائر
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ٢٣ تموز ٢٠٢٥
يقول عبدالحميد بلبركة إن هذا النوع من العلاج الشعبي البديل قديم ومتوارث أباً عن جد
في عز القيظ حين يشتد لهيب الشمس وتتجاوز درجات الحرارة الـ 50 مئوية، تفاجئك قوافل من الزوار بالتوافد، لا هرباً من الحر بل بحثاً عنه، في رحلة نحو الرمال المشتعلة حيث يتحول لهيب الصحراء في الجزائر إلى علاج شعبي يقصده المصابون بأمراض المفاصل والروماتيزم في موسم يعرف محلياً بـ 'أوسو'، والممتد بين شهري يوليو (تموز) وأغسطس (آب) كل عام.
وفي مشهد مغاير لموسم الاصطياف المعتاد، تشهد مناطق جنوبية كعين صالح الواقعة على بعد 1260 كيلومتراً جنوب الجزائر العاصمة، تدفقاً استثنائياً للمرضى والسياح على السواء، يجمعهم فضول التجربة أو أمل التخفيف من الألم عبر ما يعرف بالدفن في الرمال الساخنة، لكن بين الحكايات التي تروى عن فعالية هذا العلاج الطبيعي تساؤلات حاضرة حول مدى فائدته الصحية وأخطاره المحتملة.
لم يكن عبدالحميد بلبركة المقيم في بلدية فقارة الزوى بمنطقة عين صالح يعلم أن جلسة سمر عادية مع أصدقائه عام 2016 ستتحول إلى أساس لمشروع كبر وذاع صيته في أنحاء الجزائر، وأصبحت بسببه المنطقة مقصداً للزوار من مختلف المناطق، فخلال جلسة عفوية فتح بلبركة مع أصدقائه بشير بن مسعود وبن ناجم الحاج أحمد وأخوه محمد موضوع التداوي بالحمام الرملي، واتفقوا على أن هذه العادة التي توارثوها عن أجدادهم يمكن إعطاؤها أبعاداً أخرى لتصبح بمثابة طب بديل لعلاج التهاب المفاصل والأمراض الجلدية وتنظيم الدورة الدموية وغيرها، وتطور الحديث إلى حماسة فقاموا بدفن أجسادهم في الرمال الساخنة ونشر صور لهم على مواقع التواصل الاجتماعي، لتنهمر عليهم الاتصالات تستفسر عن كيفية وفوائد العلاج بالحمام الرملي، وبدأ من المكان رسمياً مشروعهم الصغير ليصبح الآن قبلة يقصدها الزوار والسياح من مختلف أنحاء الوطن.
وبلغ المشروع مسامع السلطات المحلية المكلفة بالسياحة فرأت فيه فرصة لتحويله إلى نشاط تقليدي في المنطقة لجذب السياح والراغبين في العلاج، فجرى الاتصال بعبدالحميد بلبركة لتشجيعه على تأسيس مشروع سياحي عبر جمعية معتمدة تهتم بهذا النشاط.
ولقيت مبادرة بلبركة استحساناً ودعماً من طرف السلطات المحلية، وبدعم من شباب المنطقة بدأ في إجراءات تحويل هذا النشاط إلى مهرجان يزوره الناس من كل أنحاء البلاد، ليؤسس لمهرجان محلي بدأت دورته التاسعة في الـ 25 من يونيو (حزيران) الماضي وتستمر لغاية سبتمبر (أيلول) المقبل.
ويقول بلبركة إن التداوي بالحمام الرملي نشاط قديم متوارث أباً عن جد، لكنه أخذ على عاتقه التعريف بهذا الموروث التقليدي عبر تسويقه إلى خارج حدود المنطقة الجغرافية التي يقيم بها، موضحاً أن الفكرة التي أسس لها رفقة أصدقائه منذ قرابة 10 أعوام لقيت رواجاً كبيراً، وأصبح التداوي بالحمام الرملي مقصد مئات الأشخاص خلال فترة الصيف حين ترتفع درجة حرارة الرمال للاستفادة من الفوائد التي توافرها، مضيفاً أن الطبعة التاسعة لقيت إقبالاً كبيراً من المواطنين، خصوصاً بعد عملية الترويج لها من طرف السلطات المحلية التي دأبت على الحضور ورعاية النشاطات الأربعة الماضية، وهو أمر يشجع على الاستمرار وتطوير النشاط أكثر في المستقبل.
ويقول محدثنا إن كثيراً من المواطنين يتوافدون إلى المنطقة خلال هذه الفترة للتداوي من بعض الأمراض، غالبيتهم سائقو شاحنات يجوبون الصحراء لنقل البضائع أو التجار، وغالباً ما تصيبهم أمراض تتعلق بآلام الظهر والمفاصل وغيرها.
ولا يقتصر نشاط التداوي بالحمام الرملي على منطقة عين صالح وسط الصحراء الجزائرية، ففي الجنوب الغربي للبلاد تقع بلدية تاغيت السياحية على بعد 91 كيلومتراً من مدينة بشار، وتعد من أبرز الوجهات الصحراوية التي تستقطب الزوار خلال فصل الصيف، وتوفر خياراً آخر وبخاصة لأولئك الذين سبق لهم أن جربوا فوائد العلاج التقليدي بحمامات الرمال الساخنة.
وتشهد الكثبان الرملية ذات اللون الذهبي إقبالاً واسعاً من مرضى الروماتيزم الذين يقصدون تاغيت خصوصاً للاستفادة من طريقة الردم أو الدفن تحت الرمال، وهي تقنية تقليدية موروثة أثبتت فعاليتها، بحسب شهادات كثر ممن تعافوا بفضلها.
ويقوم سكان المنطقة من ذوي الخبرة بنصب خيم لاستقبال الوافدين من مختلف ولايات الوطن وتوفير الرعاية والعلاج القائم على مزيج من التغطية بالرمال الساخنة واستعمال الأعشاب الطبية المحلية، ويؤكد عدد من الزوار أن هذه الوسيلة البديلة للعلاج ساعدتهم في استعادة عافيتهم وخلصتهم من آلام الروماتيزم بدرجة كبيرة، مما يدفعهم إلى تكرار التجربة سنوياً في ما يعرف بـ'السياحة الطبية'.
ووفق شهادات كبار السن في تاغيت فإن هذه الطريقة العلاجية تعود لقرون مضت، حيث ظل سكان الجنوب يعتمدون على خلطات طبيعية وعلاجات تقليدية لمداواة الأمراض وفي مقدمها الروماتيزم.
ويشير عبدالحميد بلبركة إلى أن 'العلاج بالحمامات الرملية طريقة يستعملها العرب في مجال العلاج الطبيعي، وقد أثبتت الأبحاث الطبية أن الرمال الموجودة في الصحارى تعتبر من أنجع أنواع العلاج البديل في الطب الحديث، ويقول إنه 'في الجنوب الجزائري، وبخاصة في تمنراست، يكثر الإقبال على هذه الطريقة في العلاج ولا سيما خلال فصل الصيف حين تكون درجة حرارة الرمال ما بين 50 و 60 درجة تحت أشعة الشمس، للمساعدة في شفاء أمراض عدة ومنها الروماتيزم وآلام المفاصل والسمنة وأمراض الجهاز التنفسي والكلى والكبد وبعض الأمراض الجلدية، وغيرها من الأمراض المزمنة، شرط أن تكون الرمال مشبعة الشمس وبدرجة الحرارة الكافية للعلاج، مع الحرص على أن تكون نقية من أية بكتيريا أو فطريات'.
وبخصوص الخطوات الأولى للعلاج يضيف بلبركة أن المشرف على عملية العلاج بالرمل يقوم بحفر حفرة تكون ملائمة لجسم المريض الذي لا بد من أن يخلع ملابسه كي يستفيد جسده بالكامل من حرارة الرمال، كما يجب على المريض أن يشرب كمية من الماء تراوح ما بين لتر وستة ليترات في الأقل، ثم يستلقي داخل الحفرة ويُلف بإزار حتى لا تغلق الحصى الدقيقة مسامات جلده، ويغطى برمال ساخنة شرط ألا تكون ثقيلة وتمنعه من التنفس مع وضع قطعة قماش رطبة فوق الوجه لحمايته من أشعة الشمس، حيث يبقى المريض في الحفرة مدة تتراوح ما بين ساعة وساعتين كحد أقصى، بحسب طاقة تحمل المريض.
وبعد استكمال الجلسة يخرج المريض من الحفرة ويغطى في الحال ويُنظف من الرمال لتدارك أي تهيج في الجلد، ويوجه مباشرة إلى خيمة مهيئة مخصصة لذلك ليبقى مغطى مدة ساعة في الأقل، وبعد جلسات العلاج يوصي المعالجون المرضى بعدم التعرض للهواء البارد والابتعاد من أجهزة التكييف وتفادي المشروبات الغازية والتقليل من أكل مواد غذائية دسمة، كما ينصحون بممارسة رياضة المشي مدة ساعة يومياً.
فوائد ومحاذير
وعلى رغم فوائد العلاج بالحمام الرملي فإنه ليس بمقدور أي كان اعتماد هذا العلاج، وبحسب الأطباء فإن الأمراض التي تعالجها حمامات الرمال هي الروماتيزم والأمراض المرتبطة بها والروماتويد وآلام المفاصل وتنشيط الدورة الدموية وعلاج الدهون على الكبد، والأمراض الجلدية مثل الصدفية والبهاق، وكذلك قصور الشرايين والسمنة الزائدة وآلام الظهر وعرق النسا وآلام الأعصاب والعضلات والتهاب المفاصل.
ويؤكد الأطباء وجوب خضوع الحمامات الرملية للمراقبة الطبية وأن تشرف عليها مديرية الصحة ومصالح الحماية المدنية وكذلك مصالح البلدية، كونها لا ينصح بها لبعض الأمراض.
ويشير الأطباء إلى أن هذا النوع من العلاج ممنوع على المصابين بأمراض القلب والضغط الدموي، فاستعمال هذه الحمامات الرملية لا يكون إلا بعد إطلاع الجهات المتخصصة على الحال الصحية للمريض لتفادي تعرضه لأزمة ولتحديد الرعاية الطبية المناسبة له.
ويحذر متخصصون في الصحة من خطورة العلاج بالحمامات الرملية على المصابين بسرعة النزف والقصور الكلوي والأمراض القلبية وضغط الدم ومختلف أنواع القرح وضيق التنفس.