كم مرة وجدنا أنفسنا نتثاءب بشكل لا إرادي عندما يتثاءب شخص بجوارنا، أو حتى عندما نكون في اجتماع ممل، أو منغمسين في قراءة كتاب، أو سارحين في أحلام اليقظة؟

غالبا ما نربط التثاؤب بالشعور بالتعب أو الملل، لكن العلم يكشف لنا عن جوانب أخرى مدهشة لهذه الظاهرة الجسدية الشائعة. في هذا التقرير، نتعمق في الأسباب الحقيقية وراء التثاؤب، وكيف ينتقل بسهولة بين الأفراد، والأدوار المفاجئة التي قد يلعبها في وظائف الجسم بخلاف مجرد الإعداد للنوم.

أسباب التثاؤب

خلافا للاعتقاد السائد بأن التثاؤب هو مجرد إشارة من الجسم للحاجة إلى الراحة، هناك عوامل أخرى تؤدي في النهاية إلى التثاؤب، والتي تعرفنا على ماذا تدل كثرة التثاؤب؟ وفي السطور التالية، نستعرض معكم ما هي أسباب التثاؤب؟

تبريد للدماغ

تشير دراسة نشرت عام 2014 في مجلة 'Physiology & Behaviour' إلى دور محتمل للتثاؤب، وهو تبريد الدماغ وتحسين أدائه. عندما ترتفع درجة حرارة الدماغ نتيجة لجو حار أو لعدم الانشغال الذهني الكافي، قد يبدأ في العمل ببطء.

هنا يأتي دور التثاؤب العميق، الذي يسحب كمية كبيرة من الهواء البارد إلى الجسم، مما يساعد على خفض درجة حرارة الدماغ وبالتالي تحسين القدرة على التفكير والتركيز. وهذا يفسر سبب زيادة التثاؤب في الأماكن المغلقة ذات التهوية السيئة أو عند الشعور بالملل.

لذا، في المرة القادمة التي تتثاءب فيها، تذكر أنها قد تكون آلية طبيعية لتبريد الدماغ والحفاظ على تركيزك، وليست دائمًا علامة على الحاجة إلى النوم

استعادة الانتباه

لا يقتصر التثاؤب على أوقات الشعور بالنعاس فقط، بل قد يحدث أيضا عند الشعور بالملل أو حتى عند التعرض لمحفزات مفرطة. في هذه الحالات، قد يتباطأ نشاط الدماغ، ويأتي التثاؤب كآلية لإعادة تنشيطه واستعادة الانتباه. وفقا للتقارير العلمية، يؤدي التثاؤب إلى تمدد عضلات الوجه والصدر، وتحسين تدفق الدم، وإعطاء الجسم دفعة طاقة بسيطة.

إنها طريقة الجسم الطبيعية لإزالة 'الضباب العقلي' والحفاظ على اليقظة، حتى في غياب الشعور بالتعب. لذا، إذا وجدت نفسك تتثاءب أثناء اجتماع ممل، فقد يكون ذلك مجرد محاولة من دماغك لإعادة ضبط نشاطه.

سبب التثاؤب عند رؤية شخص يتثاءب

إن ظاهرة التثاؤب المعدي ليست مجرد رد فعل تقليدي بسيط، بل هي سلوك متأصل بعمق في طبيعتنا الاجتماعية. وف يالسطور التالية، نستعرض معكم لماذا التثاؤب معد؟

تفسير علمي

عندما نشاهد شخصا يتثاءب، تنشط خلايا عصبية متخصصة في الدماغ تعرف باسم الخلايا المرآتية، وهي الخلايا التي تجعلنا 'نشعر' بما يفعله الآخرون. هذا التنشيط يؤدي بدوره إلى تحفيزنا على التثاؤب تلقائيا.

تلعب الخلايا المرآتية دورا محوريا في قدرتنا على 'الشعور' بتجارب الآخرين. فعندما نرى شخصا يتثاءب، تبدأ هذه الخلايا في إطلاق إشارات عصبية في دماغنا، مما يحفزنا على تقليد هذا الفعل.

التعاطف والتواصل

وفقا لتقرير صادر عن صحيفة هندوستان تايمز، فإن التثاؤب يكون أكثر عدوى بين الأشخاص الذين تربطهم علاقات عاطفية متينة. وهذا يعني أن هذه الظاهرة لا تقتصر على مجرد التقليد الآلي، بل ترتبط ارتباطا وثيقا بمفهومي التعاطف والتواصل الاجتماعي.

لذلك، كلما كانت العلاقة بين شخصين أقوى وأكثر حميمية، كما هو الحال بين الأصدقاء المقربين أو أفراد العائلة، زادت احتمالية انتقال التثاؤب بينهم.

يعود ذلك إلى الميل الطبيعي لأدمغتنا إلى التزامن مع سلوكيات الأشخاص الذين نشعر تجاههم بالود والمحبة. لذا، في المرة القادمة التي تجد فيها نفسك تتثاءب لا إراديًا بعد رؤية شخص آخر يفعل ذلك، تذكر أنها علامة خفية تدل على قوة الرابطة الاجتماعية التي تجمعكما.

النضج والنمو

الأطفال الصغار الذين تقل أعمارهم عن أربع سنوات غالبا ما يتثاءبون بشكل أقل استجابة لتثاؤب الآخرين، وذلك لأن مهاراتهم في التعاطف لا تزال في مراحل النمو والتطور. لذلك، مع تقدمنا في العمر واكتسابنا المزيد من النضج العاطفي، تصبح أدمغتنا أكثر حساسية لتقليد سلوكيات الأشخاص المحيطين بنا، بما في ذلك التثاؤب.

استثناء وحيد

أثبتت الأبحاث أن ظاهرة التثاؤب المعدي ليست دائمة. فلدى كبار السن، وخاصة أولئك الذين يعانون من تدهور في الوظائف الإدراكية أو الخرف، قد يصبح التثاؤب المعدي أقل تكرارا، مما يشير إلى وجود علاقة بين القدرات الإدراكية والاستجابة لهذا السلوك الاجتماعي المثير للاهتمام.

ما هي فوائد التثاؤب؟

هناك العديد من فوائد التثاؤب والمزايا التي تعود على الشخص من وراء التثاؤب، أبرزها:

تخفيف الضغط في الأذنين

هل شعرت يوما بضغط في أذنيك أثناء الإقلاع أو الهبوط بالطائرة؟ يمكن أن يساعد التثاؤب في ضبط هذا الضغط. عندما تتثاءب، تنفتح القناة السمعية، أو الأنبوب الذي يربط الأذن الوسطى بالجزء الخلفي من الحلق، مما يسمح للهواء بالدخول أو الخروج من الأذن الوسطى وموازنة الضغط.

إشارة إلى تغيير الحالة

يمكن أن يكون التثاؤب بمثابة إشارة للجسم بأنه يمر بمرحلة انتقالية، مثل الانتقال من اليقظة إلى النعاس أو العكس. بمعنى آخر، يمكن أن يكون وسيلة الجسم لتهيئة نفسه إلى هذه الحالة الجديدة.

تحفيز الجهاز العصبي

يمكن أن يحفز الشهيق العميق والتمدد المصاحب للتثاؤب الجهاز العصبي الودي. هذا الجهاز المسؤول عن استجابة الكر أو الفر لزيادة اليقضة.

زيادة الأكسجين

يساعد التثاؤب على إدخال كمية كبيرة من الأكسجين إلى الجسم، والتي يمكن أن تساهم بدورها في تنشيط الدماغ وجعل الشخص يشعر بمزيد من الانتباه.

متى يكون التثاؤب خطيرا؟

في الغالب، لا يكون التثاؤب خطيرا، ونادرا ما يعتبر تكراره أو الإفراط فيه مرتبطا بشيء يستدعي التدخل. ومع ذلك، يمكن الانتباه في بعض الحالات منها:

التكرار المبالغ فيه

إذا كنت تتثاءب مرات عديدة في الساعة دون سبب واضح للشعور بالتعب أو الملل. أو إذا لاحظت فجأة وبشكل ملحوظ زيادة مفاجئة وكبيرة في عدد مرات التثاؤب.

صاحبه أعراض أخرى

مع وجود أعراض أخرى مثل ضيق التنفس، أو ألم في الصدر، أو تسارع ضربات القلب، أو الدوخة، يمكن أن يشير ذلك إلى وجود مشاكل في القلب أو الرئتين.