عندما غنت أم كلثوم رائعتها الجميلة -وكل ما غنت أم كلثوم روائع أغنية 'طوف وشوف' من كلمات عبد الفتاح مصطفي وألحان رياض السنباطي في عام 1963م، يقول مطلعها: طوف في جنة ربنا في بلادنا واتفرج وشوف .. تذكرت هذا المقطع عند مشاهدة مسلسل 'مطعم الحبايب'، ومع كل حلقة يتردد ويتبادر إلى الذهن هذا المقطع الجميل .. ربما أول مسلسل مصري يحتفي بالأكلات المصرية الصميمة في قالب درامي كوميدي شيق، يمكن له أن يضاهي مخلل أو طرشي فيلم 'أم رتيبة' لماري منيب وحسن فايق الذي انتج في عام 1959م.

ففي كل حلقة من حلقات المسلسل الـ12 ومدة كل حلقة حوالي ساعة تليفزيونية 48 دقيقة بدون إعلانات على إحدى أشهر المنصات التليفزيونية العربية 'شاهد' .. في كل حلقة أكلة مميزة ضمن سرد درامي رومانسي النسيج من فريق سرد المعتاد بقيادة المايسترو مريم نعوم، ولكنها هذه المرة بدون رفيقة دربها المخرجة المتميزة مريم أبو عوف .. ليخرج معها 'مطعم الحبايب' المخرج الشاب عصام عبد الحميد، وتدور أحداث المسلسل في إطار كوميدي أسطوري الشكل أشبه بالفانتازيا حول المنافسة بين أصحاب المطاعم المختلفة في إحدى الأحياء الشعبية المصرية ليس في الأكل فقط والصبا والحب أيضًا.

بدأت الحلقات بأكلة استكوزا والكبده الاسكندرانى كمدخل لأحداث في مسابقة فاشلة وتقاطعات مريبة وفارقة .. ثم توالت الحلقات بطاجن رز معمر بالبهاريز، وبعد الحمام المحشي والملوخية مع الرز المعمر مرة اخري تأكيدًا لاهمية الارز في المطبخ المصري .. تلاها بعد ذلك حلقة بعنوان سميط ودقة، ثم حلقة خاصة سوبيا حلوة، تلتها فتة لحمة والارز في مولد أم العواجز، ثم الصينية الأشهر في مصر صينية البطاطس بالفراخ، ثم حلقة حلوى أم علي يعقبها حلقة صوابع زينب إيذانًا بالافراح، ثم حلقة محشي فلفل في العشاء ما قبل الاخير وليس الاخير للانتقام علي الاعداء .. وإنتهاءً بحلقة ختامية بعنوان سردين مع البطاطس للمزج بين كل من عالم البحار وعالم اليابسة معًا في وجبة ابتكارية مميزة.

ويتناول المسلسل بالإضافة للأكل أيضًا ضمن حلقاته حياة العاملين في مجال الطبخ والأسرار الخاصة بكل منهم علي حدة .. ومن خلال وصفات الطعام المتوارثة بين الاجيال والتاريخ في قالب كوميدي اجتماعي شيق وشهي يبدو أسطوري نوعًا ما .. وتبدو هذه هي المرة الاولي التي يجمع فيها عمل درامي مصري بين متعة الدراما ومتعة الاكل المصري الصميم عبر التاريخ والجغرافيا .. وربما سبقه في ذلك الأمر بعض المسلسلات السورية مثل باب الحارة وغيرها .. فقد كانت تبرز في بعض الحلقات بعض الاكلات الشامية الأصيلة ضمن الخط الدرامي لأحداث المسلسل سواء في الإفطار والغداء والعشاء والمناسبات الخاصة والعامة .. وبالعودة لمسلسل مطعم الحبايب تحديدًا تطبخ الاحداث الدرامية مغزولة بطعم الاكلات المصرية الشهيرة يستمتع المشاهد بالمسلسل وكذلك تذوق طعم الأكلة الخاصة في كل حلقة .. وكما هو المعروف انه كلما زاد استخدام الحواس الانسانية الخمسة المعروفة من سمع وبصر وشم وتذوق ولمس حتي الحاسة السادسة من حدث التوقع تضاف كلما زاد التأثير الواقع علي المتلقي وكلما ترك اثرًا بدرجات اعلي واقوي وابعد.

لذا جمع مسلسل مطعم الحبايب بين كل الحواس الست كلها بكل دقة واتقان شكلاً ومضمونًا وأثرًا وتأثيرًا .. حتي تكاد رائحة الأطعمة تبرز من الشاشة مع الطعم وكذلك عبق التاريخ للمكان مع الخلفيات الرائعة والبخور والالوان والديكورات والملابس والاكسسوارات .. ولكن الأبطال الحقيقيين للعمل قبل الاكل كانوا نخبة متميزة من الممثلين الكبار والشباب في تناغم وانسجام آخر تمام .. طبعًا البطولة لشابين برعا في اعمال سابقة ولكنهما في هذا تحديدًا يتحملان مسؤوليات اكبر وأثقل ويؤكد كل منهما علي قدرته علي النجومية والبطولة معًا .. اثبتا بكل جدارة واستحقاق واتقان ذلك في كل مشهد يظهرا فيه خلال المسلسل .. فقد برعا احمد مالك وهدي المفتي في بطولة هذا العمل حقًا وصدقًا وأداءً .. كلاهما كان مالكًا لادواته الفنية باقتدار شديد .. وكلاهما يستطيع ان يفتي بقوة التجارب السابقة ثم تتويجها ببطولة العمل.

ويضم المسلسل مجموعة من عتاولة التمثيل والاداء بكل تفوق و كل تميز .. يتقدمهم بالطبع النسخة المتعبة والمرهقة جماهيريًا الفنان بيومي فؤاد النجم الساطع في كل عمل فني ما شاء الله تبارك ان لم يكن صوت وصورة فليكن صوتًا فقط .. ويبدو بيومي فؤاد في هذا المسلسل مثقلًا نسبيًا بالجراح ليست جراح العمل الدرامي في المسلسل من مرض وخيانات من اقرب الناس اليه .. وليس بسبب ضغط الشغل المستعر الطلب عليه ايضا .. ولكني شعرت ان جراحه خارج المسلسل لم تندمل بعد ليتألق بإطلالاته المعتادة حيث تري جزء من حزن دفين ولو بلمحة بسيطة علي حدود عيناه .. فقد تنافس مع صديق عمره في المسلسل في المطاعم والحب القديم .. والذي قام بدوره الفنان سامي مغاوري ولا يزال ممسكًا بخيوط الشخصية والتعبير عنها بخفة وبساطة واتقان.

أما الفنان المبدع محمود البزاوي نجم الصمت وان لم يتحدث يشعرك بهيبة قبل ان صدور الكلام من شخصية طبيعية بدون اي تكلف ولا اظهار عضلات .. تزامله في الاداء بالمسلسل الفنانة خفيفة الظل انتصار بكل اقتدار تظهر تمكنها في تقمص الشخصيات بكل حنية واتقان ودلال .. ملكة ردة الفعل دون ادني توقع في عصرنا الحاضر بكل افتخار .. ويلعب حمزه العيلي دور الشيف العالمي المحنك والذي تضطره الظروف بقبول ان يكون مساعدًا للشيف بكل ترفع وشمم الي ان يصبح في نهاية المسلسل الشيف المنتظر والمنتصر في آن واحد .. يعاونه في الاداء المتميز من نفس الجيل تقريبًا اسلام ابراهيم ماسورة الضحك المنفجرة في عز الأزمات يسعي الي تحقيق حلم حياته بان يصبح ابنه لاعب كرة قدم محترف بأوروبا.

للاسف لم يبرز احد من الاطفال الذين تشعر وكأنهم يظهرون في ظل الشخصيات الرئيسية فقط .. كما ظهرت ام بطل المسلسل الفنانة عايدة رياض وبالرغم من إطلالتها المميزة دائمًا إلا انك تشعر انها ربما ظلمت بقصر دورها في المسلسل .. وقد كانت النهاية متوقعة إلا ان المسابقة البداية كانت اقوي حبكة ونسيجًا في المسلسل من مسابقة الختام التي برزت كأنها اعلانية مقحمة علي العمل الفني او ربما مقتضيات او متطلبات الجهة الانتاجية والعارضة للمسلسل قد تتطلب ذلك الإقحام الشديد.

ورغم ضعف الختام إلا ان المسلسل يتوقع له ان يكون علامة فارقة في المسلسلات العربية وخاصة المصرية في السنوات القادمة للجمع بين متعة الفرجة علي المسلسل ومتعة التذوق للاكلات المصرية الصميمة واذا كان المثل الدارج يقول اطعم الفم تستحي العين اعتقد ان المسلسل قد اشبع المشاهد بأكلات شهية مسلية وحلقات درامية كوميدية زادت من تألق العمل .. هنيئا لكل صناع هذا العمل المميز في الشكل والمضمون والطعم بلا جدال