يوسف حمود - الخليج أونلاين

تركزت الاستثمارات الإماراتية في مجالات البنية التحتية، والنقل، والعقارات، إلى جانب الصناعات الخفيفة.

مع انفتاح متسارع تشهده العلاقات الاقتصادية بين الإمارات وسوريا، برزت خلال النصف الأول من عام 2025 سلسلة من التحركات الاستثمارية التي تعكس تحولاً استراتيجياً في مسار التعاون بين الجانبين، في ظل تخفيف تدريجي للعقوبات الغربية، ومحاولات الحكومة السورية استقطاب رؤوس أموال خارجية لإنعاش اقتصاد متدهور في سنوات النظام المخلوع.

وتأتي هذه التحركات في إطار خطة إعادة إعمار شاملة تسعى دمشق إلى إطلاقها، مستفيدة من تحولات سياسية إقليمية وتغيرات في المواقف الدولية، لا سيما عقب رفع عدد من العقوبات الأمريكية والأوروبية التي كانت تعيق التدفقات الاستثمارية.

وقد تركزت الاستثمارات الإماراتية في مجالات البنية التحتية، والنقل، والعقارات، إلى جانب الصناعات الخفيفة، وسط ترحيب رسمي سوري واسع ودعم سياسي إماراتي واضح، فهل تقود المصالح الاقتصادية إلى تحالف طويل الأمد؟

استثمار كبير

في 13 يوليو 2025، أعلنت هيئة الموانئ السورية توقيع اتفاقية شراكة استراتيجية مع شركة 'موانئ دبي العالمية' لتطوير ميناء طرطوس، في واحدة من أضخم صفقات الاستثمار الأجنبي المباشر منذ بداية الحرب السورية.

وتتضمن الاتفاقية، التي تبلغ قيمتها 800 مليون دولار، تحديث الأرصفة والمراسي، وتوسيع مناطق التخزين والتفريغ، وإنشاء مناطق صناعية وخدمات لوجستية متكاملة، إلى جانب ربط الميناء بشبكات النقل البري والسكك الحديدية، ما يرفع قدرته التنافسية كمحور تجاري إقليمي.

وبحسب مصادر سورية رسمية، فإن المشروع سيخلق فرص عمل مباشرة وغير مباشرة، ويسهم في إعادة تنشيط حركة التصدير والاستيراد التي تراجعت بنسبة تفوق 70% خلال السنوات العشر الماضية.

ومن المقرر أن يُشكل فريق متابعة مشترك للإشراف على تنفيذ المشروع، يشمل إعداد الدراسات التفصيلية واستصدار الموافقات الرسمية، وإطلاق المناقصات، مع الالتزام الصارم بمعايير السلامة البحرية وحماية البيئة خلال مختلف مراحل التنفيذ.

وفي مايو الماضي، وقعت الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية السورية مع شركة 'موانئ دبي العالمية'، مذكرة التفاهم تمهيداً للتوقيع الرسمي الذي حضره الشرع.

ويومها قالت الهيئة السورية إن المذكرة تتضمن 'استثماراً شاملاً في تطوير وإدارة وتشغيل محطة متعددة الأغراض في ميناء طرطوس (غرب)، ما يسهم في رفع كفاءة الميناء وزيادة طاقته التشغيلية، وتعزيز دوره كمركز محوري لحركة التجارة الإقليمية والدولية'.

توجه استراتيجي

يرى الخبير الاقتصادي أحمد صدام، في تصريح لموقع 'الخليج أونلاين'، أن خطوة الإمارات نحو الاستثمار في الموانئ السورية تعكس توجهاً استراتيجياً لتوسيع حضورها في قطاع الموانئ الإقليمي.

ويشير إلى أن التحرك الإماراتي 'لا يستند فقط إلى دوافع تجارية، بل ينطوي أيضاً على رؤية سياسية ترى في سوريا فرصة استراتيجية لتعزيز النفوذ في موانئ شرق المتوسط'.

وأوضح صدام أن 'دمشق من جانبها تنظر إلى أبوظبي كشريك موثوق يمكن أن يملأ جزئياً فراغ الدعم العربي والدولي لإعادة الإعمار'، لكنه حذر في الوقت نفسه من أن 'مستوى هذا التحالف سيبقى مرهوناً بالاستقرار الأمني في سوريا، ومدى توفير بيئة استثمارية قادرة على استدامة العلاقة التجارية طويلة الأمد'.

وأضاف أن أهمية هذا الاستثمار تتجلى في 'حاجة سوريا الملحة إلى تطوير بنيتها المينائية، بما يواكب التغيرات المتسارعة في قطاع النقل البحري العالمي'.

واعتبر أن نجاح هذا التعاون قد يسهم في دعم برامج التنمية وتوسيع السوق وخلق فرص العمل، 'نظراً لدور الموانئ الحيوي كبوابات لجذب الاستثمارات'.

استكشاف فرص استثمارية

في يونيو 2025، أعلنت 'مجموعة الحبتور' الإماراتية أن مؤسسها ورئيس مجلس إدارتها، خلف الحبتور، سيزور سوريا قريباً على رأس وفد اقتصادي رفيع، بهدف استكشاف مشاريع استثمارية في قطاعات الضيافة والعقارات والخدمات.

وجاء ذلك في سياق اهتمام متزايد من قبل رجال الأعمال الإماراتيين بالفرص التي تتيحها السوق السورية، خاصة بعد تقارب سياسي بين دمشق وأبوظبي، وتخفيف الحظر الدولي الذي كان يعيق التعامل المالي مع مؤسسات سوريا.

وقال الحبتور، في بيان رسمي حينها، إن 'سوريا بلد غني بثقافته وتاريخه وشعبه'، مضيفاً أن مجموعته 'ترغب في أن تكون جزءاً من نهضة اقتصادية حقيقية من خلال مشاريع نوعية تُحدث فرقاً وتخلق فرص عمل'.

'برج ترامب'

وضمن استثمارات عقارية رمزية الطابع، كشفت مجموعة 'تايغر' الإماراتية عن خطط لإطلاق مشروع برج شاهق في دمشق يحمل اسم 'برج ترامب'، بتمويل يتراوح بين 100 و200 مليون دولار.

وأفاد وليد الزعبي، رئيس المجموعة، أن المشروع يأتي نتيجة نقاشات بدأت نهاية 2024 مع أطراف أمريكية وسورية، ويُنتظر تقديم طلبات التراخيص خلال زيارة مرتقبة إلى دمشق.

وتشير تسريبات لصحيفة 'الغارديان' البريطانية إلى أن البرج قد يحمل شعار 'Trump' الذهبي في أعلاه، في دلالة رمزية على بداية مرحلة سياسية جديدة بعد التوترات التي استمرت أكثر من عقد.

الصناعة والزيوت

في مايو 2025، أعلنت شركة 'إيليت لوب' الإماراتية المتخصصة في زيوت التشحيم والشحوم الصناعية عن نيتها دخول السوق السورية عبر شراكات استراتيجية مباشرة، بعد نجاحها في السوق العراقية.

وأكد المدير الإقليمي للشركة أن 'إيليت لوب' تسعى لتقديم حلول تشحيم متقدمة ترفع كفاءة القطاع الصناعي السوري، مشيراً إلى رغبة الشركة في تقديم خدمات العلامات التجارية المخصصة وتوطين التقنية الصناعية ضمن بيئة السوق السورية.

سياق أوسع من العلاقة الاقتصادية

ولعل الاتفاقية الأخيرة جاءت بعد زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى أبوظبي، في 8 يوليو، والتي كانت الثانية منذ توليه الحكم أواخر يناير 2025، حيث عقد لقاء رسمياً مع نظيره الإماراتي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، تناول سبل دعم جهود سوريا في إعادة الإعمار.

وشددت الوكالة السورية الرسمية 'سانا' على أن الزيارة تأتي في إطار خطة لاستقطاب الاستثمارات الخليجية ضمن برنامج شامل للتنمية.

كما صرح وزير الدولة الإماراتي للتجارة الخارجية، ثاني الزيودي، أن بلاده لا تستبعد بدء مفاوضات لعقد اتفاقية شراكة اقتصادية شاملة مع سوريا، فور استقرار الوضع القانوني للعقوبات، مشيراً إلى وجود فرص كبيرة في مجالات الصناعة والطاقة، بفضل الأيدي العاملة السورية والكفاءات الفنية المتوفرة.