أصدر رئيس الدولة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، أمس الثلاثاء، بصفته حاكماً لإمارة أبوظبي، مرسوماً أميرياً بتعيين عدد من أعضاء المجلس التنفيذي لإمارة أبوظبي.

وبالنظر إلى طبيعة التعيينات والمجالات التي ستشكل حقل إشراف أو مسؤولية الأعضاء الجدد، يكشف الشيخ محمد بن زايد، بمرسومه نظرته لمستقبل الإمارة من جهة والدولة عموماً في الفترة المقبلة.

جيل جديد

وبالنظر من قرب أكثر إلى التعيينات الأربعة التي أوردها المرسوم، فإنها تلفت الانتباه باشتراك الأربعة الجدد، في انتمائهم إلى جيل ما بعد قيام الدولة، والاتحاد، فجميعهم على عتبة الخمسين أو أقل، لم يعرفوا عصر ما قبل الاتحاد، وتربوا في الدولة الموحدة التي أقامها المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وشبوا في رعايته وكنفه، قبل أن يتسلموا اليوم، في عهد محمد بن زايد، دفة المسؤولية لينخرطوا في تحقيق الحُلم الذي راود المؤسس، لأبوظبي، وللإمارات عموماً.

والملاحظة الأبرز في التعيينات المعلنة أمس، أنها طالت 'أبناء زايد' بكل ما في الكلمة من معنى، من طفولتهم حتى تخرجهم في أعرق الجامعات المحلية، والعالمية، في الإمارات، أو في الولايات المتحدة، أو بريطانيا.

ومن جهة أخرى لا يُغفل المتابع أيضاً، ارتباط هذه التعيينات بتخصصات وقطاعات يمكن القول إنها تمثل أكبر التحديات التي يواجهها العالم اليوم، في ظل تحديات الجائحة، ثم النقل، والتغيير المناخي وتداعياته في ظل استعداد الإمارات لاحتضان مؤتمر كوب28، في نوفمبر(تشرين الثاني) المقبل، وأخيراً البعد الاقتصادي في ظل التحديات الخطيرة التي فرضتها تطورات أسواق النفط، وارتفاع نسب التضخم حول العالم، وتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، وشبح الركود الاقتصادي الذي بات يهدد أكبر وأعتى الاقتصادات حول العالم.

ما بعد كورونا

وبالنظر إلى قائمة المسؤولين الجدد، فإن الواضح أن رئيس دائرة الصحة الجديد منصور ابراهيم المنصوري، الذي برز في أكثر من قطاع وتخصص، من الإعلام إلى إدراة الشبكات، بحكم تكوينه في هندسة الاتصالات، ومن الإنتاج السينمائي الدولي، وغيرها من القطاعات التي أشرف عليها بحكم المسؤوليات الكثيرة التي كانت له على امتداد العقدين الماضيين، سيكون أساساً رجل اليقظة للتصدي إلى الجائحة المقبلة التي ينتظرها الخبراء حول العالم، بعد كورونا، والتوقي لها والوقاية منها، بحكم الخبرة التي تراكمت لديه بإشرافه على 'جي42' القطب الذي تحتضنه أبوظبي، والمتخصص في تطوير قطاع رعاية صحية على مستوى عالمي في الإمارات وخارجها، من خلال تسخير البيانات والتقنيات الناشئة والتكنولوجيا المتقدمة في الرعاية الصحية.

ثقافة الابتكار

وعلى غرار الصحة، ستكون خبرة ومهام أحمد تميم الكُتاب السابقة، على رأس عدد من الدوائر والمؤسسات ضمن شركة أدنوك، ومختلف المؤسسات الأخرى المملوكة لها، في قطاعات ومجالات مختلفة، عاملاً حاسماً في دفع دائرة الإسناد الحكومي في أبوظبي لتحقيق أهدافها، وهي المكلفة أساساً بتطوير القدرات البشرية، والفنية والرقمية والارتقاء بجودة وفاعلية الخدمات المقدمة من الجهات المرتبطة بالدائرة، والعمل على ترسيخ ثقافة الابتكار والتعاون والمرونة والإنتاجية في القطاع الحكومي لإمارة أبوظبي.

نقل مستدام

أما محمد علي الشرفاء، الرئيس الجديد لدائرة البلديات والنقل، فسيكون وهو القادم من قطاع الطيران، إلى جانب مسؤوليات كثيرة أخرى تولاها على مدى سنوات تراوحت بين القطاع المالي، والاستثماري، ودعم المشاريع الصغرى والمتوسطة، مسؤولاً عن حلول النقل المبتكر في أبوظبي، في ظل أهمية ومحورية هذا القطاع في صناعة عالم خالٍ من الانبعاثات الكربونية قبل قمة كوب28، وفي ظل الفورة التي يشهدها العالم، عبر الاكتشافات والابتكارات التي تتراوح بين المركبات الكهربائية، والنقل التشاركي، وعبر المنصات، مثل أوبر وغيرها، أو عبر الأجيال المقبلة من وسائل النقل، مثل الطيران بالوقود المستدام، أو الطائرات القابلة للشحن، أو العاملة بالطاقة الشمسية، أو النقل عبر الهيابرلوب، وغيرها.

من الركود إلى الفرص

أخيراً، وفي عالم يشارف على ركود كبير ومزمن بسبب الحرب في أوكرانيا، وارتفاع أسعار الطاقة، وتقلبات أسواق النفط، والتضخم، واستفحال البطالة، وغيرها، سيكون على دول وحكومات العالم، الاستعداد لتطورات متسارعة وكثيرة في الفترة المقبلة، ومواجهتها باقتدار، ليس فقط للوقاية من تداعياتها وتجنب آثارها، بل بحثاً عما تخلفه من فرص وما تفتحه من آفاق أيضاً.

وعلى هذا الأساس يعني تكليف أحمد جاسم الزعابي، برئاسة دائرة التنمية الاقتصادية، المستند إلى تجربة طويلة في إدارة المشاريع المالية الكبرى، سواء في شركة أدنوك، أو في دائرة المالية في أبوظبي التي سبق له أن أشرف فيها على مكتب الاستثمارات المالية، أو في صندوق خليفة لتطوير المشاريع، أو بمناسبة إدارته لمكتب الشركات المملوكة للدولة في المجلس التنفيذي بأبوظبي، وغيرها من المسؤوليات الكثيرة الأخرى، أنه الرجل الذي سيدخل بالدائرة مرحلة رفع وكسب تحدي ما بعد الجائحة، وما بعد الأزمة الاقتصادية الدولية.

إن ضم هؤلاء الفرسان الأربعة الذين اختارهم الشيخ محمد بن زايد إلى المجلس التنفيذي ليشرفوا على دوائر أربع، تُمثل بعض أهم وأكثر الدوائر حساسية، يعد في حد ذاته رهاناً جديداً على الشباب المواطن الذي نشأ في ظل الشيخ زايد، وتدرب في مدرسة محمد بن زايد، على التصدي لأصعب المسؤوليات وكسب أعقد التحديات.