لايف ستايل
موقع كل يوم -فوشيا
نشر بتاريخ: ١١ أب ٢٠٢٥
تعد الفنانة سلمى المصري، واحدة من أيقونات الدراما السورية، تطل على الشاشة بملامح تحمل الكثير من الدفء، وأداء يفيض صدقاً وإحساساً. من بداياتها وهي ترسم ملامح شخصيات لا تُنسى، تنتقل بين الكوميديا والتراجيديا بخفة واقتدار، حتى أصبحت اسماً راسخاً في وجدان الجمهور. وبابتسامتها التي تسبق كلماتها، وحضورها الذي يأسر المشاهد منذ اللحظة الأولى، رافقت أجيالاً كاملة عبر أدوار لا تُمحى من الذاكرة.
في حوار الأسبوع مع موقع 'فوشيا'، تفتح الفنانة القديرة سلمى المصري، ملفات الفن والحياة والعائلة بروحها الصادقة والمحببة.
سلمى المصري': رحلتي كامرأة كانت مليئة بالتحدي والإصرار والإيمان بالموهبة
بعد مسيرة فنية تقارب الأربعين عاماً، هل حققتِ ما طمحتِ إليه حين دخلتِ عالم الفن؟
حين أنظر إلى مسيرتي الفنية الطويلة، أشعر بالرضا ولله الحمد. ربما لم أكن أتخيل، وأنا في بداياتي، أنني سأعيش كل هذه التجارب وأقدّم العديد من الأعمال التي تركت أثراً في قلوب الناس. كان طموحي أن أكون صادقة مع فني، وأن أمنح كل شخصية حقها، وأن أصل إلى القلوب قبل العيون، وهذا تحقق إلى حد كبير.
لكن الفن، في نظري، كالبحر.. كلما غصتُ فيه اكتشفت أن هناك أعماقاً جديدة لم أصل إليها بعد؛ لذا، ما زال لديّ شغف كبير، وأحلام وطموحات لتجارب مختلفة، فالفنان إذا توقف طموحه، فقد انتهى، وأنا لا أريد التوقف.
كيف تصفين رحلتك كامرأة في وسط فني كان يهيمن عليه الرجال؟
كانت رحلة مليئة بالتحدي، والإصرار، والإيمان بالموهبة. استطعت أن أثبت أن للمرأة مكاناً قوياً في الوسط الفني، ليس فقط كممثلة، بل كقائدة رأي وصاحبة رسالة.
هل لمسلسل 'مرايا' فضل في شهرتك؟
لا شك، أن 'مرايا' من أهم المسلسلات التي قدّمتها الدراما السورية، فقد كان عملاً مميزاً ومختلفاً، يتميز بروح نقدية ساخرة، وقدّم الفنانين بطريقة قريبة من الناس، لكن، قبل مشاركتي فيه في أواخر التسعينيات، كنتُ قد قدّمت العديد من المسلسلات المعروفة التي لاقت انتشاراً محلياً وعربياً، لذلك، ورغم أن 'مرايا' شكّل محطة مهمة في مسيرتي الفنية، فإن الجمهور في مختلف أنحاء الوطن العربي كان يعرفني جيداً قبل ذلك، من خلال أدوار مازالت راسخة في الأذهان حتى الآن.
كثير من الفنانين أضحوا نجوماً بعد مشاركتهم في 'مرايا'، فما الخلطة السحرية التي حملها هذا العمل؟
الخلطة السحرية تكمن بالبساطة، والذكاء، والقرب من هموم الناس، وتنوع المواضيع. 'مرايا' لم يكن مجرد مسلسل كوميدي، بل كان مرآة حقيقية للمجتمع، نجح بتناول عدة قصص وحكايات بأسلوبه الخاص الذي لم يسبقه إليه أحد، ولأنه خاطب الجمهور بصدق وأمانة، كسب ثقة المشاهد الذي أصبح يترقب الأجزاء الجديدة بكل شوق وحب، كما أن الفنان ياسر العظمة كان يحرص على إعداد النصوص وانتقائها بعناية فائقة. فنجح في الرهان، ومنح كثيراً من الممثلين شهرة واسعة على طبق من ذهب.
شاركتِ في عدد من الأعمال التركية المعربة، فكيف تصفين هذا النوع من الدراما؟
هي تجربة درامية مثيرة للاهتمام، تحمل فرصة للانتشار والوصول إلى جمهور أوسع. هذه الأعمال تقدّم قصصاً مشوّقة بصياغة قريبة من الناس، فشعروا أنهم ينتمون إلى هذه الشخصيات بما تعيشه من محيط عائلي أو قصص حب وصداقة متشابكة، كونها تطرح قضايا وقصصاً لم يألفوها من قبل. ولا شك أن مشاركة الممثلين السوريين لعبت دوراً كبيراً في نجاح هذه الأعمال.
يرى البعض أن الدراما المعربة ظاهرة مؤقتة قد تتلاشى، فما رأيك؟
أعتقد أن كل ظاهرة لها وقتها، والدراما المعربة ستستمر ما دامت قادرة على جذب الجمهور وتقديم محتوى مقنع. لم تعد مجرد ظاهرة طارئة يُراهن على تلاشيها، أسوةً بالدراما المدبلجة التي راهن كثيرون على أفولها، واليوم يكاد عمرها يبلغ العقدين ولا تزال باقية. لكن الأهم برأيي أن نطور درامانا المحلية الأصلية، لأنها تعكس هويتنا الحقيقية.
ما سر المتابعة الجماهيرية الكبيرة للدراما المعربة؟
ربما يكمن السر في التشويق، والرومانسية، والتصوير السينمائي الجذاب، إضافة إلى أن قصصها غالباً ما تمس مشاعر الجمهور بشكل مباشر. وأعتقد أنها نجحت على مدار الحلقات الطويلة في خلق نوع من الألفة بين المشاهد وأبطال العمل.
شاركتِ في الكثير من المسلسلات الشامية، برأيك هل انتهت موضة هذا النوع من الدراما؟
دراما البيئة الشامية ليست موضة، بل جزء من تراثنا الفني والثقافي. قد تمر بفترات ضعف أو تكرار، لكنها ستبقى حاضرة ما دام هناك من يُحسن تقديمها برؤية جديدة. ولا شك أن الإرث والحكايا الدمشقية لها وقع خاص على من يراها ويسمعها، حيث تشكل حالة خاصة من الانبهار والإعجاب عند المتلقي.
كيف نجحت الدراما الشامية في الحصول على الشعبية الجارفة داخل سوريا وخارجها؟
لأنها تحاكي بيئتنا الحقيقية، وتعكس الأصالة والقيم والعلاقات الاجتماعية، وهذا ما يحنّ إليه الناس في زمن تغيّرت فيه الكثير من المفاهيم. ولا ننسى حقيقة أن هذه الأعمال مطلوبة في السوق، والقنوات العربية تفضل عرضها في كل موسم رمضاني، وقد أعيد عرضها على القنوات الفضائية العربية عشرات المرات، وحققت ولا تزال تحقق نسب مشاهدة مرتفعة.
باعتبارك بنت الشام، هل تمثل هذه المسلسلات صورة البيئة الشامية الحقيقية؟
بعضها يمثلها بدقة، والبعض الآخر يختصرها أو يضخّم بعض الجوانب. البيئة الشامية الحقيقية أعمق، فيها رقي، وحكمة، وكرم، وأنا حريصة على أن أقدّم الشخصية الشامية بأصالتها الحقيقية.
سلمى المصري لـ'فوشيا': المرأة كانت وما زالت تواجه تحديات كثيرة
بشكل عام، كيف ترين تطور الدراما السورية منذ بدايتك حتى اليوم؟
الدراما السورية تطورت كثيراً، رغم كل الظروف. عشنا فترات ذهبية، وتحديات صعبة، لكن الإبداع لم يتوقف، والمواهب مستمرة في الظهور، وهذا مصدر فخر.
كيف ترين التحديات التي تواجهها المرأة في مجتمعنا اليوم؟
المرأة كانت وما زالت تواجه تحديات كثيرة، منها الحصول على التقدير والاحترام، والموازنة بين التطلعات المهنية والمسؤوليات الاجتماعية، لكن وعيها وإصرارها يمنحانها القوة. وهي تحتاج إلى دعم مجتمعي أكبر.
برأيك هل لا تزال المرأة مضطرة لإثبات ذاتها في مجالات معينة أكثر من الرجل؟
نعم، للأسف. كثيراً ما تُطالب المرأة بإثبات مضاعف، لا لشيء سوى لأنها امرأة. ومع ذلك، أثبتت أنها قادرة على التميّز في كل المجالات.
كيف تنظرين إلى صورة المرأة في الأعمال الدرامية حالياً؟
هناك تطور ملحوظ، لكن لا يزال هناك ضعف في بعض الصور النمطية. نحتاج إلى مزيد من الأدوار التي تُظهر قوتها، وذكاءها، وقدرتها على التغيير. هناك الكثير من القضايا الاجتماعية المهمة التي أتمنى إثارتها، وفي مقدمتها قضايا المرأة ومعاناتها.
كيف توازنين بين كونك فنانة وإنسانة تحمل رسالة تجاه قضايا المرأة؟
أحاول أن أختار أدواري بعناية، وأن أكون صوتاً للمرأة في كل ما أفعله. الفن ليس فقط تمثيلاً، بل مسؤولية ورسالة يجب أن تُحترم.
هل تؤمنين بأن الفن يمكن أن يكون وسيلة فعلية لتغيير واقع المرأة في المجتمع؟
بكل تأكيد، الفن أقوى من السياسة أحياناً في التأثير على الوعي العام، فقصة تُروى بإحساس قد تغيّر نظرة جيل كامل تجاه المرأة، فالفن لسان ناطق يعبّر عن أعمق مشاعر الإنسان وأفكاره، بل هو قوة دافعة وشريك أساسي في بناء المجتمع وتطوره، ويلعب دوراً حيوياً في تشكيل الوعي، وإثراء الروح، وتعزيز التواصل.
ما النصيحة التي توجّهينها للفتاة التي تحلم بأن تكون ممثلة؟
أن تؤمن بنفسها، وتثق بموهبتها، وتتعلم دائماً، وأن تدخل هذا المجال بشغف وليس بحثاً عن شهرة فقط. الصدق مع النفس هو الأساس.
ما زلتِ مثالاً للمرأة الجميلة، فكيف تحافظين على هذا الجمال؟
الجمال برأيي يبدأ من الداخل، أحاول أن أعيش بسلام، وأن أحب الحياة، وأهتم بصحتي ونفسيتي، وأعتقد أن البساطة سر الجمال.
كيف تتعاملين مع النقد، خاصة في مواقع التواصل الاجتماعي؟
أفرّق بين النقد البنّاء والهدّام. أرحب بأي رأي يضيف إلي، وأتجاهل ما يهدف فقط إلى التجريح. فمواقع التواصل سلاح ذو حدين، كونها عالماً افتراضياً لا يعكس الحقيقة دائماً.
سلمى المصري لـ'فوشيا': علاقتي بحفيدتي استثنائية.. وشقيقتي فنانة موهوبة وإنسانة راقية
كيف نجحتِ بتحمل مسؤولية ولديكِ بعد وفاة زوجك المبكر؟
كان الأمر صعباً جداً، لكن حبّي لهما وإحساسي بالمسؤولية منحاني القوة. كنتُ أماً وأباً، وربّيت ولديّ على القيم، والاستقلال، والكرامة.
ما مدى صعوبة أن تعيش المرأة بلا رجل؟
الصعوبة ليست في غياب الرجل، بل في مواجهة نظرة المجتمع، فالمرأة قادرة على الاستقلال، والنجاح، والعطاء، متى ما آمنت بقوتها. وعليها استثمار هذا الواقع وتحويله إلى فرصة إيجابية، من خلال الاعتماد على الذات، وحسن التعامل مع الضوابط والضغوطات الاجتماعية والحياتية.
ترافقين حفيدتك 'سلمى' في معظم مشاويرك، فكيف تصفين علاقتك معها؟
علاقتي بها استثنائية، هي نبض قلبي، وصديقتي الصغيرة. أتعلم منها البراءة، وتعلّمني كيف أرى العالم بعين جديدة.
ما القيم التي تحرصين على غرسها في حفيدتك الصغيرة؟
الصدق، الاحترام، حب العلم، والاجتهاد، والرحمة، والشجاعة، والثقة في النفس. أريدها أن تكبر قوية، مستقلة، وألا تخاف من التعبير عن نفسها.
دخلتِ مجال الدراما برفقة شقيقتك مها، ما موقف العائلة من ذلك حينها؟
العائلة كانت داعمة، رغم القلق الطبيعي. والدتي كانت تؤمن بموهبتنا، ووالدي كان يثق بقدرتنا على الحفاظ على اسم العائلة.
كيف كنتما تتنافسان؟
لم تكن هناك منافسة، بل دعم متبادل. لكل واحدة منا أسلوبها وأدوارها. وكنا نتشارك الحلم ونفرح لنجاح بعضنا.
هل تستشيران بعضكما فنياً؟ وبماذا تنصحين مها الآن؟
نعم، دائماً نتبادل الآراء. مها فنانة موهوبة وإنسانة راقية. أنصحها كما أنصح نفسي: 'ابقي صادقة، وأحبي ما تفعلين'.